متابعات إعلامية / عرض: حسين عبدالعزيز
يبحث الكتاب المعوقات التي تواجه الإعلام العربي، سواء الخارجية المتمثلة بضغوط خارجية تتدخل تدخلا سافرا في مسيرته، أو الداخلية التي تسعى إلى تقييد حرية النشر.
يناقش الكتاب قضايا مهمة، تبدأ بأفكار عن الإعلام والإصلاح، ومصداقية الإعلام العربي، ودور الإعلام العربي في صناعة الرأي العام.

أفكار عن الإعلام والإصلاح
يحاول هذا الفصل الذي كتبه المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة توضيح بعض الأساسيات على المستويين النظري والعملي.
يحاول هذا الفصل الذي كتبه المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة توضيح بعض الأساسيات على المستويين النظري والعملي.
يبدأ د. بشارة بالقول إن مفهوم الإعلام الصحفي الحديث ينطبق على ظروف المواطنة أكثر منه على ظروف هيمنة العلاقات الوشائجية في الجماعة العضوية كالعشيرة والقبيلة، لأنه يفترض وجود حيز عام يجري فيه تناقل معلومة ذات معنى للعموم.
ولكي تصح هذه الفرضية يؤكد د. بشارة على ضرورة المطابقة بين مفهومنا للإعلام الصحفي كحيز عام ينشئ مجالا للعلاقات التبادلية متجاوزا نطاق علاقات القوة والسيطرة من جهة، وخارج نطاق النشاط الاقتصادي بهدف تحقيق الربح من جهة أخرى، والأمران غير ممكنين إلا على مستوى المفهوم، فالإعلام يعمل في الدولة بمعناها الضيق، أي في السياسة، ولا يقوم ذلك بدون علاقات سيطرة، وهو فاعل أيضا في إطار النشاط الاقتصادي.
لقد أعطت عملية الإصلاح السياسي لوسائل الإعلام هامشا عبر فتح المجال لملكية وسائل الإعلام ولقوانين السوق ممثلة باقتصادات الدعاية والنشر وتسليع الإعلام، من دون أن تلغي القيود على الإعلام بشكل كامل.
وتحول الإعلام إلى مجال استثماري تنافسي بهدف الربح والتأثير والمكانة، ولكنه تحول إلى مجال لاستثمار سياسي إذ اجتاحه المال السياسي الباحث عن النفوذ السياسي والهيمنة الثقافية، وليس عن الربح المالي بالضرورة.
بشكل عام لا ينعم الإعلام العربي بحالة من الحرية تتيحها أنظمة ديمقراطية ليبرالية، فتحول التناقض الأساسي إلى تناقض مع علاقات الملكية السائدة وسوق الدعاية والتسليع والتسلية والترفيه والآراء المسبقة للجمهور.. إلخ.
كما أنه لا يخضع لأنظمة شمولية تشمل الإعلام فتحوله إلى مجرد قناة من قنوات السيطرة والتحكم بالوعي الشعبي، أو إلى أداة لإرهاب الخصوم، ويتفاوت الإعلام العربي بين إعلام رسمي مجند، وبالتالي إعلام غير صحفي، وإعلام خاص ومراقب، وفي الحالتين، تترك سلطة الاستبداد غير الشمولي جزرا وهوامش للإعلاميين للعمل في مهنتهم، ويشمل ذلك كل ما تعتبره السلطة غير سياسي.
ويختلف واقع الإعلام الصحفي عن مفهومه حتى في أكثر الدول الديمقراطية، لكن الفجوة بين المفهوم وواقعه تتوسع في الدول الاستبدادية، حتى يكاد الإعلام يتناقض مع مصطلحه حين تصبح وظيفته حجب المعلومة.
هنا يقف الدكتور بشارة على مسألة مهمة، وهي الإعلام والأيديولوجيا، فعالم الصحافة هو عالم أيديولوجي، والبحث عن صحفي بدون أيديولوجيا كالبحث عن سياسي يتعامل مع السياسة كأنها بحث علمي، أو كالبحث عن رجل دين يقود العبادات بدون عقيدة، ولكن المهمة تكمن في قدرته على تحييد الأيدلولوجيا حيث يلزم، وعدم الخجل منها أو سترها حيث لا يلزم.

مصداقية الإعلام العربي
يبحث هذا الفصل في تأثير وسائل الإعلام في دعم التوجه نحو الإصلاح في الأقطار العربية.
يبحث هذا الفصل في تأثير وسائل الإعلام في دعم التوجه نحو الإصلاح في الأقطار العربية.
يبدأ الفصل ببحث للإعلامي اللبناني في قناة المنار عماد مرمل، الذي أكد أن مسألة المصداقية يجب أن لا تعرض من زاوية رومانسية، أو تحت تأثير المعايير المعلبة التي تتحول تلقائيا إلى بديهيات، وهذا يعني برأيه أن افتراض بلوغ الإعلام العربي مرتبة المصداقية لا يفرض بالضرورة الحياد المطلق الذي يجعله غريبا عن بيئته.
ويعرض مرمل نموذجا في إطار موضوعية المصداقية في الإعلام، حين غلبت وسائل الإعلام الغربية المصلحة العليا على مقتضيات الدور الإعلامي بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001، حين تجنبت وسائل الإعلام الأميركية نشر أية صورة عن الضحايا الذين سقطوا خلال الحدث، وهذا يعني أن الالتزام بالمصداقية الإعلامية ينبغي أن يكون ملازما للالتزام بالمصلحة العليا للجماعة.
ويعرض الباحث بالمقابل تجربة الإعلام المقاوم في لبنان، وما قدمه من مصداقية وفعالية في الأداء خلال فترة العمليات في حرب يوليو/تموز، ويرى أن قناة المنار شكلت نموذجا يمكن البناء عليه، حتى الجانب الإسرائيلي اعترف بفاعلية هذا الإعلام وتأثيره على حد أصبحت معه المنار مصدرا موثوقا داخل إسرائيل لمعرفة الحقائق المتصلة بالمواجهة العسكرية، ومن الأمور التي يمكن التوقف عندها أن الإعلام المقاوم لم يخف خسائر المقاومة، وهذه إضافة عززت من المصداقية.
بموازاة ذلك هناك إشكاليات كبرى تواجه الإعلام العربي، وهي انقسامه بشأن مفهوم المصلحة العليا، وخلافه على تعريف المصطلحات، وهذه ترجمة للتشرذم السياسي الذي حول الأنظمة العربية إلى معسكرات مصارعة تستخدم الإعلام في معاركها.
تجربة قناة الجزيرة تتطلب الوقوف عندها في إطار دور وسائل الإعلام في عملية الإصلاح في الوطن العربي، وهذا الكلام للإعلامي علي الظفيري الذي يؤكد أن الجزيرة أسهمت من خلال إثارة النقاش والحوار والمهنية في بناء معالم تجربة إيجابية في هذا الميدان، باعتبارها نتاج عمل جماعي عربي تظلله المهنية العالية والحرفية والموضوعية في الأداء.
ويتابع الظفيري أن الجزيرة أسهمت أيضا في إحداث تحول أساسي في الخبرة الإعلامية، وفي أسلوب بناء الواقعة والخبر، وبالتالي في إدامة الحوار الفعال حول القضايا الجوهرية التي تهم المواطن العربي والأمة بشكل عام.
ومن خلال تجربته في قناة الجزيرة، يحدد الكاتب جوانب من تجربة الجزيرة في المساهمة بالأفكار التي تسهم في تفعيل الإصلاح السياسي في الوطن العربي، التي يحددها بالتعددية بالآراء، وبالموضوعية في الطرح التي لا تعني الوقوف على الحياد، ذلك أن ثمة قضايا كبرى لهذه الأمة لا حياد فيها، هناك موضوعية وهناك مهنية، لكن لا حياد بين المجرم والضحية.
وينتهي الظفيري بإعادة التذكير ببعض المسلمات: لقد انتهى عهد الإثارة، انتهى عهد الخوض فيما هو محظور، انتهى عهد محاولة جذب المتلقي من خلال نقاش أشياء مثيرة.

الإعلام العربي وصناعة الرأي العام
تنغمس المؤسسات الإعلامية عادة في دهاليز السياسة، فتساير القرار السياسي وتلبي ما يريده.
تنغمس المؤسسات الإعلامية عادة في دهاليز السياسة، فتساير القرار السياسي وتلبي ما يريده.
وعلى الرغم من التطور التقني الذي سهل من الوصول إلى المعلومة، نجد الإعلام العربي يتحاشى المعلومات والآراء التي لا تتوافق مع اتجاهات حراس أبوابها.
يرى المؤلف أن وسائل الإعلام، بوصفها مؤسسات اجتماعية، مطالبة بلعب دور أساسي في الحياة الاجتماعية المعيشية والاقتصادية والسياسية، غير أن الإعلام العربي استبعد الجانب الاجتماعي المعيشي واكتفى بالجانبين السياسي والاقتصادي، وهو تركيز يخدم في النهاية القوى النافذة.
ولذلك فشل الإعلام العربي في صناعة رأي عام فاعل، ليس بسبب الرقابة أو عدم وجود مناخ كاف للحرية، بل أيضا وهذا هو الأهم برأي المؤلف لوجود رؤية خاطئة للحرية، تغلب المنفعة الخاصة على المسؤولية الاجتماعية، فمشكلة الرقابة لم تعد المدخل الصالح للنظر في موضوع حرية التعبير، إن المدخل الصالح هو حقوق الإنسان، وبشكل خاص حق المواطن في التواصل الذي يمكنه من تحسين نوعية حياته.
كما لا يمكن تقييم دور الإعلام العربي بمعزل عن الدور الذي تلعبه القوى الأجنبية في التأثير المباشر وغير المباشر في وسائل الإعلام العربية في صناعة الرأي العام، لأن العالم العربي يعيش في زمن فرض فيه على العالم نظام عالمي سياسي واقتصادي وحتى أخلاقي شاع وصفه بالعولمة.
ونتيجة لتعميم العولمة أصبح التبادل الثقافي العالمي أقل تكافؤا، فوسائل الإعلام أصبحت مجرد سلعة ينطبق عليها من الأحكام ما ينطبق على سواها من السلع المادية في نظام عالمي يضيق مجال المنافسة في تسويق هذه السلعة، ولا يتسع إلا للقوى التي تمتلك قدرة تقنية أكبر.
أحد أهم أسباب فشل الإعلام العربي في صناعة رأي عام، يعود إلى أن الكميات الهائلة من الطاقة العقلية التي تولدها تقنيات الإعلام تمتلك أو تدير غالبيتها العظمى مؤسسات إعلامية تعمل عبر الدول، وتتحكم هذه المؤسسات بقنوات الاتصال في الدول العربية، من حيث إن انسياب الرسائل الإعلامية والثقافية يبدأ من المركز (الدول المتقدمة).
واستفادة من هذا الوضع، تعمل وسائل الإعلام العربية دورا في إلهاء المواطن عن مشاكله عن طريق تحويل أنظاره عن المشاكل الاجتماعية والقومية الحقيقية إلى مشاكل ثانوية مستوردة من خارج مجتمعه، الأمر الذي ساهم في تغريب المواطن وإفشال قيام رأي عام واع وفاعل.
وعلى الرغم من ذلك، بعث انتشار الفضائيات العربية الأمل في إمكان انطلاق رأي عام عربي فاعل، والسبب في ذلك يعود إلى خصائص وسائل الإعلام الحديثة وطبيعتها، فتطور تقنيات البث المباشر للأحداث ساعد على إسقاط المحظور الذي يفرضه المسؤولون، وتجاوز القيود إلى انفتاح أحرج الكثير من المسؤولين.
ولعل أهم ما يمكن الخروج به هو أن الإعلام قد مكن مستخدميه من الفضائيات العربية من أن تكون شريكة في صناعة الخبر، على مستوى المنطقة على الأقل، ولكن هذا لا يعني أننا أنهينا بالضرورة علاقة التبعية الإعلامية التي تفرض على وسائلنا الإعلامية، إعلام الصورة سيجعل الفضائيات ملكا للرأي العام كما حدث في تجربة فضائية الجزيرة التي باتت مصدرا رئيسيا من مصادر أخبار المنطقة في العالم.
وقبل الانتهاء من هذا الفصل، طرح المؤلف سؤالا رئيسيا: هل يمكن استعمال وسائل الإعلام في أوجه غير التي تستعمل فيها حاليا، بحيث يتمكن العرب على مستوى الأقطار، وعلى مستوى الأفراد، من زيادة إمكانات الضعيف والفقير، وحتى الجاهل من المشاركة الفعالة في القرارات التي تؤثر في حياته، مجتمعا كان أم فردا.
المصدر: الجزيرة نت