الأحد، 2 ديسمبر 2012

«الصحافة الاستقصائية» في أزمة

متابعات إعلامية / لندن:


هل تريد أن تكون وودورد أو بيرنستاين اللذين كشفا فضيحة «ووتر غيت»؟ أم لعلك تتمنى فقط لو كنت قد التحقت بفريق «إنسايت» الاستقصائي التابع لصحيفة «صنداي تايمز»؟ ذلك أن مشكلة الصحافة الاستقصائية هي في جزء منها مشكلة يخلقها الصحافيون أنفسهم، الذين يكونون متعلقين أكثر من اللازم بالأساطير إلى درجة قد تؤثر عليهم بالسلب. وبالطبع، فإن الصحف (ناهيك ببرنامج «نيوز نايت») تعاني عجزا في العاملين وفي الموارد، وبالطبع، فإن بعض التحقيقات الاستقصائية تتطلب فطنة ودراية فنية خاصة، وبالطبع، فإن كثيرا منها يحتاج إلى صبر ووقت ومال، ولكن في بعض الحالات (مثل حالة برنامج «نيوز نايت» مرة أخرى) يكون العلاج بالخطورة نفسها للمرض نفسه.
انظر كيف انتشرت العدوى خلال العقد الماضي.. لقد بدأت سلاسل الصحف الأميركية، المتلهفة على إسعاد «وول ستريت»، في التآكل مع هبوط أسعار أسهمها، فبدأت تقلص من ميزانيات التحرير، ثم تطالب المراسلين الصحافيين المتبقين بالمزيد من «الإنتاجية». ولكن ما الذي يتم التخلص منه أولا؟ إن التحقيقات الاستقصائية التي تتناول المصالح العامة الخطيرة يتولاها «صحافيون استقصائيون»، وبالتالي، فإن أولئك الرجال والسيدات، المحرومين من الوسائل اللازمة لممارسة مهنتهم، يتكتلون معا لتكوين وحدات غير هادفة للربح (أي خيرية في الأساس) قادرة على التفتيش عن الحقيقة، وهناك حاليا 75 من هذه الوحدات في الولايات المتحدة، يعمل بها ما يقرب من 1300 شخص في المجمل وتبلغ ميزانيتها مجتمعة نحو 135 مليون دولار, بحسب الـ«غارديان» البريطانية.
كيف يمكن لأي شخص أن يجد شيئا ما خطأ في ذلك؟ حسنا، إن هذا ممكن بسهولة من عدة نواح، فبعض النماذج الأميركية الأكثر محلية على سبيل المثال تتضمن مجالس أمناء من مؤسسات ربما تكون هي نفسها بحاجة إلى استقصاء، أي إن هناك مظاهر تعارض في النجاح، كما أنها كلها تشجع تجارا يهدفون بالكامل إلى الربح، من خلال تقديم مبرر سهل للتخلي عن المهمة. ولكن ما دام استمر النظر إلى هذه الوحدات، وكذلك «مكتب الصحافة الاستقصائية» البريطاني الذي أصبح مثارا للجدل، على أنها تعزيز وليست بديلا، فإنها ستقابل بما يكفي من الترحيب. وما هو أقل ترحيبا بقليل هو الكيفية التي يفصلون بها التحقيق الاستقصائي عن عمل الفريق الأوسع الخاص بإصدار صحيفة أو برنامج إخباري تلفزيوني، فالمراسلون الصحافيون الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم «استقصائيون» يحبون أن يلعبوا دور «زورو» بطريقتهم الخاصة، دون أن يزعجوا أنفسهم بالمطالب المتعلقة بصالة الأخبار، ومن الممكن أن يغرقوا تماما في القصة الإخبارية التي يتابعونها ولا يرونها بالكامل، فالمحرر وهو يطرح الأسئلة قد يبدو عائقا بيروقراطيا أكثر مما يبدو مصدرا للمساعدة.
باختصار، ففي عالم يمتلئ أحيانا بالاندفاع، فإنه دائما ما تكون هناك مشكلات تتعلق بالقيادة والسيطرة، وهذه المشكلات لا تصير أسهل على الإطلاق حينما تقوم عمليات منفصلة تماما بتبادل الأسرار أو انتداب العاملين. والصحافيون الاستقصائيون رغم كل شيء هم في الأساس مراسلون جيدون يبحثون عن قصة إخبارية جيدة، مثل أولئك الذين يجلسون في المكتب من حولهم. وكلمة «استقصائي» لا تصف تلك القصص الإخبارية، أو (بصورة عامة) مجرد الطرق المستخدمة في الحصول عليها، فهذه الطرق قد تكون سريعة أو بطيئة، غريزية أو كئيبة، والقصص الإخبارية نفسها قد تكون مثيرة أو معقدة بصورة مثبطة للهمة.
فلماذا إذن ترغب العمليات الإخبارية الجادة المعنية بالصالح العام وبمختلف الأمور الدقيقة في التعهيد الخارجي لأفضل الوسائل التي لديها للعثور على القصص الإخبارية الحصرية التي تبني سمعتها ونجاحها؟ لماذا يجلب قسم «بي بي سي نيوز»، الذي يعمل به وحده ألفا صحافي، على نفسه متاعب المشاركة الخارجية؟ إن الأمر يسير على ما يرام بالنسبة للقنوات التي تشتري الأخبار التي تبثها على الهواء، مثل الـ55 دقيقة التي تخصصها «القناة الرابعة» لجون سنو، إلا أن الفك الضخم لمقر «بي بي سي» الرئيسي شيء مختلف تماما، ومحاولة تحرير حكاياته الأكثر خطورة عن طريق صعود ونزول سلم الإحالة الطويل، الذي لا يلحظ فيه أحد أن هناك بعض الدرجات المفقودة والذي لم ير فيه أحد فعليا كل الأدلة بنفسه، يعتبر كارثة على وشك الوقوع.
والآن، فإن الهيئة لن تظل على قيد الحياة إلا إذا عثرت على الأموال اللازمة للاستمرار، ذلك أن «مؤسسة الصحافة» الموازية التي أسسها ألكسندر ليبيديف لم تفعل، وسوف تغلق بعد عام واحد فقط. فلنأمل أن لا تموت الفكرة بأكملها أيضا، بعد أن تنزع عنها كل الهالة المحيطة بها، ولكن تذكر: إنها مجرد فكرة واحدة من بين أفكار كثيرة، والحاجة إلى العثور على المزيد من الأفكار تنبع بأفضل الصور - وأكثرها تأثيرا - من داخل كل مراسل صحافي في كل مهمة، وليس من «الأخبار الحصرية» المعروضة للبيع في المتجر الواقع على الجانب المقابل من الطريق.
إن أحد الأسماء غير المطروحة بصورة واضحة لإنقاذ شبكة «بي بي سي» الآن هو رئيس الإنقاذ السابق مارك بايفورد، الذي عمل مديرا عاما مؤقتا لمدة 5 أشهر عام 2004 بعد رحيل غريغ دايك المفاجئ، ثم عمل نائبا لمارك ثومبسون إلى أن أدت مشادة لا لزوم لها إلى رحيله العام الماضي. ولم يذرف كثيرون دموعا بينما كان بايفورد يحزم أمتعته، حيث علقت صحيفة الـ«غارديان»: «هكذا كان: رجل أشيب يحصل على وظيفة مدى الحياة، وراتب قدره نصف مليون جنيه إسترليني، وكذلك - نظرا لبقائه هناك لوقت طويل جدا - معاش تقاعد يعادل ثلثي الراتب النهائي، ولا يوجد أي معدل واضح في السوق يبرر تلك المبالغ الكبيرة. لقد كان من السهل جدا طرح السؤال: ماذا غير هذا المكان سوف يدفع لمارك بايفورد 500 ألف جنيه إسترليني وفي مقابل ماذا؟».
ولكن لعل ذلك السؤال يجيب عن نفسه بسهولة أكبر بكثير اليوم، فبايفورد كان في الواقع «رئيس تحرير» هيئة «بي بي سي» الذي يريده مجلس الأمناء القلق الآن عندما يتحدث عن تقسيم «المهمة المستحيلة» للمدير العام. وقد يصدر ميثاق ولاء متلاعب لا يسمح بالتقسيم الفعلي للمسميات الوظيفية حتى عام 2016، إلا أن مهامه - وليست مسمياته الوظيفية - هي ما يهم هنا، وبمجرد أن تبدأ في توزيع الأدوار بدلا من تجميعها في حزمة كابوسية منفردة، فإنه يصبح من الأسهل بكثير العثور على خليفة لجورج إنتويسل.
ويعتبر روجر موسي، المسؤول عن تغطية دورة الألعاب الأولمبية والرئيس السابق للأخبار التلفزيونية، هو الاختيار الأكثر أمانا بين الموجودين، فإذا ما تم وضعه على المقعد الذي تركه بايفورد شاغرا، فسوف يكون هناك بالتأكيد مجال أكبر لاستقدام مدير عام ليس صحافيا ولكن يبدو أنه يعرف كيفية إدارة مؤسسة (مثل القائم بالأعمال الحالي تيم ديفي، المسؤول السابق في شركة «بروكتر آند غامبل»). ثم لماذا لم يوضع ديفيد أبراهام، المسؤول الكبير بالغ الذكاء في «القناة الرابعة»، في الصورة من أجل خلافة إنتويسل؟ إن الشعر الأشيب - في أي مرحلة عمرية - أحيانا ما يكون هو اللون الذي تحتاج إليه.
إن 0.9 في المائة فقط من الشعب البريطاني يرى أن فرض المزيد من الضوابط الرقابية على الصحافة يمثل أولوية، بينما يريد 71 في المائة أي قوانين وقيود جديدة، و7 في المائة فقط يريدون استمرار الأوضاع الإعلامية القائمة، أو هكذا يقول القائمون على استطلاعات الرأي في التقرير الذي أصدرته شركة «سيرفيشن» بخصوص «شبكة حرية التعبير». ولكن هل استطلاعات الرأي الخاصة بحملة «محاربة التنصت» تبين شيئا مختلفا؟ في الواقع، كما هي الحال دوما، فإن توقيت وسياق الأسئلة هو ما يهم، وكذلك الذكريات القريبة، فهناك 55 في المائة بالفعل أكثر اهتماما بملابس «سافيل» الفضفاضة.

بريطانيا على موعد مع تقريرليفيسون لتحديد أخلاقيات مهنة الصحافة

متابعات إعلامية / لندن:


هناك شبه إجماع بريطاني وعلى كل المستويات والمؤسسات على أهمية إبقاء الصحافة البريطانية حرة في عملها وتمارس مهنتها حسب قيمها التقليدية التي اعتادت عليها خلال مئات السنين من دون أن تخضع لقوانين تفرضها الدولة، ولهذا لا يريد البريطانيون أي تشريع تصبح الديمقراطية فيه الضحية.
وبالأمس، تسلم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون نسخة من التقرير الذي أعده اللورد ليفيسون حول أخلاقيات الصحافة، أي قبل 24 ساعة من نشره رسميا اليوم، لإعطائه الفرصة الكافية للرد على التوصيات الذي يتضمنها والتي تعتبر ملزمة أخلاقيا وليس قانونيا، لكنها ستكون مقلقة خاصة للصحافة المكتوبة ورئيس الوزراء كاميرون نفسه، الذي زج باسمه خلال فضيحة التنصت التي أدت إلى تشكيل لجنة للنظر في أخلاقيات المهنة وعلاقتها مع السياسيين.
ويفضل بعض المراقبين والعاملين في المهنة نظاما بضوابط لصحافة بأسنان، وهذا يعطيه فرصة أكبر للنجاح. ويفضل اللورد هانت، رئيس لجنة الشكاوى الصحافية، سلطات مستقلة لكن مع مسؤوليات تفرض العقوبات المالية وتحكم بعدل لصالح ضحايا الخروقات.
وبالرغم من أن كاميرون كان وراء تشكيل لجنة التحقيق في يوليو (تموز) 2011 التي ترأسها القاضي بريان ليفيسون بسبب النقمة الشعبية التي أثارتها قضية التنصت على التليفونات التي طالت أبناء العائلة المالكة وسياسيين ومشاهير والعديد من عامة الناس، فإن توصياتها ستكون محرجة له شخصيا وسياسيا بسبب بعض الشخصيات المتهمة في قضية التنصت والذين تجمعه بهم علاقات حميمة كما تبين خلال جلساتها.
وتبين أن هناك اختلافا في وجهات النظر حول ما يمكن أن يوصي به ليفيسون في داخل الائتلاف الحكومي الذي يضم حزب المحافظين بزعامة كاميرون وحزب الديمقراطيين الأحرار بزعامة نيك كليغ، والذي يفضل تنفيذ توصيات ليفيسون بحذافيرها بينما يحاول كاميرون أن يبقي الأمور على ما كانت عليه قبل اندلاع الفضيحة مع إيجاد بعض الضوابط الأخلاقية والإعلامية. زعيم المعارضة العمالية إيد ميليباند يؤيد هو الآخر تنفيذ ما يوصي به القاضي ليفيسون. لكن قد تكون هذه المواقف فقط للاستهلاك العام وكسب الأصوات، لأن تنفيذ القانون لضبط أداء الصحافة ليس بالشيء السهل كما يعتقد العديد من المراقبين والمشرعين.
صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي تعتبر الأكثر انتشارا بين الصحف البريطانية وتم إغلاقها لاحقا بعد اندلاع الفضيحة، حيث قامت بالتنصت عبر القرصنة على هواتف مئات الأشخاص وأكدت أنها دفعت أموالا لعناصر من الشرطة للحصول على معلومات حصرية في العقد الأول من القرن الحالي، وعلى هذه الخلفية تقوم الشرطة البريطانية بتحقيقات في هذه الانتهاكات وشكلت ثلاثة تحقيقات للنظر في هذه التجاوزات.
لجنة ليفيسون عقدت جلسات امتدت لمدة عام تقريبا، واستمعت اللجنة إلى كبار المسؤولين في الصحف من بينهم روبرت ميردوخ، بالإضافة إلى نجوم مثل هيو غرانت اعتبروا أنهم ضحايا لتلك الممارسات، وأيضا إلى شرطيين ومسؤولين سياسيين من بينهم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وزعيم المعارضة ورؤساء تحرير وصحافيين. وتم بث الشهادات مباشرة على التلفزيون.
ووجهت أصابع الاتهام إلى الصحف إذ كشفت جلسات الاستماع الممارسات غير الأخلاقية لصحف الإثارة. إلا أنه ومع توالي الجلسات، تبين أيضا تورط سياسيين في طليعتهم كاميرون نفسه، إذ كشفت الشهادات العلاقة الوثيقة بين وسائل الإعلام والسياسيين.
التقرير جاء بعد 18 شهرا تقريبا منذ اندلاع فضيحة التنصت التي هزت المجتمع البريطاني بكل مؤسساته، وأدى إلى سلسلة من التحريات بخرق القوانين.
لكن ماذا سيقول هذا المحامي الذي ترافع سابقا في كبرى قضايا الإجرام التي شهدتها بريطانيا، والذي أوكلت إليه هذه المهمة بعد اندلاع فضيحة التنصت في يوليو 2011؟! من يتابع النقاش الدائر حاليا في الدوائر السياسية والإعلامية البريطانية يتوصل إلى أنه لا يوجد مخرج واضح وضوابط لتنظيم ممارسة المهنة من دون أن يتم تقويض الممارسة الديمقراطية التي اعتادت عليها الصحافة وخلقت ثقافة إعلامية حرة ليس لها مثيل في العالم. هناك وجهات نظر متباينة في ما يجب التعامل معه بالنسبة لتوصيات ليفيسون، لكن تدور معظمها حول خلق ضوابط أخلاقية وعملية لكن من دون إخضاعها لتشريعات قانونية تحد من حريتها وتقوض العملية الديمقراطية التي تشكل الصحافة أو السلطة الرابعة إحدى دعاماتها الرئيسية.
وفي أول رد على ما يمكن أن يوصي به ليفيسون قال اللورد هانت الذي يترأس لجنة الشكاوى الصحافية الممولة من قبل أصحاب المؤسسات الإعلامية، والتي تعتبر المتنفس الوحيد للمتظلمين والجسم الذي يفصل في الخلافات فيما تتناوله الصحافة، إنه يفضل نظام بضوابط لصحافة بأسنان وهذا يعطيه فرصة أكبر للنجاح. اللورد هانت يفضل استقلالية ضبط الصحافة لكن مع سلطات قادرة على أن تفرض العقوبات المالية وتحكم بعدل لصالح ضحايا الخروقات. اللورد هانت أعاد السؤال قائلا في مقابلة المحطة الرابعة الإذاعية (راديو 4) «ما الذي سيصوت عليه البرلمان من تشريعات لو طلب منه تنظيم عمل الصحافة؟»، مضيفا «عليهم أن يكونوا واقعيين: إما صحافة حرة مع ضوابط يضعها جسم مستقل.. أو معركة برلمانية طويلة من دون أن يكون هناك أفق للنجاح».
رئيس الوزراء ديفيد كاميرون هو الآخر يريد إعطاء الصحافة فرصة لخلق ضوابط لنفسها قبل أن يفرض عليها تشريعات تتحكم في عملها. أما نائب رئيس الوزراء نيك كليغ فيريد تنفيذ ما يوصي به الورد ليفيسون بحذافيره، وهذا ما يطالب به زعيم المعارضة إيد ميليباند.
ووقع أكثر من 40 عضو برلمان من حزب المحافظين على رسالة يطالبون فيها بإعطاء الصحافة فرصة أخرى لتنظم نفسها، لكنهم يطالبون بأن تكون هناك ضوابط صارمة لتشكل رادعا للخروقات، مثل تلك التي مورست ضد العديد من الأفراد والذين وصل عددهم إلى ما يقارب 5 آلاف شخص حسب ملفات الشرطة التي شكلت لجنة ليفيسون للتحقيق حولها بعد اندلاعها في يوليو الماضي. كما وقع 80 عضوا ينتمون إلى معظم الأحزاب خصوصا الرئيسية منها يحذرون من أي تشريعات لضبط عمل الصحافة. وهذا ما برز جليا خلال ندوة دولية عقدت في لندن بعد اندلاع الفضيحة، التي أصبحت تسمى بـ«هاك غيت» نسبة إلى «ووترغيت» في الولايات المتحدة عام 1972، واستقطبت العاملين في المهنة. وعبر ضيف الندوة كارل بيرنشتاين، الصحافي الأميركي المخضرم الذي تقصى قضية التنصت «ووترغيت» في الولايات المتحدة، عن غضبه تجاه اقتراح تنظيم الصحافة قائلا «أهم شيء بالنسبة لنا كصحافيين هو أن نحدد ما هو الخبر، وهذا المحتوى لا تتعامل معه صحافة التابلويد.. لكن من الخطأ جدا أن تصدر قوانين لتمنع التابلويد من القيام بعملها».
وأضاف بيرنشتاين أن أوجه التشابه مخيفة حقا (بين ووترغيت وهاك غيت) «لكن المهم في الموضوع ليس اكتشاف السلاح الذي أطلقت منه الرصاصة، المهم في الموضوع أن ما حصل أفسد المؤسسات الحرة، وأن هذا الفساد له انعكاسات كبيرة على المدى البعيد، لأن ما حصل في الصحف التي يمتلكها ميردوخ، خصوصا التي تجيء في أسفل جرائده، أدى إلى انتقاص مستوى العمل المهني بخصوص ما نقوم به نحن كصحافيين في عملنا اليومي. والسؤال الذي يطرح الآن: ما هي الأخبار؟».
الصحافة البريطانية رفضت قوانين الترخيص الرسمي للصحافيين منذ 1695، كما جاء على لسان رئيس تحرير صحيفة «الغارديان» ألن راسبريدجر، التي نظمت الندوة، وهي الصحيفة التي فجرت فضيحة التنصت. ورد راسبريدجر، الذي قدم الندوة والمشاركين في الحوار، بأن هذه القضية صارت لها سنتان منذ التحقيق الأول الذي كتبه نيك ديفيز إلى أن توقفت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» عن الصدور بعد 168 عاما من النشر. وأضاف أن القصة الحقيقية هي فترة الـ18 شهرا التي سبقت التحقيق الذي نشرته صحيفته في الأسبوع الأول من يوليو الماضي عندما تجاهل العديد من المسؤولين في الشرطة والبرلمان ولجنة الصحافة أهمية إيجاد التوازن المطلوب في أي مجتمع بعد سلسلة التحقيقات التي قامت بها صحيفته.
وفي مداخلتها، قالت سلفي كاوفمان المديرة التحريرية في صحيفة «لوموند» إنها كانت تحسد الصحافة البريطانية على أدائها وتنوعها بين التابلويد وصحافة «برود شيت». لكنها غيرت رأيها بعد اندلاع الفضيحة. إن التصنيف بين ما هو شخصي وما هو عام يعتبر قضية حساسة جدا في فرنسا، لكني أعتقد أن ذلك سيتغير بسبب ما حدث مع دومينيك ستروس - كان مدير صندوق النقد الدولي السابق الذي اتهم بسلسلة من الفضائح الجنسية، لكن سيكون التغيير بطيئا، لأنه لا يمكن تغيير ثقافة القارئ وثقافة المهنة بين ليلة وضحاها.. «سنصبح بالتأكيد مثل بريطانيا، ولكن بشكل بطيء جدا.. ولا أعتقد أن وضع ضوابط محكمة وقوانين تضيق على عمل الصحافيين هو الجواب المطلوب. إنها قضية كبيرة جدا للمحررين والمؤسسة السياسية والمجتمع ككل».
وأضافت أن ما تعانيه الصحافة هو أنها تتعرض للتنصت من قبل الأجهزة الأمنية وليس العكس، وتحاول الأجهزة الأمنية كشف بعض مصادر الصحافيين من خلال التجسس عليهم من خلال الأرقام التليفونية، وهناك قضايا في المحاكم الفرنسية بخصوص هذا الموضوع.
وتفجرت فضيحة التنصت بعد أن كشف الصحافي نيك ديفيز أن صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على آلاف من الناس من مشاهير ووجوه اجتماعية وسياسيين وأبناء العائلة المالكة. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير هي ما كشفته صحيفة «الغارديان» في يوليو الماضي بأن «نيوز أوف ذي وورلد» تنصتت على تليفون المراهقة ميلي داولر عندما اختفت عام 2002 وقتلت في ظروف غامضة. ولولا العمل الصحافي الاستقصائي لصحيفة «الغارديان» لما تم كشف الخروقات، ولهذا فإن هناك إجماعا من جميع العاملين في الصحافة، تابلويد وغيرها، أن تبقى الصحافة حرة في عملها مع إيجاد ضوابط أخلاقية لصالح المصلحة العامة.
لكن قال ستيفن بارنيت، خبير شؤون وسائل الإعلام من جامعة وستمنستر، إن «العلاقات بين الشرطة والسياسيين وصحف إمبراطورية ميردوخ مثل (ذي صن) انكشفت على الملا». وأضاف بارنيت لوكالة الصحافة الفرنسية أن اللجنة كان لها «تأثير إيجابي» على الرغم من الخلاف على تنفيذ توصياتها التي سيكشف عنها اليوم.
ويليام هيغ، وزير الخارجية، حذر هو الآخر من أي تشريعات لتنظيم الصحافة، التي قال إنها سوف تضع التقليد البريطاني في خطر. وقال «أنا أميل أكثر إلى صحافة حرة» على الرغم من الخروقات التي يمكن إيجاد ضوابط لها.
لكن مايكل غوف، وزير التعليم البريطاني الذي ينظر إليه كزعيم مقبل لحزب المحافظين، كان من أكثر السياسيين الذي عبروا عن رفضهم لتوصيات ليفيسون قبل أن يفصح عنها. وتساءل الأسبوع الماضي خلال حفل توزيع جوائز الصحافة البريطانية للسياسيين عن مدى «التزام اللورد ليفيسون بقول الحقيقة». وعكست تصريحاته خوف بعض أعضاء حزب المحافظين من بعض توصيات ليفيسون حول أخلاقيات العمل الصحافي.
بوريس جونسون، رئيس بلدية لندن، الذي حضر المناسبة هو الآخر، حذر من أي محاولات لتنظيم عمل الصحافة من خلال القوانين والتشريعات قائلا «لا تفكر في لحظة واحدة ضبط عمل الصحافة بهذه الطريفة». وقال جونسون «إذا بدأنا بالتعقيم والبسترة والتجانس فستكون الديمقراطية هي الضحية». وهذا ما أثلج صدر غوف، الذي اشتبك سابقا خلال جلسات التحقيق مع اللورد ليفيسون في مايو (أيار) الماضي وحذر من أن ضبط عمل الصحافة من خلال التشريعات سيقوض «حرية الصحافة»، مضيفا أن أي محاولات لإيجاد دواء لما حصل من خروقات في قضايا التنصت ربما ستكون أسوأ من المرض نفسه «إنني مضطرب من أي تشريعات تكبح جماح الصحافة في عملها من أجل حرية الكلمة». وقد أثارت أقواله حفيظة ليفيسون الذي رد عليه خلال الجلسات «لا أريد من أحد أن يخبرني بأهمية حرية الكلمة»، مضيفا «في الواقع لا أريد هذا أبد».
وقال غوف خلال الحفل «للأسف أن اللورد ليفيسون غير موجود بيننا هذه الليلة لتسلم جائزة (مكتب التحقيقات الصحافية) التابع لـ(بي بي سي)، لالتزامه بالحقيقة، وهو يكرمه على تعليقاته السابقة، أي أنه لا يريد أن يذكره أحد بأهمية حرية الكلمة». ومكتب التحقيقات الصحافية هو المسؤول عن زج اسم اللورد ماكالبين في فضيحة الاعتداءات الجنسية على الأطفال خطأ. وهنا يحاول غوف متهكما أن يقول لليفيسون إنه ليس كافيا أن تقول إنك مع حرية الكلمة، مذكرا بأن «مكتب التحقيقات الصحافية» رغم حسن النيات والتحقيقات فإنه فشل في مهمته.
وخلال الأيام الماضية، أي مع اقتراب موعد نشر التقرير، سادت الصحف حالة من الذعر. إذ تخشى أن تصدر اللجنة قواعد جديدة تحد من حريتها، بينما تفضل في المقابل الحفاظ على حريتها في التنظيم الذاتي. وفي مقدمة هذه الصحف «ذي ديلي ميل» التي خصصت الأسبوع الماضي 11 صفحة لانتقاد اللجنة.
وتكتسي توصيات اللجنة أهمية خاصة بالنسبة إلى صحف الإثارة التي تمثل تقريبا ثلثي أعداد الصحف الصادرة يوميا في بريطانيا. إلا أن صحيفة «ذي ديلي تلغراف» القريبة من المحافظين تنتظر أيضا بترقب صدور هذه التوصيات، وهذا ما عبرت عنه هي الأخرى من خلال التغطية والحوار حول ما يمكن أن يتم تنفيذه أو صعوبة تنفيذه من توصيات. وسيعود إلى كاميرون، الذي سيصدر القرار الفاصل في القضية مع أنه من ضمن المشمولين فيها، أن يطبق هذه التوصيات أو لا.
وحذرت صحيفة «الغارديان» القريبة من المعارضة العمالية من أن الأمر يشكل «أحد أصعب التحديات السياسية منذ انتخاب كاميرون في عام 2010». ونفت الحكومة البريطانية في نهاية الأسبوع الماضي معلومات أوردتها الصحف بأن كاميرون استبعد اللجوء إلى القانون لتحديد أطر أكثر تشددا لعمل الصحف. وأكد مكتبه أن كاميرون سيطلع على التقرير بـ«ذهنية منفتحة».
وهناك إجماع من معظم الصحف على رفض أي تشريعات تضبط عملها. وتم خلال الأسابيع الماضية التداول حول رسالتين بهذا الخصوص.. رسالة اللورد هانت ورسالة أخرى من صحف «الغارديان» و«الإندبندنت» و«الفايناشيال تايمز». ورغم الاختلاف في كيفية فرض ضوابط للعمل المهني من قبل لجان مستقلة وبصلاحيات أكبر مما كان يمارس سابقا، فإن الرسالتين متشابهتان في المضمون، أي عدم اللجوء للتشريع البرلماني لضبط الأمور.
واعتبر بارنيت أن كاميرون قد يلجأ إلى المراوغة مع دنو موعد الانتخابات التشريعية في عام 2015. وقال الخبير الإعلامي «يمكن أن يتوصل إلى اتفاق مع الصحف قائلا: سأطمس القضية شرط أن تدعموني». لكن مثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى احتجاجات في المدى القريب. وينتظر ضحايا عمليات التنصت الذين يتراوحون بين مشاهير ومواطنين عاديين صدور التقرير بفارغ الصبر.
وعلى الصعيد القضائي، أدت فضيحة التنصت إلى عدة تحقيقات من قبل الشرطة، وأفضت إلى توجيه الاتهام إلى المستشار السابق لكاميرون أندي كولسون، وإلى ريبيكا بروكس صديقة كاميرون التي ستبدأ محاكمتها في عام 2013، مع توجيه عدد من التهم الجنائية لها. بروكس التي كانت في عين العاصفة عند اندلاع الفضيحة في يوليو 2011 استقالت كمديرة تنفيذية من «نيوز إنترناشيونال» الجناح البريطاني لإمبراطورية ميردوخ «نيوز كوربوريشن» المسجلة في بورصة نيويورك.