القاهرة / متابعة / عبدالقادر بن شهاب
تحول مؤتمر "الإعلام والقضاء" الذي نظمته كلية الأعلام بجامعة القاهرة بالتعاون مع نادي القضاة في يومه الأول إلي مشادات متبادلة بين أساتذة الإعلام والإعلاميين من جهة وبين القضاة من الجهة الاخرى ، حيث دخلت الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذ الصحافة في مشادة كلامية مع المستشار شريف رضا ، ومن جانب آخر شهدت الجلسة الثانية مشادات بين الدكتور بسيوني حمادة و المستشار خيري الكباش، رئيس محكمة الاستئناف بالإسكندرية حول الثقة بين المواطن والقضاة.
وطالب القضاة وأساتذة الإعلام بوضع ميثاق شرف إعلامي ينظم العلاقة بين القضاء والإعلام خلال الفترة المقبلة، بحيث يراعي كل طرف منهما وظيفة وواجب الطرف الأخر بحيث تكون العلاقة تكاملية لا معطلة أو مجحفة للأخر.
بداية ، أكد المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة أن الإعلام يعتبر السلطة الرابعة في الدولة فهو الرقيب علي عمل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، مطالبا وسائل الإعلام بمراعاة مكانة القضاة الذي يعد الحصن الوحيد المتبقي لحماية الأفراد في المجتمع ، علي حد قوله.
وأضاف أن القضاة لم ينزلوا من برجهم العاجى، وإنما أنزلهم غيرهم ، واصفا لغة الإعلام عن القضاء بأنها "لا تسر عدو ولا حبيب" ، مشيرا إلي أن الإعلاميين ذهبوا بهيبة القضاة ولم يراعوا في بعض الأحيان إنهم في الأساس يدافعون عن حقوقهم.
وطالب الزند بتفعيل العلاقة بين الإعلام والحريات العامة المكفولة بنصوص الدستور والقانون وكذلك تفعيل ميثاق الشرف الصحفي وأخلاقيات ممارسة المهنة.
حق الجمهور
بدورها ، قالت الدكتورة ليلى عبد المجيد عميد كلية الإعلام :"إنه في ظل ثورة تكنولوجيا الإعلام أصبح هناك اهتمام ملحوظ بتغطية القضايا عبر الصحف والتليفزيون ومواقع الانترنت وكذلك برامج التوك شو التي تحظي باهتمام كبير من قبل الجمهور " .
وأضافت أن الإشكالية الأساسية في معالجة الإعلام لشئون القضاء تتمثل في حق الجمهور في متابعة هذه القضايا وشغفه بمعرفة الأخبار ولكن في الوقت نفسه لابد من مراعاة الضوابط التي تحكم هذه التغطية وهى موجودة في قوانين الهيئة القضائية وقوانين الإعلام نفسها.
أما المستشار خيري الكباش رئيس محكمة استئناف الإسكندرية فقال إن مكانة القضاء تنبع من الوظيفة التي يقوم بها وليس حقا للقاضي أن يتنازل عن هذه المكانة لأنه ليس هو الذي خلقها .
وأضاف أن الأعلام شوه فكر رجل الشارع العادي البسيط حتى أصبحت ثقافته هي أن ينتهك حقوق القضاة ويخوض في مرافعاتهم للقضايا، مشيرا إلي أن الحرية الإعلامية لا تعنى النيل من ثقة الناس ومن استقرارهم تحت مسمى " حرية الإعلام".
وأشار الكباش الى ان القانون رقم 96 لسنة 1996 لتنظيم الصحافة ومواثيق الشرف الإعلامي يرفضان التطاول علي القضاة ، مطالبا بوجود مستشار قانوني لكل مؤسسة إعلامية .
وأوضح أن حرية الإعلام لا تعني انتهاك أحكام القضاء والتعليق عليها وتشويها لان ذلك من شانه أن تفقد ثقة المواطن في الجهاز القضائي الذي يدافع عنه في الأساس ، مشددا علي ضرورة عدم نقل أي خبر من القضايا التي تنظر أمام القضاء ونظره إلا بعد الحكم النهائي، مؤكداً أن الإعلام يجعل الصغير كبيراً والكبير صغيراً، وداعياً لضرورة التزام الإعلام بالقانون والدستور وميثاق الشرف الصحفي.
قضاة لا نجوم
وقال المستشار المحمدي قنصوة رئيس محكمة استئناف القاهرة ان القضاة ليسوا نجوم مجتمع وبالتالي لا يجب أن يظهروا في الأعلام إلا لإبداء الرأي في مسالة الاختصاص بهدف تنوير الرأي العام ليس بهدف الشهرة
وفرق قنصوة بين مفهوم الإعلام كأداة لإخبار الرأي العام وتنويره وبين مفهوم القضاء الذي تكمن مهمته في الفصل في المنازعات، مؤكداً عدم وجود صراع بينهما ، واصفا العلاقة بين الأعلام والقضاة بأنها علاقة تكاملية لهدف واحد وهو تحقيق العدالة.
وأشار إلي أن الإعلام يكون مفسد للقضاء إذا تدخل في عمله وفي سير المحاكمات وعمل علي شحن الجمهور تجاه رأي معين ، موضحا ان هناك حظر النشر في مرحلة التحقيق الابتدائي، لأن العلانية فيها قاصرة على أطراف القضية، بينما النشر مباح في مرحلة المحاكمة العلانية.
وقال الدكتور محمود علم الدين رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام، إن الرأي العام هو من وكل الإعلام لكي يقوم بدور نقل و نشر المعلومات فالإعلامي يقوم بعمله بتوكيل من الجمهور الذي يثق فيه وفي قدرته علي توصيل المعلومات له ونقل له ما لا يستطيع رؤيته .
وأضاف أن واجب الصحفي هو التحقق والبحث عن المعلومة الصحيحة وطرحها أمام القضاء لكي يصدر أحكامه وبالتالي فان القضاء والإعلام يتعاملان مع المعلومات ويصدران في النهاية حكمهما، لأن الإعلام يبقى له الحق في إدلاء رأيه في بعض القضايا.
واستغرب علم الدين مواقف بعض القضاة الذين يسعون أن يكونوا نجوم مجتمع من خلال تقديم البعض لأنفسهم للإعلام على أنهم ممثلين لفكر سياسي معين، ويسعون وراء الكاميرات .
لا لتقديس القضاة
وأكد وائل الإبراشي رئيس تحرير صحيفة "صوت الأمة " أن القضاة مجتمع بشري مثل غيرهم من التجمعات فهم ليسوا ملائكة أو مقدسين وبالتالي لابد أن يخضعوا للمراقبة والمحاسبة ، مطالبا بوضع ميثاق شرف إعلامي بين القضاة والصحفيين أصحاب المهنة والشأن، بعيدًا عن الحكومة التي لا تعرف إلا تمرير قوانين منتصف الليل عبْر مجلسَي الشعب والشورى هلي حد قوله .
وقال "إن الهدف من هذا الميثاق هو ضمان حق المواطن في المعرفة الذي يعد حقا أصيلا لا بد من الدفاع عنه حتى الموت بما يحفظ هيبة القضاة"، موضحا أن 90% من القضايا المتداولة داخل أروقة محاكم القضاء الإداري تمثِّل قضايا رأي عام.
وأشار إلي أن تناول الإعلام لقضايا معينة يجعل اللبس فيها غير موجود في كثير من الأحيان ، مثل قضايا العلاقة بين المسلمين والمسيحيين عندما يتم تناولها الآن لم يعد في مقدور الكثير التضليل والافتراء علي جهات معينة فأصبح كل شيء واضح للجمهور .
وانتقد الإبراشي القضاة قائلا إنهم يضعون أنفسهم في موقع القداسة وبالتالي لا يريدون احد أن ينتقدهم أو يتناولهم بالنقد.
مشادات حادة
وتحولت الجلسة الثانية في المؤتمر والتي جاءت تحت عنوان "ضوابط التغطية الإعلامية للعمل القضائي إلي مشادات حادة بين الدكتور بسيوني حمادة أستاذ الأعلام وكلا من المستشار شريف رضا والمستشار رفعت عبد المجيد.
حيث أكد الدكتور بسيوني حمادة أن القضاء غير مستقل ولابد له من الاستعانة بالإعلام لاستكمال استقلاله، متعجبا أنه في نفس الوقت يحاول البعض تحويل القضاء إلى قضاء جنائي فقط ينظر دعوى قتل أو سرقة في سرية ودون متابعة إعلامية، رغم أن الأزمة اكبر من دعوى قضائية هنا أو هناك، وطالب حمادة القضاة بتحمل المسئولية كاملة في الإشراف الكامل على الانتخابات المقبلة لضمان نزاهتها.
في المقابل قال المستشار شريف رضا ان ما قاله حمادة يمس هيبة القضاة، رغم أنه لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها ، ليرد الدكتور حمادة بان هيبة القضاة أمر محسوم ومؤكد ، وأن دفاع الإعلاميين والصحفيين عن استقلال القضاء واجب علي كل فرد لأنه يصب في النهاية في مصلحة القضاة ومصلحة الوطن .