الاثنين، 11 يونيو 2012

نادى دبى للصحافة يعلن نتائج استطلاع منتدى الإعلام العربى

متابعات إعلامية / دبي:

أعلن نادى دبى للصحافة، الجهة المنظمة لمنتدى الإعلام العربى، عن نتائج استطلاع الرأى الذى أجرى خلال الدورة الحادية عشرة للمنتدى.

وتتكامل هذه الدارسة مع الجهود البحثية لنادى دبى للصحافة فى الإصدار الرابع من تقرير نظرة على الإعلام العربى، والذى يرصد التغيرات والتطورات وأنماط الاستهلاك الإعلامى فى 17 دولة عربية.

وكشف الاستطلاع أن 53 % ممن استطلعت آراؤهم أن وسائل الإعلام العربية لا تهتم بشكل كاف بـ"القضايا المدنية والتعليم" و"القضايا الإنسانية وشئون الأسرة" و"الصحة والطب". ومن المثير للاهتمام، أن 6 % فقط ممن شملهم الاستطلاع رأوا بأن الإعلام يجب أن يسلط الضوء على موضوعات مثل "شفافية وسائل الإعلام" و"السياسة" و"الرياضة".

وأبرز الاستطلاع المكانة المتنامية لقنوات التواصل الاجتماعى باعتبارها مصدراً للأخبار، حيث قال 60 % من المشاركين إنهم يحصلون على أكثر من 30 % من الأخبار من منصات وسائل الإعلام الاجتماعية، فى حين أن 15 % يحصلون على 30 - 69 % من أخبارهم من المصدر ذاته. وبالإضافة إلى ذلك، قال 10 % ممن شملهم الاستطلاع إنهم يعتمدون على قنوات التواصل الاجتماعى كمصدر للأخبار فى وقت أقل بنسبة 30 % مقارنة مع المصادر الأخرى.

وفى حين أكد 54 % من المشاركين أنهم تابعوا الأوضاع السياسية الأخيرة فى المنطقة عبر مصادر على الإنترنت، قال 43 % إنهم تابعوا الأخبار عبر التلفزيون. أما وسائل الإعلام المطبوعة فلم تستحوذ إلا على حصة ضئيلة لم تتجاوز 3%. وكان التفاوت الواسع بشأن الإعلام المطبوع واضحاً أيضاً فى نتائج الإصدار الرابع من تقرير نظرة على الإعلام العربى.

وحول هذا التراجع الملحوظ لوسائل الإعلام المطبوعة، قال 25% من المستطلعين إن قطاع الصحافة المكتوبة سوف يتلاشى. غير أن 75% أكدوا أن نهاية الإعلام المطبوع ما تزال بعيدة.

وأكدت نسبة كبيرة من المشاركين فى الاستطلاع (55 %) أن نوعية الصحافة العربية قد تطورت نحو الأفضل على مدى العامين الماضيين، فى حين قال 24% إنه ما تزال ثمة حاجة ملحة لإجراء المزيد من التغييرات، كما قال 21 % من المشاركين فى الاستطلاع إن أوضاع الإعلام العربى ازدادت سوءاً.

يذكر أن منتدى الإعلام العربى حقق نجاحات متواصلة طيلة مسيرته الحافلة على مدى السنوات العشر الماضية، الأمر الذى يؤكد قدرة دبى ودولة الإمارات العربية المتحدة على استضافة مثل هذه الأحداث البارزة التى تستقطب حضوراً واسعاً من وسائل الإعلام الدولية.

وكان نادى دبى للصحافة قد أعد استمارة لتقييم أداء المنتدى، حيث أجرى استبيانا على عينة عشوائية ضمت نحو 700 مشارك من إجمالى المشاركين الذين وصل عددهم إلى أكثر من 3800 من داخل وخارج المنطقة، فضلاً عن نخبة من صانعى القرار وقادة الرأى ورواد الأعمال والمبدعين. وقد تضمن الاستبيان أسئلة حول مستوى التنظيم والاستقبال، والبرنامج والمتحدثين والضيوف، والموقع، والحضور الإلكترونى على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، بالإضافة إلى مستوى التقييم العام للمنتدى. وجاءت نتائج الاستبيان لتثبت نجاح المنتدى عاماً بعد عام فى تركيس مكانته واحداً من أبرز الفعليات الإعلامية فى العالم العربى.

وكان النادى قد أعلن فى نهاية شهر أبريل عن النتائج الرئيسية للإصدار الرابع من تقرير نظرة على الإعلام العربى، والتى تضمنت توقعات حول صناعة الإعلام الإقليمية حتى عام 2015. ويكتسب التقرير أهمية خاصة كونه أُعد فى أعقاب فترة من التغييرات الاستثنائية فى جميع أنحاء المنطقة، وهو إحدى المبادرات التى يهدف نادى دبى للصحافة من خلالها إلى الإسهام فى توفير البيانات الدقيقة والتحليلات والتوقعات المستقبلية المتعلقة بصناعة الإعلام العربى، حيث سلط الضوء على الاتجاهات الإعلامية عبر 17 دولة، بما يجعل منه مرجعاً موثوقاً للمهتمين بقطاع الإعلام فى المنطقة 
اليوم السابع.

ضمير الصحافي.. إحياء لميثاق الشرف الأخلاقي .. استمرار الجدل حول اعتماد «القَسَم» عوضا عن الالتزام المهني للصحافي

متابعات إعلامية / جده / خديجة حبيب

أقسم بالله العظيم أن أصون مصالح الوطن وتراثه وحضارته وتقاليده، وأن أؤدي رسالتي الإعلامية بالشرف والأمانة والنزاهة، وأن أحافظ على سر المهنة وأحترم آدابها وقوانينها (...)، والله على ما أقول شهيد». كان هذا نموذج القَسَم الذي يؤديه الصحافيون في مصر بعد قبولهم في نقابة الصحافيين، فالقَسَم على اختلاف صيغته فإنه بات تقليدا دوليا وعرف في كثير من المهن، مثل الطب والمحاماة.
ولا يزال الجدل قائما بين الدول العربية التي تعتمد ميثاق الشرف الأخلاقي في مهنة الصحافة عوضا عن القَسَم المهني الذي هو مرتبط بالدرجة الأولى بالشخص ومدى التزامه الديني والمهني، الذي لا توجد عقوبة لمن يتجاوزه، بعكس الميثاق المتعارف عليه والذي يترتب على انتهاكه عقوبات معروفة ومحددة، إلا أن هناك بعض الدول لا تعترف بهذا ولا ذاك وترى أن العمل بالنظم والضوابط الإعلامية الموضوعة هو أفضل خيار، بحجة أن القَسَم غير ملزم، وقد ينساه الشخص، والميثاق هو التزام أخلاقي ليس إلا.
لكن ممدوح الولي عميد نقابة الصحافيين المصريين يرى أن الميثاق أكثر إلزاما من القَسَم الذي قد ينساه الصحافي، والذي لا تترتب عليه أي عقوبات في حال الإخلال به، بينما الميثاق تترتب عليه عقوبات واضحة لمن قد يخل به. ويقول في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «على الرغم من العمل بميثاق شرف المهنة الموجود لدينا منذ سنوات، فإن مخالفة قوانينه تعرض الصحافي للتحقيق وللمسالة القانونية، ما يترتب عليه عقوبات تتدرج حسب نوع المخالفة»، مؤكدا أن وجود الميثاق لم يمنع نقابة الصحافيين في مصر من المحافظة على القَسَم، باعتباره عرفا مهنيا.
وأوضح أن القَسَم أصبح أمرا مرتبطا باحتفالية اليوم العالمي للصحافي، التي تعكف نقابة الصحافيين على إقامتها، لتحضير الصحافيين الجدد الذين تم قبولهم في النقابة، لترديد القَسَم أمام الجمهور. ومن واقع الخبرة العملية عاد ولي ليؤكد أن الغرض من القَسَم المهني والميثاق الأخلاقي هو ضبط المهنية الصحافية لدى الصحافيين، إلا أن هناك عنصرا أكثر أهمية هو قيم المهنة لدى الصحافيين، مثل عدم دخول الصحافي لأي من الأحزاب السياسية، على نحو يفقده حياديته ومصداقيته، إلى جانب منع عمل الصحافي في الإعلانات التجارية.
من جهته يرى الدكتور عبد الله الجحلان، أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين، أن «لكل بلد اشتراطاتها في ممارسة المهنة، وأن ما حملته المادة 20 من توصيف لمتطلبات المهنة في نظام المطبوعات الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام في السعودية كافٍ»، موضحا أن «وجود الميثاق والقَسَم ليس أساسيا لممارسة العمل الصحافي»، مؤكدا أن «هناك مهنا أكثر أهمية من مهنة الصحافة وليست ملزمة بقَسَم».
وفي حين يؤكد الجحلان على أن هناك كثيرا من المهتمين بالشأن الصحافي ينادون بأهمية وضع ميثاق شرف أخلاقي للمهنة، أسوة ببعض الدول العربية، إلا أنه يعود للتأكيد على أن «ضوابط الإعلام أقوى من القَسَم، وميثاق الشرف الأخلاقي الذي قد لا يكون ملزما هو بالدرجة الأولى التزام أخلاقي وأدبي، لا سيما وأنه لا توجد عقوبة لمن يخالف ذلك الميثاق»، مشددا على أهمية النظام لردع من يخالفه.
وفي ذات السياق أكد الدكتور محيي الدين تيتاوي، رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين، ونائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن «العادة لم تجرِ في كثير الدول العربية على اعتماد القَسَم المهني باعتباره تقليدا وعرفا مهنيا في كثير من الدول المتقدمة»، وأرجع اعتماد السودان على ميثاق الشرف الأخلاقي عوضا عن القَسَم المهني لكون الثاني يعتمد على مبادئ إنسانية بالدرجة الأولى، ومدى التزام الشخص بما هو مؤمن به، معتبرا الميثاق الأخلاقي أكثر إلزاما للصحافي، لا سيما وأنه يلزمه بمسؤوليات تجاه القضايا التي يتبناها، بخلاف الشأن الذي يكتب فيه. لكن أمين عام هيئة الصحافيين السعوديين عاد ليؤكد أن المشكلة في العمل الصحافي لا تكمن في عدم وجود قَسَم يؤديه الصحافي، أو ميثاق شرف أخلاقي، معتبرا المشكلة الحقيقية التي تواجه الصحافة السعودية «تكمن في فهم طبيعة الأدوار، وتوفر اشتراطات المهن في من يمارسون المهنة»، مؤكدا أن القَسَم أو ميثاق الشرف المهني قد «يأتي لاحقا، بعد اكتفاء الشروط المهنية في من يمارس المهنة»، وهو ما دفع الولي إلى التعليق بقوله: «كثير من الخروقات والمغالطات التي باتت تحصل مؤخرا هي نتيجة معطيات كثيرة، أهمها تعاطي العاملين في المهنة باعتبارها نوعا من البريستيج، وكذلك تعامل المجتمع مع الصحافة على أنها مهنة تلميع، الأمر الذي يضع الصحافي الحقيقي في مواجهة حقيقية مع المبادئ والقيم والقضايا التي يؤمن بها».
وعن شروط الانضمام إلى نقابة الصحافيين في مصر، قال: «لا بد أن يكون الصحافي متفرغا ومحترفا للعمل الصحافي، ويعمل في منشأة صحافية، تصدر بشكل دوري ومنتظم، على مدى عام، وأن يكون قد مضى على عمله بها، ما لا يقل عن ثلاثة أشهر كحد أدنى»، مشيرا إلى شروط أداء الخدمة العسكرية، والمؤهل الجامعي، بالإضافة إلى وجود الأرشيف الصحافي الخاص به. ولفت إلى الاختبارات التي يخضع لها الصحافي كل خمس سنوات عند الانضمام إلى النقابة، والتي لم يتم تطبيقها حتى الآن، إلا أنه عاد ليؤكد على أهمية تطبيق الاختبارات عند التقديم في المرة الأولى، والمتمثلة في اختبار الحاسب الآلي، وبعض الأسئلة العامة التي تتمحور حول مدى معايشة الصحافي لمستجدات المهنة، والقرارات الخاصة بها، إلى جانب مناقشته في أرشيفه الصحافي.
وعلى الرغم من أن تلك الاختبارات معتمدة في أغلب النقابات الصحافية في الدول العربية، فإنها تختلف من بلد لآخر، وهو ما أكده تيتاوي في كون تلك الاختبارات ذات صلة مباشرة بالعمل الصحافي، وتشمل التحرير الصحافي، والحاسوب، والترجمة، واللغة العربية، والثقافة العامة، دون أي استثناء لحملة الدرجة الجامعية في نفس التخصص.
وأوضح التيتاوي أن «الصحافي من حملة الثانوية العامة لا بد أن لا تقل خبرته في العمل الصحافي عن خمسة عشر عاما»، مؤكدا أن ممارسة العمل الصحافي محصورة بعضوية اتحاد الصحافيين السودانيين، والحصول على بطاقة مهنية، بالإضافة إلى اجتياز الاختبارات. يأتي ذلك مقابل الخدمات التي تقدمها النقابة للصحافيين، مثل تولي الاتحاد مهام الدفاع عن حقوق الصحافيين، والعمل مع الجهات المختصة بأن لا يتم إلقاء القبض على الصحافي دون وجود مسوغ حقيقي، أما في حال تم استدعاء الصحافي للمحكمة فيتم الإفراج عنه بعد التحقيق وبالضمان الشخصي. وأمام الأعداد المتزايدة للصحافيين جاءت خدمة إنشاء ثلاث مدن للصحافيين، تقوم بتأمين وحدات سكنية بأسعار رمزية، وذلك لخلق نوع من الاستقرار للصحافي، بالإضافة إلى وضح حد أدنى من الأجور للمبتدئين، إلى جانب توفير تأمين صحي للصحافي وأسرته، مرجعا ذلك إلى طبيعة العمل الصحافي المرهقة، التي قد تؤثر سلبا على الصحة.
جدير بالإشارة أن مجلس الوزراء السعودي - وهو أعلى جهة تشريعية بالسعودية - كان قد أصدر مؤخرا قرارا بقصر ضبط ممارسة العمل الصحافي على الصحافيين المعتمدين لدى هيئة الصحافيين السعوديين.
الشرق الاوسط

الإعلام المنحاز بين خيارين

متابعات إعلامية / كتب/ نبيل شبيب


لئن وقعت تطورات كبيرة سابقة مثل الهجمة العسكرية الأميركية أو معارك المقاومة المسلحة، فمهدت لمسار مرحلة "الثورات" الراهنة في المنطقة العربية والإسلامية، فلن يمنع ذلك المؤرخين على الأرجح من اعتبار ثورة شعب تونس نقطة انطلاق في مسلسل التاريخ الزمني لمرحلة الثورات، التي ستأخذ مكانها في سجل التاريخ باعتبارها "حقبة انتقالية قصيرة"، أصبح ما بعدها -ربما على امتداد قرون- مختلفا جذريا عما قبلها مما استمر قرونا.
لا تتكون هذه المرحلة فقط من ثورات تاريخية كبرى تصنعها الشعوب على مستبدين، بل تنطوي كل ثورة بطبيعتها على "تحولات" متفرعة عديدة أشبه بثورات ميدانية أصغر، تتداخل في بعضها بعضا، وتؤدي أدوارها في جملة المشهد التاريخي، وإن صعب تمييزها منفردة أثناء معايشة الأحداث اليومية المتنوعة والمتتابعة للحدث الكبير الشامل لها، ومن ذلك ما نرصده من "معركة إعلامية" يستحيل فصلها عن مرحلة الثورات وطبيعتها.

بدهيات مغيّبة
لا يمكن اختزال الساحة الإعلامية لمرحلة الثورات الشعبية الجارية في حدود اتهامات عشوائية يجري تناقلها عبر وسائل الإعلام نفسها، التقليدية والحديثة، وفي مقدمتها كما بات معروفا: هذه فضائية تحريضية، وتلك مهنية، وهذه تشارك في صنع الثورة، وتلك حيادية، وهذا إعلام رسمي ميت، وذاك إعلام خاص، اسما فقط، إذ ينضوي تحت جناح الأنظمة، أو يتحرك ضمن القنوات التي صنعتها للإعلام.
وكل وصف من قبيل إعلام حر أو مستقل أو منحاز أو تحريضي أو مهني هو وصف نسبي بحد ذاته، وخاضع لرؤية الفرد أو الجهة التي تستخدم هذه التعابير وأمثالها لأغراض لا علاقة لها بالإعلام نفسه غالبا.
لا بد لتخفيف نسبة الضباب –وليس التخلص منه كلية فهو أمر غير قابل للتحقيق- من العودة إلى بعض البدهيات الأساسية المغيّبة في الشأن الإعلامي، ومن ذلك باختصار شديد:
مضمون الإعلام: خبر ورأي، ودور الإعلام: تعبير عن الرأي العام ومشاركة في صناعته، ورسالة الإعلام: خدمة المصلحة العامة المرتبطة بالإرادة الشعبية، وواقع وسائل الإعلام العربية وفي أنحاء العالم، خليط من هذا كله، وخليط من سواه، فبنية وسائل الإعلام وممارساتها مرتبطة ببلد المنشأ ونوعية الحكم فيه وبالتمويل وتأثير مصادره، ثم في المرتبة الأخيرة –البالغة الأهمية أيضا- بالعاملين في وسائل الإعلام وكفاءاتهم وتوجهاتهم: إدارة عليا، وإدارة تحرير، ومنتجين للمادة الإعلامية من محررين ومصورين وسواهم.
ومن مصداقية الإعلام أن لا يفقد الإعلامي وجدانه، لا سيما في الفضائيات، وقد يكون متميزا عندما يتمكن من مواراة تأثره أو دمعة في عينيه أو نبرة الغضب في صوته، وهو يعرض بين يدي من يشاهده مشهدا من المشاهد المؤثرة إنسانيا، المثيرة عقديا أو وطنيا، وليس من مصداقيته ولا تميزه أن يظهر بمظهر صخرة صماء عديمة الإحساس بزعم "الحياد والمهنية".
ويتبين مما سبق ذكره –بإيجاز كبير- حجم "النسبية والتعميم" في الحديث عن إعلام حر مستقل نزيه موضوعي، وأنّه حديث مثالي في كثير من الأحيان، حتى وإن دار في حدود دراسة منهجية "أكاديمية"، فلواضع الدراسة رؤيته الذاتية المؤثرة على كيفية إعدادها وما تصل إليه من نتائج، وقد تتجاور دراستان قيمتان مضمونا وأسلوبا ومنهجا ومتناقضتان نتيجة، إذ يسري على الإعلام ووسائله ما يسري على كافة ما يرتبط بالميادين التاريخية والإنسانية والسياسية والفكرية والثقافية، فهي تتعلق دوما بالخصائص الشخصية الفردية، وتختلف بذلك اختلافا أساسيا عما يسري على الميادين العلمية الطبيعية والرياضية، المتعلقة بخصائص المادة التي لا تشمل العقل والوجدان والثقافة وغيرها من عوامل التمييز بين شخص وآخر، ومنطلقات كل منهما، وبالتالي ما يصنع الفرد من دراسة أو يكتب من مقال أو يعبر عن موقف.

المهنية في الإعلام
للمهنية في الإعلام مواصفات عديدة، بدءا بالشمولية مع التخصص وانتهاء بالتقنية والجمالية، ومنها ما يرتبط بوضوح الخط الرقيق الفاصل بين الخبر والرأي، بحيث يستطيع "المستهلك للإعلام" أن يميّز بين معلومة تصل إليه، فيأخذ علما بها، ورأي يُعرَض عليه، فيقبله أو يرفضه، ويهبط مستوى المهنية بقدر ما تكون المعلومة بحد ذاتها ناقصة أو مجتزأة أو تقدم جزءا محدودا من الموضوع المرتبطة به، كما يهبط بقدر ما تكون الآراء المطروحة صادرة عن مشكاة واحدة دون سواها.
هذا جانب نظري.. فعلى أرض الواقع أصبحت المهنية في الإعلام في عصر الفضائيات ودورها الأوسع تأثيرا من سواها، مرتبطة في الأذهان بالقدرة على الإخراج، ثم في المرتبة الثانية بمضمون المادة الإعلامية.
هنا تكفي المقارنة بين "مقدمات" مصورة تسبق نشرات الأخبار في الفضائيات، لتقدير أن هذه الفضائية أقدر من تلك على قول ما تريد قوله ووضعه في إطار يؤثر على المشاهد والسامع. وعند التأمل في المشاهد والعناوين ضمن تلك المقدمات تأملا أعمق، يظهر للمتأمل أن العنصر الأهم في المهنية على هذا الصعيد هو مدى ارتباط هذه الجزئية (المقدمات) من المادة الإعلامية بحقيقة الحدث.
ورغم الرغبة في تجنب الأمثلة لا بد لتوضيح المقصود من الإشارة إلى ما يعنيه هذا الجانب المهني الذي تجلى فيما اختارته فضائية الجزيرة من عناوين متتالية في مواكبة ثورة شعب مصر: مصر تتحدث عن نفسها، ثورة شعب، الشعب ينتصر، مصر الثورة.. مع المشاهد المعبرة عن ذلك، وبالتالي المعبرة عن المراحل التي قطعتها الثورة في 18 يوما حتى حقق الشعب هدفه الأول: الشعب يريد إسقاط النظام.
وليس من المهنية أن تربط مقولات كثيرة واكبت مجرى ثورة شعب مصر، وانتشرت في نطاق "المعركة الإعلامية"، ما بين المهنية الإعلامية وبين بقاء الفضائيات في إطار الحدود التي يتيحها واقع قائم لأداء المهمة الإعلامية، فهذا ربط يقلب معنى المهنية رأسا على عقب. إن الإعلام الذي يعجز عن التصرف مخترقا قيود الواقع المفروض في إطار نظام استبدادي.. ليس إعلاما، ناهيك عن أن يكون مهنيا.
القدرة على متابعة الحدث إعلاميا، بتفاصيله، لا سيما ما يشمل إعلام المستهلك، أي الشعوب، بالمحظور اطلاعه عليه من جانب الاستبداد، هي أول عناصر الكفاءة المهنية في الإعلام المعاصر، ويقابلها أن تقبع وسيلة الإعلام في زاوية الحظر والمنع تطويعا أو الملاحقة والاعتداء والاعتقال رهبة وخوفا.
بل إن كثيرا من الجهات التي تنتقد وصول بعض الفضائيات (مثل بي بي سي العربية.. وليس الجزيرة فقط) إلى الكشف عما أراد النظام في مصر قبل سقوطه التعتيم عليه، هي ذاتها الجهات التي كانت تشيد بمهنية وسائل الإعلام الغربي وقدراتها، لأنها كشفت المحظور في فيتنام فساهمت في إنهاء حرب عدوانية مدمرة، أو المحظور في "قضية ووتر جيت" فأسقطت رئيسا يستغل منصبه، أو المحظور في حرب احتلال العراق –كشفا جزئيا- فبدلت منظور الرأي العام الغربي لصانعيها.. ناهيك عن متابعة تلك الجهات لدور وسائل الإعلام الغربية في الكشف عن فساد مسؤول فيسقط، أو تورطه في قضية أخلاقية فيُقال.. هل يمكن لمن يمارس هذه الازدواجية على حساب حق الشعوب العربية في إعلام مشابه على الأقل، أن يكتسب مصداقية عندما يتهم جهات غربية بالازدواجية في التعامل مع قضايا المنطقة العربية والإسلامية على سبيل المثال؟..
إن اتهام بعض الفضائيات –تخصيصا الجزيرة- بأنها شاركت عبر أسلوبها الإعلامي في إسقاط نظام استبدادي –كما يقال عنها- من خلال الإسهام في الكشف عما كان يريد بقاءه "مستورا محظورا" طلبا لبقاء الاستبداد.. لا يمثل اتهاما، بقدر ما يمثل شهادة على مستوى المهنية الإعلامية العالية التي وصلت إليها في ظل ظروف خاصة بها وظروف عامة بالغة الشدة على رسالة الإعلام وعلى وجوب أن يكون في خدمة الشعوب وليس الاستبداد، كيلا يكون شعار "السلطة الرابعة" مجرد شعار مزيف.

الإعلام التحريضي المنحاز
من الجوانب الهامة المرتبطة بموقع المضمون من الكفاءة المهنية الإعلامية، التمييز بين الخبر والرأي. وكل وسيلة إعلامية تقتصر فيما تنقله من "أخبار" على طرف دون طرف، أو على جزء من مضمون الخبر دون جزء آخر، تفقد مصداقيتها الإعلامية، وقد تضاعفت سرعة سقوط هذه المصداقية –شعبيا- في عصر بات فيه حجب "الخبر" أشبه بالمستحيل.
على أن سقوط المصداقية مرتبط بما هو أهم من ذلك عندما يكون الحدث من قبيل ثورة شعب على نظام مستبد، فهنا بالذات تتمثل المهنية في نشر الخبر الصادر عن الجهة التي يحاول الاستبداد بوسائل غير مشروعة أن يحول دونها ودون الوصول بما تريد إلى وسائل الإعلام.
ولا مصداقية –مهنية أو غير مهنية- لوسيلة إعلامية، أيا كانت، عندما تقتصر كليا أو بنسبة عالية على نشر "المباح"، بمعنى ما يقول به النظام فقط أو يسمح بقوله، وهو الذي يملك ما يكفيه من وسائل الإعلام المؤتمرة بأمره لنشر ما يريد وإخفاء ما يريد.
هذا مما يفسر الإقبال على الجزيرة أكثر من سواها أثناء ثورة شعب مصر. ولم يقتصر هذا الإقبال على العرب والمسلمين، ويمكن لكاتب هذه السطور أن يشهد على أن بعض وسائل الإعلام الغربية (وعلى الأقل الألمانية، وقد تابعتْ إحدى الفضائيات الناطقة بالألمانية ثورة مصر بتغطية مستمرة هي الأولى من نوعها عموما) تحولت بعد أيام الثورة الأولى إلى متابعة الجزيرة أكثر من سواها، نتيجة رصدها أنها كانت أقدر مهنيا على تنفيذ أحد الشعارات التي وضعتها لنفسها: الصورة كاملة.
الصورة كاملة من حيث تكامل الأخبار لتغطية المشهد، وتكامل الآراء من داخله وحوله، فالإعلام خبر ورأي، وكل ما يتعدى مضمون الخبر مجردا هو رأي إعلامي، وبالتالي فكل ادعاء يصدر عن وسيلة إعلامية أو عن العاملين فيها بالاقتصار مهنيا على الجانب الخبري وحده ادعاء غير صحيح ويستحيل أن يكون صحيحا بطبيعة الإعلام نفسه.
التمييز يرتبط بنوعية الآراء المطروحة، وكل مسؤول في وسيلة إعلامية يدرك تماما أنه منحاز على هذا الصعيد، والفارق كامن في السؤال: إلى أي جهة ينحاز؟ وفي مرحلة الثورات الشعبية يصبح السؤال: هل ينحاز إلى حق الشعوب أم باطل الاستبداد؟
هذا التمييز بين إعلامي وإعلامي، ووسيلة إعلامية وأخرى، هو العنصر الحاسم في المصداقية الإعلامية في هذه المرحلة، مرحلة تصنيف الإعلام تبعا لتصنيف طرفين نقيضين: مستبد مسيطر، وشعب ثائر على السيطرة.
من هنا لا بد من القول بصورة واضحة مباشرة إن الإعلام الذي لا ينحاز إلى الشعوب هو الإعلام المنحاز للأنظمة، فإن كانت مستبدة فاسدة فهو إعلام منحاز للاستبداد والفساد، ولا مجال هنا للتعليل القائل بضرورة التزام الحياد، فلا يتحقق الحياد بأي معيار قويم من خلال الوقوف على مسافة واحدة بين القاتل والقتيل، والمجرم والضحية، والسجان والسجين، والهراوات والأجساد، والرصاص والجراح.
كما لا يمكن توجيه الاتهام بالتحريض إلى أي وسيلة إعلامية تنشر مشاهد "ارتكاب جريمة استبدادية أو جريمة من جرائم الفساد" وتبدي الرأي المشروع الواجب إبداؤه بصددها، فالتحريض في هذه الحالة لا يصدر عن "ناقل المشهد" بل يصدر واقعيا عن مرتكب تلك الجريمة وعن مواقفه المستفزة عندما يرفض أن "يفهم" في الوقت المناسب (والأصل أن يفهم قبل ممارسته الاستبداد وليس بعد الثورة عليه) أو عندما يرفض التصرف وفق إرادة الشعب وهو يعبر عنها عبر الاحتجاج أو التظاهر أو الثورة، بعد أن سد النظام الاستبدادي الفاسد في وجه الشعب وسائل التعبير الحر الطبيعية في ظل نظام غير استبدادي يقوم على أسس قويمة، من بينها الحقوق والحريات.
إذا رسخ في بلد من البلدان العربية والإسلامية نظام حكم قويم، يصدر عن إرادة الشعب، ويمارس مهمته معبرا عن إرادة الشعب بالمقاييس القويمة المعروفة لذلك، ويطلق الحريات والحقوق كما ينبغي، ومنها حرية الإعلام، آنذاك يكون للحياد الإعلامي تعريف آخر، أما في هذه المرحلة بالذات، التي نعايش فيها ثورات شعبية سلمية على أنظمة مستبدة لا تتورع عن البطش الفاجر، فالحياد هو ما يتحقق من خلال الانحياز الإعلامي الواضح للعيان لقضايا الشعوب المشروعة العادلة.
الجزيرة نت