الأربعاء، 30 مايو 2012

حول مؤتمر "الإعلام العربي وقضايا الأمة"عن أي "أمة " يتكلمون؟

متابعات إعلامية / كتبت / مروة كريدية


في ظل التساؤلات الجادة والحادة المعلقة بعد الثورات العربية ونتائجها انعقدت أعمال الدورة الثانية عشرة للمؤتمر السنوي الذي ينظمه مركز الخليج للدراسات هذا العام تحت عنوان "الإعلام العربي وقضايا الأمة". عنوان يثير الكثير الجدل في مضامينه كما شعاره ويعيد طرح اشكالية مفهوم "الأمة" الذي اضمحل عمليا تحت وطأة المتغيرات الثقافية والفكرية والعملية بعد ان أصبح الخطاب القومي عملة تاريخية قديمة لا تتلائم بطبيعة الحال مع القفزات المرحلية التي يشهدها العصر.

لقد انكب المشاركون في المؤتمر على استعراض ما اعتبروه " غزوا ثقافيا " يجب صده ورده، معتبرين ان الإعلام العولمي سيل جارف لا تصده الإمكانات "القطرية"، وأن الخلاص من هذه الإشكالية يتمثل في العودة إلى "كنوز" المشروع النهضوي العربي لمواجهة التحديات والحفاظ على "الهوية".

أما عن الاعلام الالكتروني فقد بحث المؤتمرون ظاهرة هجرة الشباب العربي من الصحف المطبوعة إلى الإنترنت والوسائل الإلكترونية، مبينين أنها أجهزة يقودها أفراد، ومن ثم يمكن أن تمثل ضرراً بالغاً، وقد تصبح منبراً للتطاول على الآخرين، ولذا لابد من تقنينها من دون تقييد حرية الأفراد، مؤكدين أن وسائل الإعلام الحقة لها دور فاعل في تحقيق المشاركة في مسيرة "الأمة"، وبث الوعي"القومي ".

وأمام هذه المعطيات الواردة في محاور هذا المؤتمر والنقاشات التي تناولها فإني أسجل النقاط التالية :
اولا :إن "الامة " كمفهوم قومي وبكل ابعاده الجغرافية والسياسية والتاريخية والاقتصادية قد اضمحل عمليا تحت وطأة حداثة العصر وأدواته كافة من جهة ؛ علاوة على الفشل الذي منيت به كل مشاريع "القوميين " خلال نصف قرن حيث عجزت عن تحقيق ابسط شعاراتها ، ولم تعد العودة إلى العقل المركزي الفوقي االشمولي الذي ورثه القوميون منذ قرون طويلة مجدية لحل قضايا عصرية.

ثانيا : يتعذر عمليا ان نلج او نناقش بفعالية موضوع الاعلام في هذا العصر بوصفه ثمرة حقيقية وحتمية للفضاء السيبري والرقمي المعولم، و نحن نقبع خلف حصون فكرية مقوقعة لا زالت تعتبر "الآخر " متآمرا و"غازيا " ولم تعد تنفع في الوقت نفسه المراوغة التي مورست خلال عقود للالتفاف على المشاريع الحداثية وتحييد مضامينها الفكرية بحجة ان المكتسبات المادية للتطور شيئ منفصل عنها.

ثالثا: الاعلام الجديد هو صنيعة الشباب الجدد من المدونيين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية ممن اعتمدوا على الفضاءالسيبري، حيث حققوا ثورتهم الرقمية قبل ثوراتهم على الارض متجاوزين بذلك "كهول الاعلام" وحراس "الصحف الورقية" والاعلام الرسمي، معتمدين على لغة سريعة حية سيالة تتجاوز القوالب المقننة منفلتين من مقص الرقابة ، وهو مدخل رقمي ثوري حداثي لم يتولد عن عقائد دينية او أيديولوجيات تمجد البطولات وتعيد انتاج بيروقراطية الثقافات المتداولة.

رابعا: ان المسار التطوري للبشرية يجعل من الحداثة سيرورة شبه حتمية لا يمكن تحييدها لانها تجتاحنا بكل رموزها ومفردتها المادية ، ويكمن الابداع في التعاطي الذكي والفاعل مع مفرداتها وقيمها واستثمار نماذجها بشكل متحرر يتجاوز في طرحه كل انغلاق.

اخيرا؛ فان العديد من الاوراق البحثية التي نوقشت والكلمات التي القيت على قدر كبير من الاهمية ، بيد انه غاب عنها العنصر الشبابي مما يدل على ان "شباب الانترنت " في واد ومعظم "النخب الثقافية " في واد آخر. فحبذا لو نشهد في المؤتمرات القادمة شباب دون الثلاثين يتصدرون منابر المؤتمرات الاعلامية يعرضون تجاربهم الحية بدلا من استضافة "الرموز والشخصيات" نفسها في كل مرة لتكرر الخطاب نفسه.

اختتام أعمال مؤتمر الإعلام العدلي الأول في اريحا

متابعات اعلامية / اريحا

صرّح القاضي عزت الراميني رئيس إدارة المحاكم، "أن السلطة القضائية ستقوم بتخصيص قضاة مختصين بنظر القضايا التي تقدم بحق الصحفيين على خلفية عملهم الصحفي،
وذلك تعزيزاً لضمانات حرية الرأي والتعبير، وحقوق الصحفيين في النشر".
جاء تصريحه في اليوم الأخير من أيام مؤتمر الإعلام العدلي الأول الذي اختتم اليوم في مدينة أريحا، واستمرت أعماله خلال الفترة الواقعة بين 17 – 19 أيار 2012 بحضور قادة مؤسسات العدالة وقضاة نظاميين وشرعيين وعسكريين وقانونيين وأعضاء نيابة عامة وهيئة مكافحة الفساد، وممثلين عن الدوائر الإعلامية في مؤسسات العدالة، ونقابة الصحافيين وممثلين عن وسائل الاعلام الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بحق الجمهور بالاطلاع على المعلومات المتعقلة بعمل قطاع العدالة.
وقال علي مهنا وزير العدل في ختام المؤتمر: "إن العصف الذهني والقانوني والاعلامي لمدة ثلاثة أيام يدل على مدى الجدية التي تنظر بها أطراف العدالة والإعلام لقضية الإعلام والعدالة"، وعبر عن أمله في تحديث القوانين المتعلقة بالنشر وحدود النشر من قبل الجهات التشريعية، وأضاف "أن الأصل في الأمور الإباحة لذلك فإن أمام السلطة القضائية مساحة جيدة لتعزيز عمل الصحافة القضائية".
وتم خلال المؤتمر "تشخيص واقع الاعلام العدلي في فلسطين من وجهات نظر مؤسسات قطاع العدالة والمؤسسات الاعلامية والمجتمعية المتعددة، خاصة تلك المتعلقة بتغطية أخبار العدالة، ونشر المعلومات الخاصة بسير التحقيقات، وقضايا الفساد، والموازنة بين الحق بالحصول على المعلومات وحماية الخصوصية عند تغطية القضايا الاسرية امام المحاكم الشرعية، واجراءات تغطية جلسات القضايا التي تنظرها المحاكم العسكرية، وضمانات الحماية القانونية للصحفيين عند تعرضهم للملاحقة القانونية على خليفة تغطيتهم الاعلامية".
وناقش المشاركون في جلسات المؤتمر بجدية وعمق وروح حوارية عالية "كافة الآليات التي من شأنها المساهمة في وضع مبادئ تنظم العلاقة بين الاعلاميين وقطاع العدالة، بما يساهم في جسر الفجوات بين الاعلام وقطاع العدالة وتعزيز الثقة بينهما".
وقد أشاد المؤتمرون بتجاوب مجلس القضاء الأعلى لطلب المشاركين في المؤتمر الداعي لتكريس التخصص بالنظر بقضايا الصحافيين المتعلقة بعملهم.
توصيات المؤتمر:
وأوصى المؤتمر في بيانه الختامي "بوجوب احترام المبادئ الدستورية والقانونية المتعلقة بضمان حرية الرأي والتعبير والحق بالحصول على المعلومات، ونشرها، وضرورة مراجعة التشريعات الناظمة لقطاع الإعلام وتحديثها وتطويرها بما يعزز من حرية الرأي والتعبير وحق الحصول على المعلومات".
وأوصى أيضا "باستبدال العقوبات الصادرة بحق الصحفيين على خلفية عملهم الصحفي بالغرامة بدل العقوبات السالبة للحرية حسب القانون، وتعزيز التواصل بين مؤسسات قطاع العدالة والمؤسسات الإعلامية بما يلبي احتياجات المواطن الفسطيني وحقه في الحصول على المعلومات".
كما أوصى "بتعزيز دور المراكز والدوائر الإعلامية الخاصة بمؤسسات قطاع العدالة، من خلال اعتمادها كجهة تنسيقية مع الاعلام وضرورة التنسيق المباشر فيما بينها، وضرورة إشعار نقابة الصحفيين بالشكاوى التي تقدم بحق الصحفيين ودعوة ممثل عن النقابة لحضور إجراءات التحقيق مع الصحفيين على خلفية عملهم الصحفي".
وجاء ضمن توصيات المؤتمر "تطوير قدرات الإعلاميين فيما يتعلق بأخبار الشأن القضائي وقطاع العدالة من خلال التدريب المتخصص وتطوير أدلة وكتيبات توجيهية ومناهج قانونية، بالتعاون مع قطاع العدالة، ودعوة وسائل الإعلام إلى إيجاد الصحافة المتخصصة بالشأن القضائي، وتطوير سياساتها بهذا الشأن بما يضمن احترام استقلال القضاء وهيبته، ودعوة وسائل الإعلام لإيلاء اهتمام أكبر في تغطية أخبار المحاكم وقطاع العدالة بما يشمل القضاء الشرعي والعسكري وجرائم الفساد". وأوصى أخيراً "دعوة نقابة الصحفيين إلى تعزيز دورها بمراقبة مدونة سلوك الصحفيين، وتشكيل لجنة مشتركة من مؤسسات قطاع العدالة ونقابة الصحفيين والمجتمع المدني لمتابعة تنفيذ التوصيات والاقتراحات التي طرحت خلال المؤتمر".
يذكر أن مؤتمر الاعلام العدلي ينظم من قبل مركز المعلومات العدلي التابع لوزارة العدل، والمركز الاعلامي القضائي التابع لمجلس القضاء الأعلى، والمكتب الإعلامي التابع للنيابة العامة وشبكة أمين الاعلامية، وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

مؤتمر مركز "الخليج" يناقش الإعلام وقضايا الأمة

متابعات إعلامية / خاص:

أكد المؤتمر السنوي لمركز “الخليج” للدراسات، الذي نظم تحت عنوان “الإعلام العربي وقضايا الأمة”، أن دور الإعلام هدف وليس وسيلة .وبحث المؤتمرون ظاهرة هجرة الشباب العربي إلى الصحف المطبوعة وإلى الإنترنت والوسائل الإلكترونية، مبينين أنها أجهزة يقودها أفراد، ومن ثم يمكن أن تمثل ضرراً بالغاً، وقد تصبح منبراً للتطاول على الآخرين، ولذا لابد من تقنينها من دون تقييد حرية الأفراد، مؤكدين أن وسائل الإعلام الحقة لها دور فاعل في تحقيق المشاركة في مسيرة الأمة، وبث الوعي .

واستعرض محور الإعلام العربي والغزو الثقافي، مبيناً أن الإعلام العولمي سيل جارف لا تصده الإمكانات القطرية، لافتاً إلى أن الخلاص من هذه الإشكالية يتمثل في العودة إلى كنوز المشروع النهضوي العربي .

كد المؤتمر السنوي لمركز “الخليج” للدراسات، الذي نظم تحت عنوان “الإعلام العربي وقضايا الأمة”، أن دور الإعلام هدف وليس وسيلة .وبحث المؤتمرون ظاهرة هجرة الشباب العربي إلى الصحف المطبوعة وإلى الإنترنت والوسائل الإلكترونية، مبينين أنها أجهزة يقودها أفراد، ومن ثم يمكن أن تمثل ضرراً بالغاً، وقد تصبح منبراً للتطاول على الآخرين، ولذا لابد من تقنينها من دون تقييد حرية الأفراد، مؤكدين أن وسائل الإعلام الحقة لها دور فاعل في تحقيق المشاركة في مسيرة الأمة، وبث الوعي .

واستعرض محور الإعلام العربي والغزو الثقافي، مبيناً أن الإعلام العولمي سيل جارف لا تصده الإمكانات القطرية، لافتاً إلى أن الخلاص من هذه الإشكالية يتمثل في العودة إلى كنوز المشروع النهضوي العربي .

وكان الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان قد وجه في افتتاح المؤتمر كلمة متلفزة أكد فيها أن مناقشة دور الإعلام يجب أن تنطلق من ظروف الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي نعيشه .

ووزع محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي والدكتور عبدالله عمران تريم رئيس مجلس إدارة “الخليج” للصحافة والطباعة والنشر، جائزة تريم عمران الصحفية عن دورتها التاسعة، على الفائزين بها، وكرما عدداً من الكوادر الوطنية المتميزة ثقافياً وإعلامياً .

في افتتاح المؤتمر السنوي الـ 12 لمركز "الخليج" للدراسات

نهيان بن مبارك: وسائل الإعلام أداة لتشكيل وعي وتوجهات الجمهور

تغطية: محمد ديبة

أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن العالم بات مُفعَماً بالمعلومات، مليئاً بوسائل الإعلام المختلفة التي غدت أداة رئيسة، لتشكيل وعي واهتمامِ وتوجهاتِ الجمهورِ العام، فبات عليها في مجتمعاتنا العربية، مسؤوليةٌ قومية، في تغطية القضايا، ذات الأهمية في مسيرة الأمة .

وأشار إلى أن هناك شعوراً قوياً، بأهمية أن تلتزم وسائل الإعلام العربية، بقيم النزاهة، وعرض الحقائق بشفافيةٍ وموضوعيةٍ وتوازن، بعيداً عن التهويل والمبالغة وإثارة النعْرات .

اء ذلك خلال افتتاحه عبر كلمة متلفزة فعاليات المؤتمر السنوي الثاني العشر لمركز الخليج للدراسات في دار “الخليج” في الشارقة صباح أمس الذي تناول موضوع “الإعلام العرب وقضايا الأمة” بحضور كثيف من الإعلاميين والمهتمين .

وتالياً نص كلمة الشيخ نهيان بن مبارك:

“لقد تعوّدت في كل عام، أن ألتقيَ بكم وجهاً لوجه، في هذا المؤتمر السنويّ الهام، لمركز الخليج للدراسات، الذي أَسعدُ به، وأَحرصُ عليه، ونظراً لظروف طارئة، اقتضت وجودي خارج الدولة، فإنه يسرني كثيراً، أن أشارك معكم، وعن بُعد، لينوب الصوت والصورة عبر الفيديو، عن وجودي معكم، وأعتقد أنّ ما أَختزِنُه دائماً، في فكري ووجداني لهذا المؤتمر، كفيلٌ بألاّ تعوقَه أي ظروف، عن المشاركة في أعماله وفعالياته” .

انعكاس للرؤية الواثقة

إنني أكرر دائماً، أن هذا المؤتمر السنويّ، مصحوباً بما تقوم به صحيفة الخليج كل صباح، من عملٍ مشكور، وجهدٍ مُقدّر، إنما هو انعكاسٌ للرؤية الواثقة، والعمل الجادّ، لمؤسّسيها، والقائمين على إدارتها  وليس من قَبيل المصادفة، أن هذا المؤتمر، يجيء كل عام، احتفاءً بالذكرى العطرة، للمرحوم بإذن الله تريم عمران، الذي ندعو الله سبحانه وتعالى، أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته  إننا إذ نُهنئ اليوم، الفائزين بجائزة هذا الصحفي الرائد والمرموق، فإنما نؤكّد، أنّ تلك الجائزة، تمثّل تقليداً حميداً وإيجابياً، لإحياء ذكرى الفقيد العزيز، وتعبيراً صادقاً، عن الوفاء لعطائه وإنجازاته . إنني آمل، أن يعيَ الفائزون بهذه الجائزة، ما تمثّله من قيمٍ مهمة، وممارساتٍ مهنيةٍ مرموقة، وأن تكون بإذن الله، حافزاً لهم، كي يسيروا على خطى المغفور له بإذن الله تريم، في الالتزام الوطنيّ والقوميّ، والحرص على أمانة الكلمة والقلم، بل وأيضاً، العطاء الدائم، والإنجازات المتوالية .

واسمحوا لي بهذه المناسبة، أن أتقدم بفائق الشكر، إلى الأخ الفاضل، الدكتور عبدالله عمران، معبراً له، عن اعتزازي الكبير، بما تقوم به دار “الخليج”، بقيادته الرشيدة، من دورٍ إعلامي رائد، وأنه، ومعه الجيل الصاعد من أهل تريم، إنما يجسّدون بعملهم وأنشطتهم، أفضل القيم والمبادئ، المتأصّلة في مسيرة دولة الإمارات العربية المتحدة  هذه الدولة، التي تتطلع بثقةٍ نحوَ المستقبل : يرتبط فيها الشعب مع القيادة، في تآلفٍ وقوة، وأمانٍ واستقرار .

لقد أثبتت دولتنا ولله الحمد، بقيادة صاحب السمو الوالد، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أنها تمثّل نموذجاً ناجحاً، في التقدم والتنمية، كما أكّدتْ في الوقت ذاته، حضورَها وتواجدَها المستمرّ، على الساحات : الخليجية، والعربية، والإسلامية، والعالمية  دولةٌ، تأخذ بالمبادرات الناجحة كافة، في سبيل تحقيق التنمية والرخاء والسلام، في ربوع المنطقة، والعالم أجمع .

تساؤلات المرحلة

إن موضوع المؤتمر هذا العام، “الإعلام العربي وقضايا الأمة “، موضوعٌ حيوي ومُتشعّب، له أبعادُه المتعددة، إنه موضوع، يتعلق برؤيتنا لدور الإعلام، في بناء المجتمع وتطوره، بل وفي حشد أفراد الأمة، نحو الأهداف المشتركة . إنه موضوع، يرتبط بقدراتنا القومية، على مواجهة التحديات كافة، والأخذ بسُبل الحفاظ على الهوية، وتحقيق الحيوية الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، في ربوع الأمة .

إنه موضوع، يتعلق كذلك، بتأثيرات ما نَشهدُه من حولنا، من تزايدٍ هائل، في القنوات الفضائية، ونمو مستمر، في وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية، بل وما نشهده أيضاً، من انجذاب الأجيال الجديدة، إلى شبكات الاتصال الاجتماعي . باختصار، إنه الموضوع، الذي يُثير العديد من التساؤلات، التي أودّ الآن، أن أشير إلى عددٍ منها:

إلى أي حد، تعكس وسائل الإعلام العربية، الواقعَ المحيطَ بها؟ وهل هناك بالفعل، تأثيرٌ حقيقيّ، لهذه الوسائل، في هذا الواقع، وتطويره نحو الأفضل؟

بعبارةٍ أخرى، هل آراؤُنا عن دور الإعلام، في عرض ودراسة قضايا الأمة، قائمةٌ على مجرد العواطف والتمنّيات، أم أن هناك وبالفعل، بحوثاً علميةً رصينة، تقيس أبعاد هذا الدور، وتُحدّدُ الطريق، لتحقيقِ كل ما نرجوه؟ ثُم، إلى أي مدىً، تستجيبُ وسائلُ الإعلام العربية، لأذواق القراء والمشاهدين، والانشغال بالقضايا اليومية، والواقع المحلي، والجانب الترفيهي، بما يَصرِفُهم بعضَ الشيء، عن التركيز المطلوب، على قضايا الأمة، ومستقبلها المرتَقَب؟

إلى أي مدىّ، تؤثرُ أنماط ملكية وسائل الإعلام العربية، على استقلاليتها، وحرية التعبير فيها؟

ثم، ما مدى الحاجة، إلى التدريب الفنيّ والمهنيّ، للعاملين في مجال الإعلام العربي؟

وأخيراً، ما مدى الحاجة، إلى تنظيم الأطر، التي تحكمُ عمل وسائل الإعلام العربية، حتى تتحقّقَ لها، أعلى درجاتِ المصداقية، والنزاهة، والشفافية، بل والأهم، كما أشرنا : الارتباط القريب والأكثر، بقضايا الأمة والمجتمع؟

إن موضوع هذا المؤتمر، إنما يَمَس من جانبٍ آخر، وبشكلٍ مباشر، التطوراتِ الاقتصاديةَ والاجتماعيةَ والسياسية، في المنطقة العربية، سواءٌ في كل دولة على حدة، أو في النظام العربيّ بوجهٍ عام  . كما أنّ موضوعَه أيضاً، يرتبط ارتباطاً وثيقاً، أو هكذا يجب أن يكون، بقضية فلسطين، وبما يسمى، بصراع الحضارات، وموقفِنا من ظاهرة العولمة، وبالأهمية المتنامية، للمنطقة العربية، في مسيرة العالم، بل وبحرصنا الشديد، على تشكيل رؤيةٍ قوميةٍ واضحة، لمستقبل المنطقة، حتى نُحققَ لها، كل ما نرجوه، من حاضرٍ زاهر، ومستقبلٍ ناجحٍ بإذن الله .

متفائلون بما حققته المنطقةُ

إن أي محاولة، لمناقشة دور الإعلام العربي، في عرض ومناقشة قضايا الأمة، يجب أن تنطلق، من ظروف الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي الذي نعيشه، فالمنطقة الآن، وكما يبدو لنا، تشهد حركاتِ تغيير، في عددٍ من الدول العربية، كما أنها ماتزال تعاني، من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، ومعدلاتُ البطالة والفقر، ماتزال مرتفعة، ولاتزال هناك، انقسامات عرقية وطائفية، في كثيرٍ من الدول . المنطقة أيضاً، تُواجهُ تحدياتٍ مهمة، في مجال البيئة، وتغيّرات المناخ  . حل قضية فلسطين، لا يبدو في الأفق القريب  . التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، مازال دون المستوى المطلوب .

إضافة إلى ذلك، فإن التحدي الاقتصادي والاجتماعي، في المنطقة العربية، إنما يتمثل وبصفةٍ أساسية، في الوفاء بالاحتياجات المتزايدة للسكان، من غذاء، ومسكن، وتعليم، ورعاية صحية، وفرص عمل، وهناك قضايا مهمة، تتعلقُ بِدوْر ومكانة شباب المنطقة، في الحاضر والمستقبل، والحاجة الدائمة، إلى العمل باستمرار، على تمكينهم من تحقيق طموحاتهم، وتعميق اعتزازهم بهويتهم، وتأكيد إسهاماتهم في مسيرة المجتمع  .

  في مقابل ذلك، نحن متفائلون، بما حققته المنطقةُ العربية، من تقدّمٍ واضح، في كثيرٍ من المجالات : لقد حدثتْ تغييراتٌ جذريةٌ وإيجابية، في المنطقة، وأصبح واضحاً، قدرةُ كثيرٍ من الدول العربية، على التعامل مع الأزمات، وتحديد الأولويات، بل وبناء مؤسساتٍ فاعلة، لجذب الاستثمارات، وتحقيقِ معدلاتِ نمو معقولة، وإن كانت لاتزال، دون المستوى المطلوب، في كثيرٍ من هذه الدول  .

هذا الوضع العربي، بسلبياته وإيجابياته، يؤثر من دون شك، في عمل وسائل الإعلام، بل وفي طبيعة القضايا والمشكلات التي تطرحها، إما بالعَرْض، أو بالتحليل .

للإعلام دورٌ أساسي

لقد لاحظت، ولعلكم تلاحظون معي، أن بداية هذا القرن، كانت قد شهدت حركةً نشِطة، في وسائل الإعلام العربيّ، لتحليل واستشراف مستقبل المنطقة، وهذا الأمر، أراه غائباً الآن، ربما لأن المنطقة، مشغولةٌ بالأحداث اليومية، أو ربما، لأن وسائل الإعلام، أصبحت تركّز أكثر، على الأمور المحلية، وعلى جوانب الترفيه والتسلية، أو ربما، بسبب طبيعة المشكلات والتحديات التي تواجه المنطقة . إنني آمل، أن يكون في هذا المؤتمر، تأكيدٌ على أن العرب، في حاجةٍ ماسّة، وباستمرار، إلى بلورة الأهداف، والتذكير الدائم بها، وتوضيح المسار، والحثّ على الانطلاقة فيه، والتخطيط الرشيد للمستقبل، وتهيئة الشروط اللازمة للنجاح .

وفي ذلك، يتحدّد لوسائل الإعلام، دورٌ أساسي، في تحقيق المشاركة الواسعة للسكان، في مسيرة الأمة، بل ودورٌ أساسي وحيوي أيضاً، في بث الوعي بالقضايا المهمة، وفي تشكيل الرأي العام، وفي تحقيق وحدة الرؤية والفكر، وفي تعبئة جهود الجميع، في سبيل تحقيق كل الأهداف المقررة .

إنني آمل، أن تكون وسائل الإعلام العربية، وهي تؤدي هذا الدور، قادرةً في الوقت نفسه، على أن تستجيبَ بإبداع، لما تَشهدُه الساحةُ الإعلامية، من تزايدٍ كبير، في وسائل الإعلام، ومن تقدّمٍ تقني مذهل، يؤدي إلى ظهورُ قنواتٍ إعلاميةٍ جديدة، وباستمرار، وما يصاحب ذلك، من تمتّع القراء أو المشاهدين، بخياراتٍ كثيرة، بل وقدرتهم في كثير من الأحيان، على استخدام التقنيات الحديثة، في إعداد المواد الإعلامية بأنفسهم، ونشرها وتوزيعها على زملائهم والجمهور العام، بل وما يصاحب ذلك أيضاً، من مشكلاتٍ مالية واقتصادية، تواجه وسائل الإعلام التقليدية، بما يؤثّر في قدرتها على العمل، إن لم يكن عجزَها، في أحوال كثيرة، عن البقاء والاستمرار  . وفي ظلّ كلّ هذا، تَنشأ أنماطٌ جديدة، للملكية، والسيطرة، في المجال الإعلامي، تَجِبُ الإحاطةُ بها، والتفكيرُ في آثارها ونتائجها، على أرض الواقع .

وسائل إعلام جديدة

في ختام كلمتي، لابد أن أشير، إلى أهمية دراسة دور وسائل الإعلام الجديدة القائمة على شبكات الاتصال الإلكترونية، في عرض قضايا الأمة، ونشر الوعي بها، وتعبئة جهود أبنائها وبناتها، ولن يتأتّى لنا التعرف الدقيق، على هذا الدور، دونَ أن تكونَ لدينا في المنطقة العربية، إحصاءاتٌ جيدة، ودراساتٌ عميقة، ومتابعاتٌ واضحة، للإجابة عن عددٍ من الأسئلة، منها:

ما مدى انتشار هذه الوسائل، في المنطقة العربية؟ ما هو حجمُ النمو المتوقع فيها؟ وما هي خصائص وصفات المستخدمين لها؟

 ما هي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تؤثر في انتشار هذه الوسائل، في كل دولة عربية على حدة؟

ما تأثير هذه الوسائل الجديدة، على مستوى مشاركة السكان، في حركة المجتمع، وقضايا الأمة؟

بل ما هو تأثيرها أيضاً، في تشجيع النشاط الاقتصادي، ومكافحة البطالة، وتحقيق الرخاء في المجتمع؟

إننا نعيش الآن، في عالمٍ مُفعَمٍ بالمعلومات، مليءٍ بوسائل الإعلام المختلفة، عالمٌ، يَنتابُهُ شعورٌ قوي، بأن وسائل الإعلام، هي أداةٌ رئيسة، لتشكيل وعي واهتمامِ وتوجهاتِ الجمهورِ العام، بل وشعورٌ قويٌ أيضاً، بأن وسائل الإعلام، في مجتمعاتنا العربية، عليها مسؤوليةٌ قومية، في تغطية القضايا، ذات الأهمية في مسيرة الأمة . هناك شعورٌ قوي، بأهمية أن تلتزم وسائل الإعلام العربية، بقيم النزاهة، وعرض الحقائق بشفافيةٍ وموضوعيةٍ وتوازن، بعيداً عن التهويل والمبالغة وإثارة النعْرات  .

إنني أتطلع إلى مناقشاتكم ومداولاتكم، حول هذه القضايا والأمور، وأدعو الله سبحانه وتعالى، أن يوفقكم، وأن تكون مساهماتكم دائماً، على مستوى الآمال والطموحات كافة” .

تأثير الحضور الإعلامي

من جهته أشار الدكتور عبدالله عمران رئيس مجلس إدارة دار “الخليج” للصحافة والطباعة والنشر، خلال كلمته في افتتاح المؤتمر إلى تطور الإعلام العربي عبر العقود الماضية في أشكاله، كما في مضامينه، معبراً عن التقدم التقاني الذي حصل في حقوله المختلفة، وعاكساً للتطور التعليمي الذي شهدته المنطقة العربية، وكاشفاً للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية والمحلية . ومع ذلك، فالتطور التقاني، كما التقدم العلمي والتعليمي ليسا بالضرورة كافيين لأن تكون معالجة الإعلام للقضايا القومية متناسبة مع متطلباتها وتحدياتها . فهناك الكثير من العوامل التي تقيد ارتقاء هذه الوسائل إلى مستوى التحديات التي تواجهها .

ولفت إلى أن المشهد الإعلامي العربي لم يغادر القضايا القومية إلى غيرها تماما، فقضية التضامن العربي، وقضية فلسطين، وقضية الغزو الثقافي لم تخل منها وسائل الإعلام، وإن لم يكن حضورها في الإعلام عند المستوى الذي توقعه الكثير من الناس منها .

وتالياً نص كلمة الدكتور عبدالله عمران:

“تحفنا السعادة وتملؤنا الغبطة، ونحن نشاهد رواد دار “الخليج” ومحبيها، وقد أقبلوا على حضور مؤتمر مركز الخليج للدراسات الثاني عشر حول “الإعلام العربي وقضايا الأمة” سعياً لحضور جلساته، والمشاركة الفعالة في مداولاته طلباً للمعرفة ومساهمة في تعميق الوعي حول التحديات التي تواجه أمتنا العربية الذي يتأتى من خلال الحوار البناء .

نجتمع اليوم في ظل ظروف عربية متميزة في حركتها، ومتشعبة في قضاياها، ومتنوعة في طرائق تغطيتها الإعلامية . وقد أملت علينا التطورات الكبيرة التي تشهدها منطقتنا العربية، أن نغني إدراكنا بالبحث في كيفية تناول الإعلام العربي لقضايا الأمة التي نعيش همومها، ونتطلع إلى فهم أفضل لها، وأشكال للتعامل أنسب معها . وقضايا الأمة سابقة على التغيرات التي نشاهد، وعامل مساهم في نشأتها، وهي بعيدة الغور في تاريخ وجودها، وتمتد في تنوعها على امتداد الوطن العربي في جغرافيته، وفي هموم مواطنيه وطموحاتهم . وقد ساهم الإعلام بمختلف وسائله بالتأثير في طبيعة الفهم لهذه القضايا سواء لدى المواطن أو لدى صانع القرار . وهو تعامل تلون بعناصر مختلفة تتصل بطبيعة وسائل الإعلام من حيث ملكيتها، ومن حيث استقلاليتها، ومن حيث القيود الاجتماعية والثقافية التي تحيط بها . فالحضور الإعلامي في معالجة قضايا الأمة كما غيابه عنها، يحدد إطار الفهم لها ويؤثر في الموقف الجماهيري منها، كما في طبيعة القرارات المتخذة من لدن المسؤولين حولها .

ولا يمكن الجزم بأن الدور الإعلامي واحد، فهو مختلف باختلاف الأماكن والأزمنة، ويخضع لمختلف أنواع الاعتبارات . والناظر في مكوناته مهما تنوعت من إعلام مكتوب تقليدياً كان أو إلكترونياً، إلى إعلام مسموع أو مرئي، يرى لوحة شديدة التعقيد سواء في طرق التناول للقضايا أو منطلقات الرؤية لها . وهي طرق ومنطلقات يمكن للبحث والتحليل أن يحدد معالمها، وأن يظهر قواسمها المشتركة، وأن يشير إلى تناقضاتها .

لقد تطور الإعلام العربي عبر العقود الماضية في أشكاله، كما في مضامينه، معبراً عن التقدم التقاني الذي حصل في حقوله المختلفة، وعاكساً للتطور التعليمي الذي شهدته المنطقة العربية، وكاشفاً للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية والمحلية، ومع ذلك، فالتطور التقاني، كما التقدم العلمي والتعليمي ليسا بالضرورة كافيين لأن تكون معالجة الإعلام للقضايا القومية متناسبة مع متطلباتها وتحدياتها . فهناك الكثير من العوامل التي تقيد ارتقاء هذه الوسائل إلى مستوى التحديات التي تواجهها . فالخلافات السياسية التي ماجت وهاجت في الوطن العربي لوقت طويل، أملت على وسائل الإعلام مسارات صعبت الخروج منها، كما أن اتساع فسحة التعبير أو ضيقها أوثقت الكثير منها إلى مرابط لم تستطع الانفلات منها، وزاد الطين بلة أن العولمة التي دخلت البلدان عنوة، شدت بعض الوسائل إلى مجالات تتناقض مع سلم القيم لدى مجتمعاتها .

القضايا القومية

ومع ذلك، فالمشهد الإعلامي العربي لم يغادر القضايا القومية إلى غيرها تماما . فقضية التضامن العربي، وقضية فلسطين، وقضية الغزو الثقافي لم تخل منها وسائل الإعلام، وإن لم يكن حضورها في الإعلام عند المستوى الذي توقعه الكثير من الناس منها . ومن باب الإنصاف، فالملامة في قصور مواجهة التحديات التي عصفت بمنطقتنا العربية لا يمكن أن ترمى مسؤوليتها في زاوية محددة . فالتصدي للتحديات الكبرى مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمؤسسات الأهلية ووسائل الإعلام والناس عموماً . وليس الإعلام في كثير من الأحيان إلا معبراً عن جهد هذه جميعاً . ولا مشاحة، في أن كثيراً من الصور المضيئة قد سطعت في سماء المشهد الإعلامي تبرز ريادتها في التصدي لقضايا الأمة الجوهرية .

لم يعد الإعلام بصورته التقليدية وحيداً في التحكم بالخبر من حيث الإخبار به أو التكتم عنه، أو سوقه في مسارات، الأصل أن ينحدر عبرها، أو في أخرى تتناقض مع أخلاقيات المهنة ومتطلباتها . لقد أصبح له منافس جاذبيته خطيرة من حيث شد الناس إلى محوره، والإدمان على متابعته . إنه الإعلام الجديد الذي خلق فرصاً غير مسبوقة في إيصال المعلومة والخبر إلى الناس وفي تمكينهم من التفاعل الذي ليس له مثيل في التاريخ الإنساني . لكنه إعلام أيضاً يخلق عالماً افتراضياً يفترش قواعد جديدة في العمل الإعلامي تبيح الاختلاط بين الوهم والحقيقة، وتنسلخ من حكم الأعراف بل والقوانين . وهو بذلك يغري الأفراد والجماعات بصنع الأحداث واستيطان الأوهام . وفي مثل هذا العالم الافتراضي تندثر المثل وتتلاشى الالتزامات الأخلاقية، حيث تغيب الضوابط، وتنقلب فيه مواقع الإرسال والاستلام بين لحظة وأخرى، ويتسابق داخله الإفك مع الصدق . وهذا واقع يثير جملة من الأسئلة تتطلب منا جميعا التصدي لها لرسم معالم أجوبة تنسجم مع احتياجات الناس وتتواءم مع ضرورات الحرص على الشفافية المبنية على المعلومات الصحيحة . فتلاشي الحدود بين الصحيح من الأخبار والزائف منها يثير البلبلة، ليس لدى القارئ العادي فحسب، وإنما أيضاً لدى صانع القرار، فالقرارات الصائبة تحتاج دوما إلى معلومات دقيقة ومطابقة للواقع .

وبهذه المناسبة لا يمكن أن نغفل المساعي الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، من أجل الارتقاء بالإعلام من حيث مكوناته، ومن حيث تقنياته، ومن حيث مواكبته لمتطلبات العصر واحتياجات المواطنين، وقد تمثل ذلك في كثير من الخطوات والإجراءات المتنوعة، كما أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لاينفك يبذل جهوداً نشهد باستمرار آثارها من أجل تطوير العمل الإعلامي وتحسين مخرجاته .

ذكرى تريم عمران

ينعقد مؤتمرنا السنوي كالعادة في أيام صادفت رحيل شقيقي تريم عمران إلى بارئه . ونحن على يقين أنه كان سيسعد بأن يتناول مؤتمرنا هذا موضوعين كانا همه ورافقاه في كل لحظة من حياته، فقد كرس نفسه لهما . فقضايا الأمة كانت شغله الشاغل التي رأى أن إيلاء العناية بها أولى الأوليات من أجل أن تنهض الأمة وتستعيد عافيتها التي فقدتها نتيجة تضافر مجموعة من العوامل ليس أقلها أنها أصبحت في فترة من الزمان أقل مناعة بسبب التهائها بصراعاتها الداخلية، فأغرت المتربصين بها، وقد كان سيسعد حقا لو رأى أن الوعي لدى الأمة يزداد حول ضرورة تآلفها، والتخلص من الخلافات التي تطحنها وتعوق مسيرة نهضتها وتقدمها . وقد أدرك بثاقب نظره دور الإعلام المركزي في تعميق الوعي حول قضايا الأمة الجوهرية، وفي رسم معالم الطريق للناس وصناع القرار على حد سواء .

ونحن على يقين من أن هذه الجمهرة من المفكرين وأهل الرأي المجتمعين في رحاب دار الخليج سيغنون النقاش حول الموضوع الذي يحتدم بحثه في أكثر من مكان وعلى أكثر من منبر، تسندهم في ذلك معرفة عميقة، وخبرة ممتدة في معالجة قضايانا القومية . فالشكر مبسوط لكل من لبى دعوتنا للمشاركة في هذا المؤتمر، ولكل من عزم على تلبيتها لكن لم تسعفه الظروف للحضور .

تكريم للمتميزين

على امتداد السنوات الماضية دأبنا على اغتنام انعقاد المؤتمر السنوي لتوزيع جائزة تريم عمران الصحفية على الفائزين بها في حقول مختلفة . وكذلك، على مجموعة من المتميزين خلال السنوات الماضية في المجال الثقافي والإعلامي ممن قرر مجلس أمناء مؤسسة تريم عمران الثقافية تكريمهم تقديراً لعطائهم في مجالاتهم الإبداعية وعرفاناً لجهودهم في تعزيز وتطوير ميادين أنشطتهم . وجائزة تريم عمران الصحفية هي أحد الأنشطة التي أسستها مؤسسة تريم عمران إلى جانب مركز تريم عمران للتدريب والتطوير الإعلامي، دعماً للحقل الإعلامي، وتمكيناً له من أداء مهمته على أفضل وجه .

وألقى الدكتور يوسف الحسن كلمة ترحيبية في بداية المؤتمر قال فيها: “نرحب بكم جميعاً في المؤتمر السنوي الثاني عشر لمركز الخليج للدراسات، الذي سنناقش فيه موضوع الإعلام العربي وقضايا الأمة، وهي تعيش لحظة تغير ومخاضاً عسيراً يصعب التكهن في سيرورته ونتائجه .

نلتقي اليوم في هذا الموقع الريادي الإعلامي المسكون بالهم الوطني والقومي وبحق الإنسان في المعرفة وبحس مسؤولية الكلمة ومهنية العمل وصدقيته .

نلتقي اليوم مستحضرين ذكرى مؤسس هذه الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بقامته الوطنية والإنسانية العالية، وبهمته المتميزة وحكمته الشجاعة وبرضا ومحبة الناس التي شملت حضوره وغيابه ونحيّي من حمل رسالته بأمانة واقتدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونستمطر شآبيب الرحمة على الراحلين من المؤسسين الأوائل، ومن الجنود المجهولين الذين أسهموا في البناء والعطاء ووضع الإمارات على خريطة الدنيا .

يحضرنا أيضاً في هذا اللقاء الفكري أن نتقدم بتحية محبة وتقدير لصاحب المشروع التربوي والعلمي والثقافي والوطني صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي رافق معنا دعماً وتشجيعاً، ولادة هذه المؤسسة وعلى مدى أكثر من أربعة عقود .

وتظل ذكرى الراحل تريم عمران تطوف معنا في كل لقاء، فهو المؤسس والمبادر وصاحب الموقف، نستذكر ذكراه الطيبة، ونستشعر ثقل المسؤولية التي حملها الأخ والصديق ورفيق الدرب الدكتور عبد الله عمران، في مواصلة الطريق نفسه بلا تردد ولا خوف” .

المشاركون يثمنون جهود سلطان

بعث المشاركون في المؤتمر السنوي الثاني عشر لمركز الخليج للدراسات برقية إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أثنوا فيها على جهود سموه من أجل توطيد العمل الإعلامي والثقافي .

وتالياً نص البرقية التي بعثها الدكتور عبدالله عمران نيابة عن المشاركين:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يطيب لي أن أنقل إلى سموكم أطيب التمنيات وخالص التقدير من المشاركين في المؤتمر السنوي الثاني عشر لمركز الخليج للدراسات الذي انعقد تحت عنوان “الإعلام العربي وقضايا الأمة”، الذي تداول فيه المجتمعون دور الإعلام في تعزيز القضايا العربية، وفي المشاركة في تقدم البلدان العربية من خلال المساهمة في تعميق الوعي للتحديات التي تواجهها . وقد نوه المشاركون بالجهود الكبيرة التي ما انفككتم عن القيام بها من أجل توطيد العمل الإعلامي والثقافي والتنموي وتحسين مخرجاته، وكذلك بكريم الضيافة التي وجدوها في رحاب الشارقة، راجين للإمارة مزيداً من التقدم والازدهار تحت قيادة سموكم الحكيمة .

مع وافر التقدير والاحترام

المر وعبد الله عمران يكرمان الفائزين بجائزة تريم والجائزة التقديرية

كرم محمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي والدكتور عبدالله عمران رئيس مجلس إدارة دار “الخليج” للصحافة والطباعة والنشر، خلال افتتاح فعاليات المؤتمر السنوي الثاني عشر لمركز الخليج للدراسات في دار “الخليج”، بتكريم الفائزين في جائزة تريم عمران الصحفية عن دورتها التاسعة لعام 2011 .

وشمل التكريم الدكتورة أمينة أبو شهاب من جريدة “الخليج”، الفائزة في مجال المقال الصحفي، وسعد جمعة من جريدة الاتحاد، الفائز في مجال العمود الصحفي، وشوكت علي من جريدة الاتحاد، الفائز في مجال التصوير الصحفي، وعلي شدهان الجميلي من جريدة البيان، الفائز في مجال التحقيق الصحفي، ومحمد هيبة من جريدة “الخليج”، الفائز في مجال الحوار الصحفي .

وكانت لجنة تحكيم جائزة تريم عمران الصحفية للعام 2011 قد تألفت من الدكتورة عائشة النعيمي، وعائشة سلطان، والدكتور إبراهيم الحوسني .

وقام المر وعمران بتكريم الحاصلين على الجائزة التقديرية من مجلس أمناء مؤسسة تريم عمران للأعمال الثقافية والإنسانية، وهم : الدكتورة رفيعة عبيد غباش، رئيسة جامعة الخليج العربي سابقاً، و باسمة محمد يونس، رئيسة قسم رعاية الموهوبين والمبدعين في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، والدكتور عبدالله صالح السويجي، رئيس مجلس الشارقة للتعليم، رئيس مجلس أمناء جائزة الشارقة للتفوق والتميز التربوي، إضافة إلى عمله أستاذاً جامعياً في جامعة الشارقة فرع كلباء، والدكتور عبدالله علي الطابور، كاتب وباحث في تراث الإمارات والجزيرة العربية، وعبد العزيز عبد الرحمن المسلم، مدير إدارة التراث والشؤون الثقافية في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، وعلي خليفة الرميثي، المدير التنفيذي لشؤون الإذاعة والتلفزيون في مؤسسة دبي للإعلام، مدير تلفزيون دبي، ومحمد خلف، مدير إذاعة الشارقة  مؤسسة الشارقة للإعلام .

الجلسة الأولى

نمط ملكية وسائل الإعلام العربية . . إشكالية الحرية والمصداقية

عائشة النعيمي: الإصلاح العربي طرح هامشاً جديداً للحريات الإعلامية

تغطية: رامي عايش

ناقشت الجلسة الأولى من المؤتمر، والتي ترأسها خلفان الرومي، ورقة عمل للكاتبة الدكتورة عائشة عبدالله النعيمي أستاذة الاتصال الجماهيري في جامعة الإمارات، بعنوان: “نمط ملكية وسائل الإعلام العربية - إشكالية الحرية والمصداقية” .

وذكرت الدكتورة عائشة النعيمي في مستهل حديثها، أن أهداف ورقتها تقوم على تقديم قراءة موضوعية للتحولات الأساسية في نمط ملكية وسائل الإعلام العربية في لحظة التحول التكنولوجي الاتصالي، بالمقاربة بين الإعلام وثلاثة مستويات في آن واحد: هي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
أكدت أن واقع الاصلاح العربي أفرز هامشاً جديدًا للحريات الإعلامية اختلف بين دولة واخرى، الثورة الاتصالية التي يشهدها العالم اليوم طالت المفهوم التقليدي للسيطرة والتحكم الذي دأبت الأنظمة السياسية العربية على انتهاجه تجاه وسائل الإعلام التي تقع في محيط سيطرتها، وأن هذه الأنظمة تعمدت ولعقود زمنية ممتدة التعامل مع الإعلام كأحد مكونات أجهزتها الأيديولوجية المتداخلة مع النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمرره عبر خطاب إعلامي يؤدى إلى السيطرة على مكونات الوعي الكلي للرأي العام العربي .

وشددت الدكتورة عائشة النعيمي على أن منهجية تفكيك هذا الدور الكلاسيكي على مستوى بنية الإعلام العربي، تستوجب الوقوف عند مستجدات المشهد الإعلامي، والإجابة عن تساؤلات ذات علاقة ببنية أجهزة الإعلام العربية في مقاربتها مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كمدخل لتحليل إشكالية الملكية، وتأثيرها في الحريات، وفجوة المصداقية في الإعلام العربي، ثم طرحت عدة تساؤلات كان من بينها: هل حدث تحول حقيقي وجذري في بنية الإعلام العربي على مستوى نمط الملكية؟ وما الدوافع الأساسية للتغيير في بنية هذا الإعلام؟ هل هو نتاج تحول في الثقافة السياسية لدى الأنظمة أم نتاج تحول ديمقراطي مجتمعي فرضته المتغيرات في المشهد السياسي العربي؟ أم هو تحول تنظيمي استحدثته النظم السياسية لمواجهة التحول التكنولوجي التقني؟

وأضافت:” قبل الولوج في البحث عن إجابات للتساؤلات المدرجة، من الضرورة التعرض لبعض الأسس العامة التي تمثل توطئة نظرية ومدخلات أساسية عامة للتحليل، ومنها الفضاء العام، فالفضاء العام وسيلة لتعبئة الرأي العام حتى يكون قوة سياسية فاعلة تنجز التفاعل بين الفرد والمجتمع بهدف تحقيق حقوق المواطنة التي يكفلها القانون، ثم إن وسائل الإعلام الحديثة قد قوضت الفضاء العام، أو بمعنى أدق حدت من فعاليته وحولته إلى ساحة للتلاعب السياسي الأيديولوجي والتعبئة الجماهيرية” .

بعد ذلك تطرقت الدكتورة النعيمي إلى مفهوم الاتصال السياسي الذي قالت عنه إنه تقنيات وأساليب يستعملها الفاعل السياسي للتأثير في الرأي العام، وهو المجال الذي يتبادل فيه السياسيون والصحفيون والرأي العام، الحوار الديناميكي حول شرعية السياسات العامة .

وأضافت: “الاتصال السياسي نشاط يعكس أهدافاً سياسية محددة تشمل من ضمن سياقاتها التنشئة السياسية والتثقيف السياسي بتزويد الأفراد بالمعتقدات والاتجاهات العامة، وتشكيل وعيهم، ودفعهم لتبني أفكار من خلال التعبئة السياسية للرأي العام لحملات النظام السياسي، وعندما نتحدث عن العلاقة بين الإعلام والأنظمة السياسة فإننا نتحدث عن مستويين هما: تأثير الدولة في الإعلام، وتأثير الإعلام في الدولة” .

كما عرّفت المتحدثة نفسُها مفهوم التدويل الإعلامي الذي وصفته بأنه تحد أمام الاستقلالية المهنية للإعلام العربي، من خلال تدخل الدول والمنظمات الدولية في إدارة الإعلام عبر ضلوع شركات استثمارية كبرى في التحكم بسوق الإعلام والاتصال، وما يمكن أن تخلفه من تغييرات في مسارات بنية الإعلام العربي .

وقالت في معرض تعقيبها على هذا المفهوم: “هناك ملكية غير مباشرة تنجز من خلال هيمنة الشركات العملاقة القابضة على اقتصاديات السوق الإعلامية الدولية، ولا تكتفي هذه الشركات بتسويق الصناعة الإعلامية بل تعمل على صنع الحدث وفق منهجيتها المتداخلة مع المصالح السياسية وحتى العسكرية للدول الكبرى، ولم يتمكن الإعلام العربي حتى اللحظة من إبراز استقلالية خطابه عن الخطاب الإعلامي الدولي وفق مصالح شعوبه ومنظومتها القيمية، فبرزت تلك الإمبراطوريات الإعلامية كطرف مهيمن يصوغ المصطلحات بحرفية مهنية عالية استهدفت خرق عقلية الرأي العام العربي عبر وسائل إعلام أجنبية - عربية” .

وأضافت: “هذا التوظيف المهني الدولي افرز إشكالية التدويل الإعلامي باعتبارها حرب أفكار تجسدها الشركات القابضة العابرة للقارات، وأفرز التدويل الكثير من السلبيات لعل أهمها دوره في وضع السوق في المقام الأعلى من خلال ربط عملية الإنتاج بالتوزيع” .

واستحضرت الدكتورة عائشة النعيمي سرداً تاريخياً للإعلام العربي قائلة: “هناك إرث مشترك تزامن مع مرحلة الحكومات الوطنية في الخمسينيات، حيث اهتمت الحكومات آنذاك بتعزيز سيطرتها على وسائل الإعلام كمظهر لتأكيد الاستقلال الوطني، فبدأ بالتدريج اختفاء الصحف التي تصدر عن سلطات الاحتلال أو تحول ولاءها إلى الإدارة الوطنية الجديدة، وأصبحت صحفا رسمية، أما الصحف الوطنية وأغلبها كان حزبياً فقد انتعشت لفترة قصيرة في ظل التعددية السياسية التي أعقبت الاستقلال ولكن سرعان ما ضاقت الأنظمة السياسية العربية بالتعدد السياسي وأطاحت بقوى المعارضة وأطيح معها بالكثير من الصحف تباعاً، ولم تنته الخمسينات إلا وأحكمت الأنظمة الحاكمة قبضتها على وسائل الإعلام كافة، وتم توظيف الصحف لتدعيم شرعية النظام السياسي الحاكم .

وأضافت: “مع التحول الاتصالي بات على الحكومات تغيير فلسفتها الإعلامية سواء تعلق الأمر بتفكيك أنماط الملكية القائمة على نهج الاحتكار الكلي، أو تغيير مضامين إعلامها، والبحث عن صيغة أكثر ديمقراطية تدمج الرأي العام كشريك أساسي في الفعل الإعلامي” .

المحور التالي في ورقة عمل الكاتبة الإماراتية دار حول أنماط التحول التي طرأت على بنية الاعلام العربي، لافتة إلى انه مع النصف الثاني من التسعينات بدأت مرحلة جديدة من مراحل الإعلام العربي ربما تكون هي الأولى في خاصية محاولة تفكيك نموذج التبعية الذي عمل الإعلام العربي تحت وطأتها، وقالت إن هذا التحول لم يحدث بصيغة إرادية طوعية من طرف الأنظمة السياسية، بقدر ما كان نتيجة متغيرات في بنية النظام الاتصالي ذاته الذي تزامنت ثورة استخدامه في العالم مع حدوث متغيرات سياسية إقليمية ودولية في الوطن العربي .

وقالت: “الحقيقة إننا لا نستطيع الحديث عن الإعلام العربي في تحولاته باعتباره حزمة واحدة، بل هناك تفاوت بين كل تجربة إعلامية عربية وأخرى، ويبقى العامل المشترك الذي حكم استراتيجية التحول هو التوظيف غير المباشر لهذا التحول من أجل خدمة أجندة المصالح السياسية والتي تمكنت الأنظمة السياسية العربية من تسخيرها من خلال الاستثمار في السوق الإعلامي” .

وختمت حديثها عن هذا المحور قائلة: “يظل الصراع من أجل المصداقية والحرية صراعاً قائماً داخل المؤسسة الإعلامية ذاتها، كما هو صراع قائم في الوقت ذاته خارجها حيث بنية الدولة والعمل المؤسسي المشروط بوجود القانون .

وتساءلت الباحثة والكاتبة الإماراتية فيما إذا كانت هناك صحافة مدنية في العالم العربي أم لا، مؤكدة أن واقع الإصلاح العربي فرض هامشا جديدا نوعا ما للحريات الإعلامية، اختلف بين دولة وأخرى، وفق محددات مشروع الإصلاح السياسي الذي أنجز في كل منها، وما ذهب إليه حول قضايا الإصلاح ذات العلاقة بتعزيز المشاركة السياسية، وتفعيل مجتمع المعرفة،مشيرة إلى أن ثمة جدالا حول هذا الموضوع وجد فيه البعض أن هناك تحولا إيجابيا قد حدث، فيما قرأه البعض بأن التغيير لم يحدث وإنما الحراك كان في تثبيت القديم في صور جديدة .

 وختمت: لقد أسهم نموذج نمط الملكية في وسائل الإعلام العربية إلى تغييب دور الإعلام، باعتباره وسيطا بين الفضاء العام والنظام السياسي العربي، ولم يؤد إلى تمكين المجتمع المدني العربي بأن يكون أكثر نشاطا وديناميكية وفاعلا حقيقيا في تعزيز قيم الحرية والمصداقية في الإعلام العربي” .

حوار مفتوح

بعد ذلك فتح باب النقاش أمام المشاركين الذين تقدموا بعدة تساؤلات وملاحظات وتعقيبات على ما جاء في ورقة عمل الدكتورة عائشة النعيمي، حيث تساءل علي جاسم احمد عضو المجلس الوطني، حول ما إذا كنا نريد إعلاما مفتوحا أم مغلقا، داعيا إلى ضرورة إيجاد حل لإشكالية الغزو الثقافي عبر بعض الفضائيات التي باتت تنفذ أجندات معينة ذات غزو سياسي ثقافي، فيما دعا الدكتور محمد الصاحي عضو مجلس استشاري سابق في الشارقة إلى تبني جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي مثل هذا المؤتمر، وما يأتي به من أفكار وتوصيات نظراً لأهميتها على حد قوله، مشيراً إلى أن جزءاً من الإعلام العربي الآن أخذ دور الشركات التسويقية، وأننا بحاجة إلى منهجية تساعد الدولة في الرقابة على هذا الإعلام، وتنقيته، من كل الرسائل السلبية .

أما الوزير البحريني السابق الدكتور علي فخرو فتطرق إلى أجندات بعض وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة باللغة العربية، والتي تريد السيطرة على الرأي العام العربي، لخدمة أهدافها، واستراتيجياتها السياسية في المنطقة، بينما دعا الكاتب والباحث خليفة الشعالي إلى إنشاء إعلام للمجتمع العربي كي يتولى هذا الأخير مسؤولية فهم الأحداث وموازنتها، وبالتالي الخروج من مفهوم “المؤامرة” على الرأي العام .

وتطرقت الدكتورة ابتسام الكتبي استاذة العلوم السياسية بجامعة الامارات في مداخلتها إلى سحب وسائل التواصل الاجتماعي البساط من تحت الأجهزة الإعلامية، وصارت تلعب دورا في الرأي العام، مشيرة أن لا إعلام غير موجه بما فيه الإعلام العربي، وحتى وسائل الإعلام المستقلة، قالت عنها إنها موجهة، فيما تحدث الكاتب جميل مطر عن مسألة إنشاء بعض المستثمرين وسائل إعلام دون رؤية أو هدف أو رسالة، وإنما من اجل المال والاستثمار فقط، وكيف تحول مفهوم الإعلامي بين السابق والحاضر، وكيف أصبح الإعلامي الآن مثل لاعبي الأندية الرياضية يباع ويشترى بعد أن تصنعه وسائل الإعلام التي يديرها هؤلاء المستثمرون .

وأشار الإعلامي في قناة الشارقة مروان الصواف إلى غياب التشريع الخاص بوسائل الإعلام التي يملكها أفراد، وأن ثمة فضائيات مفتوحة شكلاً لكنها مغلقة مضموناً، وتساءل عن سقف حرية الإعلاميين أنفسهم، فيما تساءلت الدكتورة مريم سلطان لوتاه أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات عن آلية إيجاد علاقة اكثر نضجا بين السلطة والإعلام .

أما حسن حسون أستاذ العلوم السياسية في جامعة دبي فأشار إلى ضرورة تحصيل المعلومات والرسائل الإعلامية من خلال 4 وسائل هي رجل الدولة السياسي، ووسيلة الإعلام، وخطاب رجل الدين، ووسائل التواصل الاجتماعي، على أن تصب أهداف جميع هذه الوسائل في خدمة الثوابت الوطنية التي تحتاجها الأمة العربية، مطالباً بتشريعات تحكم تصرفات وعلاقات وعمل هذه الوسائل والأدوات .

وتعقيباً على هذه المداخلات أكدت الدكتورة عائشة النعيمي أن فكرة التلاعب بملكية وسائل الإعلام بدأت في المجتمع العربي مع دعوات الإصلاح العربي وتقارير التنمية البشرية، مما أدى إلى التغيير نتيجة هذا الضغط الخارجي، مشيرة إلى أن الجمهور العربي بات أكثر وعياً الآن، ويمتلك القدرة على الحكم والتمييز بين الخطأ والصواب، حتى باتت الأنظمة العربية تحسب حسابا لهذا الوعي .

الجلسة الثالثة

في ورقته حول الإعلام العربي والغزو الثقافي

د. علي فخرو: المجتمعات القوية المتقدمة اقتصادياً وأمنياً لا تخاف من تأثيرات الآخرين

تغطية: علاء البدري

استعرض المفكر والكاتب البحريني الدكتور علي فخرو في ورقته “الإعلام العربي والغزو الثقافي” خلال الجلسة الثالثة التي ترأستها عائشة سلطان، واقع الثقافة العربية، التي تعرضت عبر مراحل تاريخها الحديث للأصناف الثلاثة: للغزو والتبعية والاختراق، والمحصلة واحدة وهي أن الثقافة العربية في حالتها الحالية تواجه خطر التهميش والإضعاف، وبالتالي ضمور الحيوية والإبداع فيها، مشيراً إلى أن هذا كله سيعرّضها للموت البطيء والانقراض، تماماً كما حدث للكثير من الثقافات والحضارات الأخرى .

حول أصل المشكلة ووجهها الجديد قال الدكتور علي فخرو: إن المجتمعات القوية المتقدمة المكتفية بذاتها اقتصادياً وأمنياً لا تخاف على ثقافتها من تأثيرات ثقافة الآخرين، ولا تتهيب حدوث التفاعل والتلاقح الثقافي، وعندما كان العرب في أوج مجدهم الحضاري الإسلامي، لم يترددوا عن الانفتاح على قسم كبير من الحضارات الأخرى، ونهلوا منها علماً وفكراً هضموا الصالح ورفضوا الطالح من دون خوف من التبعية .

وعندما دخلت الحضارة العربية الإسلامية في مرحلة الضعف والتخلف والإغفاءة الحضارية، توقفت عملية التفاعل والتلاقح الثقافي الإيجابية تلك، عند ذاك بدأت مرحلة جديدة بالنسبة للثقافة العربية الإسلامية، اتصفت تلك المرحلة في بداياتها بالانبهار المبالغ فيه بثقافة الآخر الغربي من جهة وبالخوف المفرط من إمكانية هزيمة ثم موت ثقافة الأمة من جهة أخرى .

ولفت إلى أن العولمة قد طرحت أفكاراً وشعارات في عوالم الاقتصاد والسياسة والثقافة، ليجد العالم نفسه فجأة أمام حتميات تقدم له، في السياسة حتمية انتصار النظام الديمقراطي كما بنته ومارسته مجتمعات الغرب، وفي الاقتصاد حتمية نظام رأسمالي عولمي قائم على حرية التبادل التجاري بين الدول دون عوائق أو نظام حماية أو دعم للمنشآت الوطنية، وفي الثقافة حتمية زوال الهويات القومية والوطنية التدريجي لمصلحة انتماء لعالم واحد تسوده مسلمات الفردية الأنانية المفرطة والحرية غير المقيدة للخيار الشخصي والحياد البارد تجاه الآخرين .

وأضاف الدكتور علي فخرو أن التأثيرات المفصلية للثقافة العولمية سواء الإيجابية أو السلبية في الثقافات الوطنية، تختلف من بلد إلى بلد، بل من مجموعة إلى مجموعة في البلد نفسه، ومع ذلك فإننا نعتقد أن تأثيرها متشابه إلى حد كبير في بلدان الوطن العربي، بسبب وجود ثقافة عربية مشتركة واحدة أسسها التاريخ المشترك ودين الغالبية الساحقة من العرب، الإسلام، ولغة الكتابة والتعبير الفكري والأدبي الواحدة، والقرب الجغرافي .

ولفت إلى أن تلك التأثيرات تتضمن بعض النقاط، أولها “تهديد الهوية”، فالهوية العربية هي هوية ثقافية، وتهديدها هو تهديد لتلك الثقافة، والعكس صحيح، وككل الهويات الأخرى، فإن الهوية العربية المشتركة مهددة من وجوه عدة، فهي وضع ضعيف متذبذب عند الفرد العربي بسبب الإخفاقات السياسية والتنموية، وهي مهددة بانتعاش الهويات الفرعية الإثنية والطائفية واللغوية، وهي مبتلاة بأنظمة حكم عربية نجحت بقصر نظر في عدم إعطاء أولوية قصوى لبناء وتقوية مختلف المؤسسات المسؤولة عن تكوين الشخصية العربية المنتمية لهويتها والقادرة على الدّفاع عنها، والنتيجة هي ضعف الشعور والانتماء الوطني والقومي والعروبي والإسلامي .

وثاني تلك التأثيرات “تنميط السلوك الثقافي والاجتماعي”، ففي قلب الحملة الإعلامية والإعلانية التجارية الهائلة، التي تقوم بها مؤسسات الاقتصاد الرأسمالي العولمي، تكمن ثقافة الاستهلاك النّهم لكل بضاعة تنتجها تلك المؤسسات، سواء أكانت مادية أم معنوية، وشمل التنميط عادات الغذاء والتوجه نحو الوجبات السريعة، واللباس من أجل الانغماس الدائم في الموضات والانتساب التفاخري لنتاج شركات اللباس المشهورة والعابرة للقارات، بالإضافة إلى الأفلام المبتعدة عن قضايا الإنسان الحياتية المفصلية، والموسيقا والغناء لتنمية ذوق يحب الصخب والضجيج والتعابير الفجة والصراعات الشاذة .

وثالث تلك التأثيرات “تهميش وعاء الفكر” فيكفي أن يهمش وعاء الفكر وأداة الثقافة، أي اللغة العربية، حتى تصبح عملية التنميط الثقافي أو الاجتماعي، وإضعاف الهوية عملية سهلة، هناك ظاهرة عالمية مؤداها الاضمحلال التدريجي للغات العالم، ولا يمكن لهذه الظاهرة أن تكون بعيدة، حتى ولو بصورة جزئية غير مباشرة، عن ظاهرة العولمة اللغوية التي تتمثل في طغيان هيمنة اللغة الإنجليزية في حقول كثيرة، وعلى الأخص حقل الأعمال والإعلام والترفية والتواصل الالكتروني .

ورابع هذه التأثيرات “تجريح الإسلام واتهامه” فبالنسبة للعرب ليس الإسلام ديناً فقط وإنما هو أهمُ مكون لحضارتهم عبر خمسة عشر قرناً، ولأنه كذلك فإن الغرب الرأسمالي العولمي على الأخص، الراغب في الاستحواذ على ثروات العرب والمسلمين، يدرك أن الإسلام هو أهم سلاح يمكن أن يشهر في وجه محاولتي الاستحواذ والصراع .

وحول الإعلام والاختراق الثقافي، قال الدكتور علي فخرو: دعنا أخيراً نطرح السؤال المتعلق بدور الإعلام العربي في هذه المعركة، فإن الوسيلة الأهم لاختراق الثقافة العولمية، ومركزيتها في عواصم الغرب وعلى الأخص الأمريكي منه، للثقافة العربية هي البرامج الإعلامية السمعية والبصرية والالكترونية الهائلة التي امتدت وتضخمت لتصل إلى كل بيت عربي، إن نظرة واحدة على شاشات التلفزيونات العربية، المحلية أو الفضائية منها، تظهر كم تسيطر المادة الثقافية الأجنبية، سواء بلغات أجنية أم مترجمة إلى اللغة العربية، على المشهد التلفزيوني برمته .

وأكد الدكتور علي فخرو في ورقته أن الإعلام العولمي سيل كبير جارف لا تصده الإمكانيات القطرية مهما بذل فيها من مال البترول، فليس بالمال وحده يبنى الإعلام الرصين الجاذب الموثوق به وليس بالمال وحده يمكن صدّ الهجمة الثقافية العولمية، لافتا إلى أن الخلاص هو في كنوز المشروع النهضوي العربي ذي الأضلاع الستة، وهو ما يجب أن نسعى جميعاً لتحقيقه .

وفي مداخلته لفت محمد خالد إلى أنه من المؤسف أن يكون هناك جزء من الإعلام العربي يقوم على تسويق السلع فقط، مشيراً إلى عدم قيام إعلامنا العربي بالتطرق إلى حركات التحرر بطريقة موضوعية وحيادية ووطنية، من دون النظر إلى مقاعد الحكم، مطالبا بضرورة أن نشترك جميعا للخروج من سلبيات المأزق الذي يعيشه الإعلام العربي .

وأشار الدكتور علي العمودي إلى الواقع المؤلم للغة العربية في العالم العربي خاصة في دول الخليج، فاللغة العربية مهمشة جدا اقتصاديا وتنمويا، مطالبا بضرورة وجود مشروع عربي متكامل خاص باللغة العربية، وتطرق المهندس عماد سعد إلى أهمية المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الإعلامية العربية بعيدا عن الحرفية، وهو أمر يتطلب تقويته وتقييمه مرة أخرى .

ولفتت الدكتورة عائشة النعيمي إلى ضرورة معرفة التداخل بين الخاص والعام في اللغة، مشيرة إلى التوقع الديني والطائفي لبعض الفئات داخل مجتمعاتنا، التي قد تخلق في المستقبل إشكالية كبيرة جدا يجب مواجهتها، وتطرق سلمان المغربي إلى الإنتاج الثقافي والفكري العالمي الذي يتطلب منا إيجاد مرادفات له في لغتنا العربية، خاصة أن هناك بعض الكلمات المترجمة للعربية لم تعد تناسب الواقع، متسائلاً عن دور الثقافة العربية التي لم تستطع فرض نفسها عندما كانت قوية .

وأضاف الدكتور محمد عبد الغفار أننا يجب أولا أن ننتقد أنفسنا قبل أن ننتقد العولمة الأمريكية، فالحضارة هي العلم والاقتصاد والقوة العسكرية، فعندما كانت الحضارة العربية قوية كانت تذهب بعيدا ولا تخاف من الحضارات والثقافات الأخرى، طارحا سؤالا حول اليونيسكو العربية التي لم تتمكن من تطبيق منهج للهوية اللغوية العربية .

وأشاد الدكتور حسن قايد بالورقة التي قدمها الدكتور علي فخرو، وما تتضمنته من أفكار وموضوعات، مشيراً إلى أن الربيع العربي ينتظر الكثير، الأمر الذي يتطلب منا التريث وعدم تقييمه خلال هذه الفترة، خاصة أن حكام تلك البلاد تركوها خاوية وفاسدة، لذلك نحن متفائلون، مضيفاً أن المؤسسات الإعلامية الأمريكية تمتلك أموالا ومقومات طائلة جعلتها تتمكن من غزو العالم، الأمر الذي يحتم علينا ضرورة دعم مؤسساتنا الإعلامية الثقافية .

الجلسة الثانية (الورقة الأولى)

"معالجة الإعلام العربي للتغيرات في البلدان العربية"

التدفق الإعلامي الزائد يبدد وضوح الصورة الحقيقية للأحداث

تغطية: معتز كتانة

سلطت ورقة العمل الأولى خلال الجلسة الثانية في مؤتمر الخليج السنوي، التي جاءت تحت عنوان “معالجة الإعلام العربي للتغيرات في البلدان العربية”، وترأسها محمد حسين الشعالي، الضوء على واقع التغيير الذي طرأ على المجتمعات العربية، لاسيما تلك التي تأثرت برياح التغيير والثورات العربية، ودور الإعلام خلال هذه المرحلة والمتوقع منه خلال السنوات المقبلة، ومدى تأثيره في مجريات الأمور .

بدأ الباحث الدكتور غانم النجار الجلسة باستعراض مجموعة من الصور عن الثورة المصرية وميدان التحرير، وكذلك الشخصية التي كانت تقف خلف عمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية سابقاً، للدلالة على مدى حجم التناقض بين الصور، وكيف أن كل وسيلة إعلامية أظهرت ما يجري من وجهة نظر معينة، منتقداً دور الإعلام المصري في نقل حقيقة الصورة خلال الثورة، وإظهار الأمور على أنها تسير بخير، وإخفاء حقائق الأمور عن الجمهور، كما انتقد كلمة عمر سليمان المقتضبة للإعلان عن تنحي حسني مبارك للسلطة، التي لم تتجاوز 136 كلمة .

وقال:نشهد اليوم مرحلة تحول في المشهد السياسي، فلم يكن أحد يتوقع هذا التحول الكبير، ورضوخ السلطات لمطالب الناس، فنحن أمام حالة سياسة جديدة، ويؤدي الإعلام دوراً مهماً في هذا الجانب، طارحاً تساؤلاً عن دور الإعلام وهل يلعب دور المحرك أم الموجه أم الناقل للمعلومة، أم كلها جميعاً، في خضم هذه المجريات التي طغت على الساحة العربية . وأضاف أن العالم العربي يشهد مرحلة تغيرات جذرية، وأن كل تحول أو تغيير يصاحبه ألم وقسوة، كما أن الناس يثيرون الشكوك حول ما يحدث، ويرون أن التغيير يقود للأفضل، ولكنهم يستعجلون النتائج ما يؤدي بالتالي إلى الإحباط السريع، والاعتقاد أن وراء تلك المجريات أناساً يخططون ويدبرون ويحيكون المؤامرات لمصالح جهات معينة .

وتطرق الدكتور غانم النجار إلى دول الخليج العربي التي تحاول أن تلعب عدة أدوار، وبالذات من خلال الإعلام الخليجي، مؤكداً أن التدفق الإعلامي يبعثر الصورة، ونكتشف بالتالي اهتمامهم بقضايا معينة دون أخرى، وأن جزءاً من التغطية الإعلامية لتلك الدول قد فشلت في ذلك، خلال الثورات العربية، ومن هنا نطرح تساؤلاً عن المبرر الأخلاقي، وموقعه في المحافظة على توازن وتقدم وسلامة المجتمع، وهل يبرر ذلك الكذب أم لا، تحت مقولة “الغاية تبرر الوسيلة” .

وبين أن الإعلام الترفيهي يعد ناجحاً على الصعيد المادي وتحقيق الأرباح، على عكس الإعلام السياسي، مشيراً إلى وجود 300-400 محطة ترفيهية تبهر الجمهور بما تقدم، لافتاً إلى أن تكلفة إنشاء مثل تلك المحطات منخفض، وتعتمد بالدرجة الأولى على التقدم التكنولوجي .

وأكد أن التدفق الإعلامي لا يكوّن رأياً عاماً، وهو يقود الأنظمة للعمل جاهدة للحفاظ على نفسها، وأن التغيير يعد جزءًا من سياسة الحكومات التي تسعى إلى أن تدافع عن نفسها، لافتاً إلى أن من يعتقد أن الحكومات تنشيء إعلاماً محايداً، فهو واهم، فالمطلوب الموضوعية وليس الحياد في الإعلام .

كما يوجد الآن على الساحة الإعلامية، تحد يتمثل في الأجهزة التقليدية، وكذلك الوسائل الإعلامية الجديدة، إذ باتت المنافسة الآن على أشدها، ولا يزال الإعلام يتطلب مزيداً من الوقت، وأن الإعلام الالكتروني غدا أكثر وأهم من الوسائل الإعلامية من ناحية التغطية وسرعة النشر والتأثير، وبالتالي حشد الناس في اتجاه معين، كما أن إنشاء صحيفة الكترونية ليس من الصعوبة بمكان، إذ إن رأسمال يتراوح من 15-20 ألف دولار يكفل افتتاح صحيفة بامكانات جيدة .

ورأى النجار، أن ثمة صراعاً إعلامياً يجري، تستخدم فيه طرق ملتوية، من خلال التلاعب بالصورة، وسواها من الأساليب الأخرى، متسائلاً عن دور الإعلام التقليدي في تحدي هذا التلاعب، مجيباً بأنه سيلعب ويؤدي الدور ذاته، وأن ثمة أجهزة استخباراتية مسؤولة عن ذلك، كما أن الأجهزة الأمنية الرسمية دخلت في مجال الانترنت الذي بات هماً يؤرقها، لمراقبته والتصدي لأي محاولات ضد الدولة .

وأوضح أننا لا نزال في إطار مرحلة التغيير، التي تشمل الإعلام كأحد أهم جوانبها، وحدوث صراع قد يحسم الأمر، من خلال ما يجري على أرض الواقع .

ورأى في التجربة الليبية، مثالاً عما يجري من تهميش لوسائل الإعلام الليبية التي بدت مختفية تماماً عما يجري من أحداث حالياً هناك، ولا يسلط الإعلام الضوء عليها، في المقابل ستجد المواقع الاجتماعية كتويتر، ملأى بالكثير مما يقال على الساحة الليبية، والأمر ينسحب كذلك على اليمن وسوريا .

وقال إننا في مراحل التكوين، داعياً إلى عدم التخوف مما سيحدث لاحقاً، فنحن بحاجة للتأمل، وما سيجري لن يكون نهاية العالم، بل قد يكون الأحسن هو القادم، طارحاً عدة أمثلة على ثورات دبت في دول العالم واستمرت لسنوات طويلة، وآتت أكلها فيما بعد، مؤكداً في الوقت ذاته أن الثابت في السياسة هو التغيير، ولكن الإنسان بطبعه يكره التغيير، وكذلك الأنظمة السياسية لأنه يهدد مصالحها .

ثم أتاح رئيس الجلسة المجال أمام الحضور لطرح تساؤلاتهم وإبداء آرائهم، حيث تساءل الدكتور علي العمودي الباحث البيئي في مجال الاستدامة بمداخلة له، عن المتغيرات في الوطن العربي ودور الإعلام وتحديداً شبكة التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرها، وهل سيكون لها تأثير في المدى البعيد يشمل الجانبين السياسي والاقتصادي .

أما الدكتورة رفيعة غباش، رئيسة جامعة الخليج العربي سابقاً، فتطرقت إلى دور الإعلام كهدف وليس كوسيلة، متسائلة عن إمكانية وجود محطة أو نافذة إعلامية لليبراليين يطلون من خلالها على الجمهور .

الدكتور شبر الوداعي، باحث ومختص في الشأن البيئي، علق في البداية بقوله: نريد أن نرى رؤساء تحرير في المؤتمر، لطرح أفكار تفيدنا وتثري النقاش، ثم أضاف أن الكتاب المتميزين تحولوا إلى “كتبة”، بمعنى أن ثمة كتّاباً كانوا ملتزمين بالمنهج القومي والأممي، وتغيروا فجأة، ولا ندري ما هو السبب أو المتغير الذي أثر بأفكارهم، بحيث تحولوا مطبلين للطائفية، بينما كانوا في السابق قادة للفكر، وقد تكون المنافع الاقتصادية وراء ذلك .

وفي مداخلة للدكتور علي فخرو، الكاتب والوزير البحريني السابق، أكد خلالها أن دخول الوزارات الرسمية، في مجال مواقع التواصل الاجتماعي الالكتروني، أصبحت أخطر قضية سنشهدها في السنوات المقبلة، وهو موضوع يجب ألا يترك، إذ من الممكن أن تصبح هناك شركات علاقات عامة تابعة لتلك الجهات لديها أسطول من الموظفين الذين يتابعون كل كبيرة وصغيرة، ويقومون بالرد عليها بأسماء مستعارة وفق توجهات تمليها عليهم الجهات المسؤولة .

وتساءل الدكتور حسن قايد أستاذ الإعلام بجامعة الإمارات في مداخلة له، عن التغيير المصحوب بالألم في الثورات العربية إلى أين سيقود، وهل سيؤدي لطريق مسدود؟ وهل المنتج تغلب على المنتج؟ بحيث تفوقت المؤسسات الإعلامية فيما تطرح على ملاكها، خلال تغطية الأحداث في الثورات العربية .

وطالب جميل مطر، كاتب ومفكر مصري، بدارسة التجربة الصينية، فهي تمثل جهود الدولة المضنية في مكافحة الإعلام الحديث باعتباره يهدد كينونتها ووجودها، وتطرق إلى محاولة الحكومة المصرية وقف خدمة الانترنت، ما انعكس الأمر ضدها، حيث توافد الناس إلى الميادين والشوارع، لمعرفة ما يجري .

أما مداخلة الصحفي والمدون اللبناني سلمان المغربي، فركز فيها على أن الصحافة الالكترونية باتت الأكثر سرعة وجماهيرية، بسبب سرعة الإرسال واقترانها بالصورة، وغيرها من المؤثرات، متسائلاً عن إمكانية وضع استراتيجية تنظم هذه الوسائل من دون تقييد للحرية .

وأخيراً علّق الدكتور رياض الدباغ من جامعة عجمان بقوله، اتفق والنجار، بأن هناك فراقاً وقطيعة بين الشباب والصحف المطبوعة، فهم أكثر استخداماً للإنترنت، والوسائل الالكترونية، ولهذا السبب كانت كلمة عمر سليمان قصيرة، لمعرفته بأنها ستنشر عبر هذه المواقع، وستنقلها وسائل الإعلام، وتهدئة الشعب الذي كان في مرحلة “غليان”، مشيراً إلى أن المنتديات الالكترونية توفر للشباب مساحات حوار مباشرة لطرح أفكارهم، وثمة رقابة من الجهات الأمنية عليها .

وفي رد الدكتور غانم النجار على المداخلات قال، باتت الشبكة العنكبوتية هي المستقبل، وليست أمراً مرحلياً وسينتهي، وأنه لا يوجد مدى بعيد لأي شيء، فالتطور مستمر، وما هو موجود الآن قد يصبح قديماً وبالياً ومتخلفاً لاحقاً، لافتاً إلى أنه بات الاهتمام بالإعلام يتنامى، والكل يسعى للحصول على وسيلة إعلامية، وإن كانت غير مؤثرة، وعن الليبرالية، قال: من الممكن أن تحصل على وسيلة تعبر بها عن نفسها .

الجلسة الثانية (الورقة الثانية)

تطور وضع القضية الفلسطينية في الإعلام العربي

حلمي موسى: بحث العرب عن كرامتهم مدخل لبحثهم عن فلسطين

تغطية: يمامة بدوان

في ورقة العمل الثانية، بالجلسة الثانية، تحت عنوان “تطور وضع القضية الفلسطينية في الإعلام العربي”، التي ترأسها محمد حسين الشعالي، استعرض الباحث حلمي موسى، كاتب فلسطيني مختص في الشؤون “الإسرائيلية”، ترتيب الحدث الفلسطيني في وسائل الإعلام حتى العربية منها، الذي تراجع عندما نشبت الثورات العربية، حيث إن واقع التحركات الشعبية العربية قوبل باهتمام وتفاعل فلسطيني بارزين، لدرجة أن الأدوار تبدلت للمرة الأولى منذ عقود، وبات الفلسطيني في الأرض المحتلة يلعب دور المراقب بدل دور الفاعل .

وقال إن إشكالية وصف القضية الفلسطينية تزداد تعقيداً مع مرور الوقت، وهي لم تكن يوماً قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية عربية بالأصل ودليل ذلك مشاركة 7 جيوش عربية في الحرب ضد إسرائيل في العام 1948 كما هناك آراء فلسطينية وعربية ترى أن فلسطين كانت حاضرة في كل الثورات العربية، فإذا كانت فلسطين في الأصل قضية العرب وكرامتهم، فإن بحث العرب عن كرامتهم في أوطانهم، يشكل مدخلاً وتجلياً لبحثهم عن فلسطين .

وأوضح وجود انقسام في أوساط الفلسطينيين أنفسهم، حول اهتمام الإعلام العربي بقضيتهم في حمى الانشغال بالثورات والأحداث العربية الأخرى، حيث يرى البعض أن الإعلام واكب تطورات ونضالات القضية الفلسطينية، في حين يرى آخرون أن القضية الفلسطينية تم نسيانها، بل إن الحراك العربي هو نوع من المؤامرة على القضية الفلسطينية .

وذكر أن الإعلام العربي والدولي، ترك انشغالاته عندما خلق الحراك الشبابي الفلسطيني والعربي، ظاهرة المسيرات نحو الحدود مع فلسطين، التي خطفت الانتباه عن قسم من الأحداث العربية، لتعيد الاهتمام بفلسطين إلى الصدارة، كما أن مهرجانات التضامن الدولية مع فلسطين، سواء المتعلقة بأساطيل الحرية أو بالرحلات الجوية، نالت ما يستحق من الاهتمام .

ولفت إلى فروقات كبيرة بين إعلام حر في بلدان متقدمة ومجتمعات حرة، وبين بلدان أخرى لا تتصف بذلك، حيث إن الإعلام هو انعكاس للواقع الذي نعيشه، كما أنه يبرز ظاهرياً في الجوانب المتعلقة باستقلاليته وموضوعيته الشكلية .

وحول تأثير الربيع العربي في الساحة الفلسطينية، قال موسى، إنه ترك بالغ الأثر على أنصار الموقفين المقاوم والمفاوض، سواء في غزة أو رام الله، حيث إن من وافق على سياق اوسلو لم يكن يتصور أن يؤدي إلى تقسيم الشعب الفلسطيني إلى هذه الدرجة، فمن ناحية شعرت حركة حماس، على سبيل المثال، بأن الثورات العربية سوف تخدمها على المديين المتوسط والبعيد، ومن ناحية أخرى فإن حركة فتح التي تقود المفاوضات والسلطة في رام الله، وجدت نفسها في موقف بالغ الحرج، حيث تشير التحولات في المنطقة إلى دور متزايد للرأي العام العربي المعادي في طبيعته ل”إسرائيل” الذي بات ميالاً بشكل متزايد للخط الإسلامي، الأمر الذي سمح لعدونا أن يقوى ويستفيد من نقاط ضعفنا . وتابع أن رد الفعل “الإسرائيلي” الأولي على انطلاق الربيع العربي تلخص في نوع من الذعر الرسمي، وظهر ضمناً نوع من الخوف المعنوي ذو الطبيعة السياسية والاجتماعية، حيث إن المأزق “الإسرائيلي” هو صورة أخرى للمأزق العربي والفلسطيني، إذ إن “إسرائيل” التي تملك مزيدا من القوة بدأت تشعر بازدياد المخاطر حولها .

وقال إنه لأكثر من 60 عاماً والهرم مقلوب على رأسه، عندما كنا نرى أن تحرير فلسطين، هو الذي سيحرر الأمة العربية، إلا أن الأمر ظهر عكس ذلك، بدليل انه سيتم تحريرها لدى تحرير المواطن العربي، كما انه ومنذ العام 1964 لم يكن الفلسطيني يعتبر أن الدولة هي أساس مشروعه، في حين كنا دائما نبني ثقافتنا على أساس الموقف .

وفي مداخلة للدكتورة ابتسام الكتبي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الإمارات بالعين، قالت إن الإشكالية في الرأي العام العربي بعد كل الدماء اليومية التي يراها المشاهد على شاشة التلفاز، أصبح لديه نوع من التبلد والاعتياد، بالرغم من الذي كان يحدث في فلسطين، والذي كان يثير المشاعر، حيث إننا بحاجة إلى تغيير في البنية الثقافية الأساسية، مشيرة إلى انه بالرغم من حصول الإخوان المسلمين في مصر على الأغلبية بمجلس الشعب، ووصولهم إلى سدة الحكم، إلا أنهم لم يحركوا ساكناً تجاه التهديد “الإسرائيلي” الأخير على غزة، خاصة أنهم كانوا يخرجون مظاهرات منددة خلال مرحلة ما قبل الثورة زمن حكم مبارك .

وقال محمد دياب الموسى، المستشار في الديوان الأميري بالشارقة، إن القضية الفلسطينية شائكة، ولا يمكن توجيه اللوم لطرف أكثر من طرف آخر، كما انه سابقا عندما كنا قيادة واحدة، فان الإخوة والجيران العرب كانوا يقفون معنا، إلا أننا نجد الآن، وفي ظل وجود حكومتين متناقضتين في غزة ورام الله، ترفضان التوصل إلى اتفاق لإنهاء الانقسام، فكيف نطالبهم بمساعدتنا، ونحن لا نساعد أنفسنا، في حين أن أفضل ثورة فلسطينية قادت الصراع مع العدو تمثلت في انتفاضة الحجارة الأولى، التي كان يقودها أطفال، وقد أوجدت التعاطف العربي والدولي مع القضية الفلسطينية .

وأضاف أن كلاً من الضفة وغزة أصبحتا تفاوضان لأجل المفاوضات، من دون التقدم إلى الأمام، بل العودة إلى الوراء، الأمر الذي يؤكد أن القضية هي القيادة، التي سيصلح أمرها إذا صلح أمر الشعب بكامل أطيافه .

وتحدث الدكتور خليفة الشعالي، باحث وكاتب، عن الشباب العربي الذي يسأل من هو العدو من طرح القضية الفلسطينية، حيث إن الحقوق المنتهكة لهؤلاء الشباب، مثل المساواة والحياة والحرية والكرامة، ويتساءل أيضا عن العدو الذي يغتصب لقمة العيش وينتهك الحقوق، لافتاً إلى أن القضية الفلسطينية تراجعت، لأن الأنظمة العربية أصبحت أكثر فتكاً بحياة شعوبها، وأصبح الشاب العربي البسيط يرى أن العدو ليس “الإسرائيلي”، إنما طرف آخر .

من جهتها تناولت الدكتورة رفيعة غباش، رئيس جامعة الخليج العربي سابقاً، في مداخلتها، سياحة المفاوضات التي اتخذها احد المفاوضين، الذي خرج من احد المؤتمرات ليتم تعيينه وزيرا، كما تطرقت إلى الجماعات الإسلامية التي كانت تدعي أن القضية الفلسطينية هي قضيتها، ثم أصبحت تسعى لنيل رضا إسرائيل بعد وصولها إلى سدة الحكم، موضحة أن العرب لم يستخدموا العقل الأوروبي بقوة، في جعله يساعدنا لنصرة القضية الفلسطينية .

وفي رده على المداخلات قال الباحث حلمي موسى، إن القضية الفلسطينية كانت تتصف دائماً بالتجدد في الانتفاضات التي يقودها أطفال الحجارة، وبالتالي عدم خلق قصة تبلد مشاعر المشاهد العربي لما يحدث في فلسطين، في حين استفاد المجتمع الدولي “إسرائيل” من إنشاء السلطة الفلسطينية، التي لم تمتلك قدرة على التغيير، في حين علينا الإقرار أن الإخوان المسلمين هم جزء أساسي من مكونات مجتمعنا، من منطلق أننا لسنا ملائكة أو شياطين، كما أن الثقافة العامة في مجتمعنا “مضروبة”، والسبب يعود إلى الطبقات الحاكمة، حيث إن ما نراه هو نتاج جهد كبير بذل طوال عقود من قبل سلطات حاكمة، كانت تقضي على أي حركة ليبرالية أو دينية في المجتمع .

وأضاف أنه من المؤكد أن مشكلة الفلسطيني تكمن في قيادته، إذ إنه كان سابقا متميزا، لكنه سرعان ما جلب لنفسه أسوأ أنواع إدارة العمل السياسي، خاصة انه مر في تجربة الحرب الأهلية مع نفسه والانقسام، ويتوجب أن تكون الأولوية بالنسبة للفلسطيني في البقاء على أرضه، والسعي إلى تحقيق وحدته، خاصة انه الآن يتصف بالعجز في أن يواجه “إسرائيل” لوحده من دون أي مشروع عربي، في حين يمكن اعتبار الفلسطيني الحقيقي هو الموجود داخل الأرض المحتلة ،48 وسط الوحش “الإسرائيلي”، فليس صدفة ذلك التحدي بين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، الذي يُخرج أفضل ما لديه، سواء على صعيد الطب أو الهندسة وغيرها من المهن .

وحول رده على تعريف العدو، ذكر أن شخصاً مضطهداً لا يجد قوت يومه، من حقه أن يسأل لماذا سيذهب لتحرير فلسطين، حيث إنه ومن اجل تحريرها يجب أن يتحرر بداية المواطن العربي ويشعر بكرامته في وطنه، مشيرا إلى أن اللغة العربية لم تقدم للعالم في آخر 20 سنة سوى 3 كلمات تستحق أن تذكر، هي: الانتفاضة والقاعدة وميدان التحرير، كما يتوجب على كل مواطن عربي إعلاء شأنه، كي لا نبقى ندور في دائرة مفرغة .

في المائدة المستديرة

المشاركون يناقشون دور الإعلام الجديد وأثره المستقبلي

تغطية: طارق زياد

ناقش المشاركون في الجلسة الختامية للمؤتمر ضمن “المائدة المستديرة” دور الإعلام الجديد، وأثره في العالم العربي مستقبلاً، حيث تنوعت أفكارهم بين من يرى أن دوره إيجابي، وآخرين يرون ضرورة التروي والالفتات إلى سلبياته التي قد تظهر في ما بعد .

ي بداية المائدة، تحدث رئيس الجلسة الدكتور يوسف الحسن عن وسائل الإعلام الجديدة التي أتاحت مساحة للشباب لإيصال أصواتهم، مدللاً على ذلك بمجموعة من الأمثلة منها مشاركة الشباب الفاعلة في التصويت لبرنامج “معبود الجماهير” في العالم الغربي، حيث وصلت نسبة التصويت فيه إلى أكثر من 58 مليون شخص، في حين أن “التصويت” في الانتخابات في الغرب كانت نسبته بين 50 إلى 60% أو أقل .

وطرح د . الحسن على المتحدثين الرئيسين أسئلة حول دور الإعلام الجديد، في ما يتعلق بأثره في الثقافة النقدية، واحتمالات استغلاله من قبل الشباب الفلسطيني في الحشد لقضيته، وفي ما إذا كان هذا النوع من الإعلام يعد تهديداً للصحافة المكتوبة والإعلام البصري .

مشاركات المتحدثين

أكد جميل مطر أن هناك حيرة مهنية وأكاديمية في تحليل ثورة الوسائط الجديدة، كونها لم تتعد من العمر 7 سنوات، مشيراً إلى أن لديه انطباعات فقط عن أثر الإعلام الجديد، حيث إنه “مكّن” الفرد العربي العادي، فأصبح يقول ما يرغب، ويؤدي أدواراً جديدة، ولديه مشاركة سياسية وثقة بالنفس .

وبين أن أثر الإعلام الجديد تمثل أيضاً في إحداث “ثنائية سلوكية” لدى الأشخاص، حيث أصبحوا يشكلون جماعة على الإنترنت لا يكون فيها رئيس ولا مرؤوس، عكس ما كان يتم خلال التقاء الأصدقاء، فيكون هناك من يقود زمام الأمور .

وبين أن الإعلام الجديد عدد من اهتمامات الفرد، حيث أصبح هناك مفهوم “مواطن صحفي”، ومدون يصنع خبراً، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه أصبح هناك دور للفرد في السياسة الخارجية، كما حدث نتيجة قيام أحد الأشخاص بتفجير أنبوب الغاز الذي يصل مصر ب “إسرائيل” أكثر من مرة، والذي كان سيعرض البلدين إلى الحرب، إضافة إلى المشكلة التي حدثت بين مصر والسعودية مؤخراً، وأدت لسحب السفير السعودي .

وبيّن مطر أن عدد المشاركين في الإنترنت خلال الثورة المصرية ارتفع من 2 .3 مليون إلى 9 .4 مليون شخص، وهذه قفزة من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الجديدة، مشيراً إلى أن صورة “اليوتيوب” أصبحت في الوقت الحاضر صورة المستقبل، في حين ظلت صورة الإعلام التقليدي تتحدث عن نظرية “المؤامرة” .

وبيّن مطر أن هناك 836 مليون عضو مشارك في الفيس بوك، وهذا العدد من الأشخاص لم يسجله التاريخ في سكان  أي دولة أو امبراطورية .

وبدورها، تحدثت د . عائشة النعيمي عن أثر وسائل الإعلام الجديد في التقليدي، حيث أشارت إلى أنه ربما قد يحدث تهديداً لوسائل الإعلام التقليدية من الناحية المهنية والتقنية، حيث إن احتكار المعلومة في السابق من قبل المؤسسة الإعلامية لم يعد موجوداً .

وأشارت إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي فككت مركزية المعلومة، وبالتالي قوضت سلطة أصحاب وسائل الإعلام التقليدي وأصحاب القرار، مبينة في الوقت ذاته أن الإعلام الجديد بات يهدد المعرفة المهنية والتخصصية للصحافي .

وترى النعيمي أن النظم التي ستتمكن من التكيف بشفافية مع شبكات التواصل الاجتماعي ستستطيع المقاومة، أما النظم التي ستخونها قدراتها فستفقد الثقة .

وأكد حلمي موسى أن الظروف الموضوعية هي التي أسهمت في ثورات الدول العربية، وأن وسائل الإعلام الجديد لم تكن سوى أدوات .

وبيّن أن السبب في عدم حدوث تغير في الواقع الفلسطيني من جراء انتشار وسائل الاتصال الإعلام الجديد ناجم عن عدم نضوج “الظروف الموضوعية”، حيث إن هناك فئات من الشباب رفعت شعارات، لكن واقع الانقسام، والفرقة، وعدم التوحد حال دون وجود تحرك ملموس .

وأكد د . غانم النجار أن أول استخدام سياسي فاعل للإنترنت كان عن طريق تنظيم القاعدة، حيث كانوا يضعون أفكارهم وينقلونها عبر الإنترنت، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الإنترنت بات أداة شخصية يمكن أن يستخدمها أي شخص لنقل أفكاره .

وشدد النجار على أن الإعلام الجديد يعتبر أداة فاعلة في يد المجتمع المدني في مواجهة السلطات، مشيراً إلى أن “الحراك” الذي حدث في الدول العربية، وضع مجموعة من المبادئ لدى الناس منها المساواة والحرية والديمقراطية، وجميع الأحزاب والأطياف باتت تنادي بها .

وتحدث د . علي فخرو عن الثقافة النقدية، مشيراً إلى أن النقد ضروري لتجاوز المرحلة الراهنة، لكنه بين أن الثقافة الناجمة عن المواقع الإلكترونية لا تبقى في الذاكرة لفترة طويلة، مقارنة مع ما يقرأ من الكتاب .

وشدد فخرو على ضرورة عدم الانبهار بظاهرة وسائل الإعلام الجديد، والاعتقاد أنها جنات خلد، لأن سلبياتها ستظهر بعد حين، مشيراً إلى أن هذه الوسائل مجرد مرحلة انتقالية لمرحلة انتقالية أخرى في حياة الناس .

مداخلات الحضور

بعد اختتام المداخلات الرئيسية، فتح د . يوسف الحسن المجال أمام مداخلات الحضور لإبداء آرائهم، حيث رأى د . خليفة الشعالي أن ما يحدث الآن هو صراع أجيال، وأنه يجب على الجيل القديم تسليم الراية إلى الجيل الجديد الذي أحدث تغييراً .

في المقابل رفض د . الحسن فكرة تسليم الراية إلى الجيل الجديد، مشيراً إلى أنه على مدى العقود الماضية دفع العشرات من الكتاب والمثقفين حياتهم ثمناً لمواجهة الفساد في بلدانهم، ومبيناً أن وسائل الإعلام الحديث ستحدث تغييراً في الأجيال كافة .

لى ذلك، أكد د . حسن قايد أن السنوات العشرين المقبلة  ستحدث اختلافاً في العالم، متسائلاً عن مصير وسائل الإعلام التقليدية والأموال المستثمرة فيها، فيما تساءل يوسف شراب عن أثر المؤسسات التعليمية في القضايا المستقبلية للعالم العربي بعد التغيرات الجديدة التي حدثت .

ورأت د . ابتسام الكتبي أن وسائل الإعلام الجديدة تعتبر وسائل تلاق بين الأجيال، وليست وسائل صراع بينها، لأنها تحدث تلاقياً وتضارباً في الأفكار، مشيرة إلى أن “الانتفاضات” في العالم العربي لم تكن وليدة اليوم، لكن الشبكات سرعت حدوثها .

وفي ختام الجلسة، عبر د . يوسف الحسن عن شكره للدكتور عبدالله عمران تريم رئيس مجلس إدارة دار الخليج، على إصراره لجعل “الخليج” منبراً للنقاش والحوار على مدى السنوات الماضية، ومقدماً شكره أيضاً إلى خالد عبدالله نائب رئيس التحرير “الخليج”، مدير عام الدار، وأميرة عبدالله رئيسة تحرير “كل الأسرة”، وعائشة عبد الله، رئيسة تحرير الجولف تودي، ود . خالد عبدالله مستشار الدار، إضافة إلى فريق مركز الخليج للدراسات لجهودهم على تنظيم المؤتمر .