الأربعاء، 27 يوليو 2011

إعلام مصر ما بعد الثورة .. تجارة في الأمل .. ودغدغة لمشاعر البسطاء .. خبراء حذروا من كثرتها وتغليب صحافة «الرأي» على حساب «الخبر»

متابعات إعلامية / عن الشرق الأوسط اللندنية / كتب: محمد عبده حسنين

يعيش الإعلام المصري حالة غير مسبوقة من السيولة والانفتاح، برزت على السطح في أعقاب ثورة 25 يناير، فبعد مرور ستة أشهر على سقوط نظام مبارك السابق شهدت وسائل الإعلام طفرة نوعية من حيث الكم، حيث انطلقت العشرات من القنوات الفضائية الخاصة والعديد من الصحف الورقية والإلكترونية ومواقع الإنترنت المتنوعة التي يتضاعف عددها يوما بعد آخر، ومن حيث الكيف كان لافتا أيضا تغيير محتوى ما يقدم في هذه الوسائل بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة في مصر بعد الثورة، والالتفاف حول المواطن المصري كحالة إعلامية خاصة، في سياق واقع يفور بالحركة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
ويرى خبراء الإعلام والمراقبون أن ظهور هذا الكم الكبير من وسائل الإعلام المختلفة خاصة القنوات الفضائية، والتطور النوعي في محتوياتها، هو ظاهرة طبيعية للاختلاف الجذري الذي تشهده مصر حاليا وخروجها من حالة الكبت والتضييق الإعلامي الشديد الذي كان يمارس على وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في ظل النظام السابق. بالإضافة إلى اختلاف وتعدد القضايا المطروحة في المجتمع، واهتمامات المواطن (المتلقي) التي تنوعت بشكل كبير، مع ظهور أدوات إعلامية جديدة يتم استخدامها في الإعلام حاليا مثل المواقع الاجتماعية «فيس بوك» و«تويتر»، وبروز أهمية المواطن العادي في الشارع ليكون بطل المشهد في هذه القنوات.
ويؤكد الخبراء أن كثافة هذه الوسائل الإعلامية، وتعدد أشكالها وسرعة وتيرتها التي تشهدها مصر يوميا ما بين افتتاح محطة فضائية جديدة أو ميلاد صحيفة جديدة، لا يعني أن كل هذا الكم سوف يستمر، بل يؤشر لعملية «غربلة» ستحدث مستقبلا، وسيندثر الكثير منها سواء عن طريق المتلقين أنفسهم بتجاهلهم لبعض الوسائل ومن ثم فشلها، أو بسبب التكاليف المالية الباهظة التي تتكبدها مثل هذه المؤسسات والتي قد لا تصمد معها كثيرا، أو عن طريق النظام السياسي الجديد الذي سيحكم مصر في الفترة القادمة والقوانين التي ستسير عليها، والذي لم تتشكل ملامحه بعد.
وشهدت الفضائيات المصرية ظهور العديد من القنوات الإخبارية والمتنوعة حملت معظمها أسماء تعبر عن الحالة الثورية الجدية التي تسود مصر، ومنها قناة «25 يناير» التي تعد أول قناة فضائية تنطلق بعد الثورة، وهي قناة إخبارية متنوعة، وقناة «التحرير» التي ترفع شعار «الشعب يريد تحرير العقول»، وقنوات («النهار»، «سي بي سي»، «مودرن حرية»، «روتانا مصرية»، «المصراوية»، «مصر الحرة»، «المصري»، «الصعيدي»)، والعشرات من قنوات المنوعات، مثل قناة «رمضان» التي يطلقها رجل الأعمال نجيب ساويرس خلال شهر رمضان المقبل.
ما على صعيد الصحافة الورقية، فقد انطلقت صحيفة «اليوم السابع اليومية» الورقية، كما صدرت صحيفة «التحرير»الخاصة التي يرأس تحريرها الصحافي إبراهيم عيسى.
وتقدم هذه القنوات والصحف مجموعة كبيرة ولامعة من البرامج والوجوه الإعلامية التي تعتبر أكثر جماهيرية، خاصة من النشطاء السياسيين ومعارضي النظام السابق، كما اعتمدت بشكل واضح على الوجوه الشبابية الجديدة أو شباب الثورة كما يقال، في تقديم بعض البرامج أو استضافتهم للحديث عن الثورة ومستقبل مصر في المرحلة القادمة بعيونهم.
وبدا واضحا بشكل جلي اعتماد وسائل الإعلام الجديدة والقديمة على أدوات إعلامية مختلفة مثل «الموبايل» موقعي «فيس بوك» و«توتير»، في عمليات التوثيق ونقل الشهادات عن الأحداث السريعة والمتلاحقة التي تشهدها مصر، بحيث لا توجد محطة فضائية أو صحيفة لا تخصص جزءا منها أو برنامجا لمتابعة ما يدون على هذه المواقع الاجتماعية من فيديوهات ومقاطع حية.
نوعية جديدة من البرامج أصبحت تقدم في هذه القنوات، كانت تعد شحيحة قبل الثورة وهي البرامج «التفاؤلية»، فتشاهد برنامج بعنوان «بكره أحلى»، «أجدع ناس»، «المصري الأصيل».. إلخ، وكلها برامج تقدم النموذج الإيجابي للمواطن المصري، وهذه النوعية يعتبرها الخبراء النفسيون ضرورية جدا في هذه المرحلة التي يحتاج فيه المصريون لنوع من التفاؤل والأمل.
يقول الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، إن هناك حالة من حالات التسابق للتوظيف الإعلامي لكسب الرأي العام في المرحلة الجديدة، مشيرا إلى أن هذا التسابق يتعلق بثلاثة اتجاهات، الاتجاه الأول: ويفرضه ظهور قوى سياسية جديدة، مثل الأحزاب الجديدة أو القديمة التي كانت تواجه صعوبات شديدة في أخذ فرصة للظهور الرسمي، أصبحت اليوم تتحرك بكل حرية بشكل رسمي، ومقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية مهمة ومفصلية، وهذا يجعل كل حزب أو تيار سياسي حريصا على كسب جزء من الرأي العام، ويحاول أن يؤثر عليه من خلال محاصرته بالقنوات والصحف والإذاعات التي تنقل وجهة نظره وتحاول إقناعه بها.