الخميس، 25 نوفمبر 2010

ورطة الإعلام العربي بين الخسائر والأطماع السياسية

متابعات اعلامية / القاهرة / كتبت: مها متبولي


الخسائر والأطماع السياسية.. هما الدفتان المتحكمتان في استمرار أو فشل القنوات الفضائية، ما مثل ورطة للإعلام العربي. 

فقد اتسعت دائرة الصراع علي النفوذ الإعلامي في المنطقة لتدخل فيها الحكومات والمنظمات السياسية، وبعض رجال الأعمال الذين يمتلكون أجندات سياسية وفكرية، ويتخذون من الفضائيات وسيلة لتمرير أهدافهم غير المعلنة، إلا أن أخطر شيء هو استغلال القنوات التليفزيونية في إشعال الصراع المذهبي والطائفي، لأن بعض هذه المحطات وصل مؤخرًا إلي حدود التصادم الفكري، ومقارعة الحجة بالحجة والاتهام بغيره. 

بالأرقام نكشف عن أهم مخطط لتشتيت هذه الهوية وطمسها، التي تعمل علي ضربها جهات ودول أجنبية. 
إذا كانت وزارة الإعلام المصرية نجحت في كبح جماح القنوات الدينية علي النيل سات، وإعادتها إلي دائرة الانضباط، فإن الأيام المقبلة تحمل معها جرس إنذار شديد اللهجة تجاه القنوات الخارجية، التي تحركها أصابع خفية، وأصبح لها دور ملحوظ في إثارة التحريض السياسي، وزرع بذور الشقاق بين الشعوب العربية، وبسبب لعبة التوازن ومحاولة التصدي لهذه القنوات.. بدأت تظهر قنوات أخري مضادة حتي وصل عدد القنوات الفضائية الناطقة باللغة العربية إلي 1100 محطة تليفزيونية، تستنزف أكثر من ستة مليارات ونصف المليار دولار هي تكاليف التشغيل فقط، بينما الحصة الإعلانية في العام الواحد تدر دخلا قدره مليار دولار، ما يعني أن الإعلام العربي يخسر خمسة مليارات ونصف المليار دولار، تمثل عجزًا تتحمله الحكومات والمنظمات السياسية ورجال الأعمال. 
علي جابر المستشار الإعلامي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قدم دراسة بحثية علي هامش مهرجان أبوظبي، فجر خلالها مفاجأة من العيار الثقيل.. وهي أن 85% من مشاهدي العالم العربي لا يتابعون من كل هذه القنوات إلا 25 قناة فقط، أي أن الصراع الدائر بين 1075 قناة علي عقل وقلب المشاهد العربي أصبح هدفاً أساسياً.. فيما تبقي 25 قناة أخري ليست لها أهداف سياسية، بل إن هذه التوجهات تتحكم أيضاً في طريقة عمل هذه القنوات من الداخل. 
ومما يثير الدهشة أن عدد العاملين في 1075 محطة يصل إلي 800 ألف موظف، 95% منهم ليسوا متخصصين في العمل الإعلامي، ويتم تعيينهم حسب الولاء للأشخاص والأحزاب السياسية أو المذاهب الدينية أو العلاقات الشخصية لضمان التفاني في خدمة الهدف المذهبي أو السياسي الذي تنطلق من أجله القناة، وبغض النظر عن عدم تأهيل هؤلاء الموظفين إعلامياً، فالمهم هو دورهم في تدعيم هذا الوجه الذي تتبناه القناة. 
هذا الأسلوب الإداري أدي إلي تراجع معاهد الإعلام وكلياته في العالم العربي عن تدريس مواد الإعلام المرئي التي تقتصر علي الصحافة فقط، وينطبق هذا علي 75% من هذه الكليات والمعاهد، ولا يمكن لأحد أن يتخيل أن 85% من دخل الإعلانات تذهب إلي 12 قناة فقط من عدد المحطات الفضائية، وتعد مجموعة الـ«mbc» هي الأعلي دخلاً ونصيباً من حصة الإعلانات السنوية، بين هذه القنوات. 
إذن فالقنوات الفضائية العربية ليست استثماراً مربحاً.. بل هي ورطة وقع فيها رجال الأعمال. وهذا ما يفسر تصفية بعض القنوات أو دمجها أو حتي بيعها أو إلغاءها نهائياً، لتخلو الساحة أمام المتبارزين سياسياً في العالم العربي، ومن أراد أن يلمس ذلك بصورة واضحة فليتابع القنوات اللبنانية. 
الأمر الواضح في هذا الإطار أن اللعب بالأوتار الطائفية ليس في لبنان وحده، وإنما في العراق وغيره من البلاد العربية، ما يدفع بالأمة إلي حافة الهاوية، وبخاصة بعد دخول عدد كبير من القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية إلي مجال البث الفضائي بدءًا من CNN حتي قنوات تمثل روسيا والصين وتركيا وإيران وفرنسا، بالإضافة إلي القنوات المدعمة للنفوذ الفرنسي في شمال أفريقيا. 
إن التلاعب بأوراق التحريض السياسي للشعوب العربية أشبه بتسخين أصابع الديناميت، لأن التحرك بهذه الكيفية يقود الإعلام إلي كارثة مذهبية وسياسية وطائفية، فالجميع يعمل وفق مصلحته دون النظر إلي المصالح العامة، وشتان ما بين التليفزيون المصري الذي شكل ملامح الهوية العربية، وبين ما تفعله الفضائيات الآن.