الثلاثاء، 24 مايو 2011

إعلام المنوعات... الخط الأحمر إلى زوال!

متابعات إعلامية / خاص/ كتب: د. خالد الخاجة "عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا"

لست في حاجة إلى التأكيد بأنه عندما تضعُ وسائلُ الإعلامِ أخلاقياتِ المجتمعِ وقيمهِ العامة بعين الاعتبار فيما تُقدمهُ من مواد برامجية، فهي لا تتفضلُ عليه بذلك، ولكن هذا الالتزامً الأخلاقي يُعطيها شَرعيتَها المجتمعية ويجعل لها دوراً يُعتد به فيه.
ولذلك علينا جميعاً أن نعترفَ أن لوسائلِ الإعلامِ أدواراً يجبُ أن تُؤديها تجاهَ المجتمع،  منها المساهمة في زيادة تماسكهِ وتعزيزِ تلاحمهِ والبعدَ عن تعميقِ النعراتِ الطائفيةِ والعرقيةِ أو تكديرِ السِلم العام والأمنِ المجتمعي، وفي الوقت ذاته الالتزام بالمنظومةِ القِيَميةِ التي يلتفُ حولها المجتمعُ، والمتَجذرةً في ضميرِ أفرادهِ عبر عقودٍ من الزمن.
هنا نستطيعُ القولَ إن وسائلِ الإعلامِ تقومُ بدورها المجتمعي. وعليهِ ، لا يصحُ أن تكونَ وسيلة إعلامية في مجتمعِ ، ويحددُ إطارَ عملها قيمُ مجتمعاتٍ أخرىٰ ، تقوم بنقلها كما هي دون وعي، وهذا خطأ ، أو عن وعي ، وهنا الخطأُ أعظمَ والجرمُ أفدح.
وفي كلِ النظمِ الإعلامية التي تعارف عليها العالم لا توجد وسائل إعلام تعمل دون النظر إلى ثقافة المجتمع الذي تعمل في إطاره ، والذي يلعب  دوراً يُعتد به  في تحديدِ نوعية الرسالة المقدمة إليه. فالحريةُ ليست مطلقة، وغيرُ مسموحٍ العمل دون النظر لقيمِ المجتمع ومنظومتهِ الثقافية.
السؤال المحوري هو: هل هناكَ ضرورةٌ للالتزام؟ أو سقفٌ يحدد المسموحَ وغير المسموحِ؟ وماهي حدودُ هذا السقف؟
و من نافل القول أن الترفيه هو الشكل الغالب والهدف الأكبر بالنسبة لبرامج المنوعات.
يقومُ هذا الترفيه على أُسسٍ ويُقَدمُ للمتلَقي مادة تُروِّحُ عنهُ، وتُخفِّف من توترهِ، وتمَتعهُ، وتُسليه، وتُضحكُه، ولكنها - وهذا مهم جداً - لا تضللهُ ولا تخدرُه  ولا تَمنعهُ من التعمقِ في فهمِ نفسهِ وواقعهِ، ومُجتمعهِ، وعصرهِ وعالمهِ.
فالمنوعاتُ قالبٌ من البرامج يجمع فنونا شتى ما بين الكلمة والشكل بقوالبه المختلفة ويهدف إلى التسلية والترفيه إضافةً إلى إشباع العقل. وعليه تَصبحُ هذه البرامج لها دور كبير في تشكيل الوجدان، وتهذيب الذَوق.
من حيث المضمون والنوعية للبرامج المقدَمة
أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي يواجه إعلامَنا العربي ليس هو التحدي التكنولوجي، وإطلاق مزيدٍ من الأقمار أو القنوات الفضائية - فالتكنولوجيا يمكن اقتناؤها والحصولُ عليها - إنما التحدي الحقيقي هو تحدي المضمون الذي جعلنا في برامج المنوعات بين خيارين أحلاهما مر.
إما أن تقوم فضائياتنا باستيراد مادة تليفزيونية جاهزة مشوقة وجذابة، لكنها تتعارض والهوية الوطنية كما تتعارض مع قيم وواقع شرائح واسعة من جمهور المشاهدين، وفي هذه الحالة تكتفي فضائياتُنا بلعب دور الوكيل المحلي للإعلام الغربي.
أو اللجوء إلى طريقٍ آخر يتمثل في استنساخِ برامجَ منوعات غربية، وتعريبِها شكلاً لا مضموناً.
ولذلك ظهرت أسماءَ برامج عديدة من نوع برامج الربح الشديد دون أن يتطلب الأمر ذكاء، حيث أن الأسئلة لا تتطلب ذلك.
كما  أن هناك نوعيةً أخرى من البرامج الجديدة لا تعتمد على الأسئلة مثل برنامج  (Deal or no Deal) .  برنامج هولندي الأصل من ابتكار شركة (Endmole International) "إندمول العالمية"، ولقد تم استنساخه في 5 نسخ عربية بأسماء مختلفة.
ولا أدري ما هي القيمةُ الحقيقيةُ لمثل هذه النوعية من البرامج وهي التي تملأ أوقات فراغ المشاهدين بل تستغلها التلفزيونات لمد يدها إلى حافظة نقود المشاهدين قدر المستطاع مستغلةً حب البعض لتحقيقِ الربح السريع.
ومن هنا فنحنُ نكرسُ ثقافةَ ضَربةَ الحظ، وضَربِ ثقافة قيمة العمل، فضلاً عما تُحدثهُ هذه النوعية من البرامجِ من إشاعةِ حالةِ من الإحباطِ بين الشباب. فكيف يتم اختزالُ أحلامِ الشباب في حُلم الاتصال التلفزيوني أو المشاركة في حلقة من هذه البرامج ليحصلَ على قدرٍ من المال!
والأكثر من ذلك ظهور نوعية الفضائح "النميمة" مثل برنامج "لحظة الحقيقة" الذي يُذاع على إحدى الفضائيات العربية، وفيه يتمُ استضافةُ شخصيات - معظمهم من  السيدات - ويتم سؤالَهُن أسئلةً شديدة الحساسية  والخصوصية حول حياتَهنَ في منزل الزوجية وفي علاقتِها مع زوجها، وأسرته، وكذلك علاقتِها بوالدَيها، و حتى علاقتِها في العمل، بما ينكأ جراحاً قد تكونَ اندملت بفعل السنين أو سترها الله برحمته، وتأبي هذه  البرامج إلا أن تُذيعَها بين الناس، وفي حضور الزوج، والوالدة، وجمهور الأستوديو الذي يزداد تصفيقا للضيفة كلما زادت جُرأتَها في الرد على الأسئلة المطروحة، الذي لا تتعدى إجابتَه غير كلمة نعم أو لا!
 وهذا البرنامج كولومبي النشأة. وقد أثار هذا الكثير من الجدل في كولومبيا ذاتِها بعد أن أجابت أحدى المتسابقات فيه بـ "نعم" على سؤال "هل استأجرت قاتلا محترفا لقتل زوجك؟" وعلى أثرِ ذلك أَوقَفَت القناة عرضَ هذا البرنامج.
وهنا أتساءل ما هو الهدفُ من إذاعة مثل هذه النوعية من البرامج على قنواتِنا العربية؟ بل ما هي القيمةُ التي تعودُ على المشاهد العربي من المضمون المُقدم من هذه البرامج التي لا تُنَمي  وعياً أو تُصقل  فكراً؟ بل هي نوع من الصحافة التليفزيونية الصفراء التي تجاوزَها  الإعلامُ الغربي ولكننا نأبى إلا أن نكررَ تجاربَ فاشلة، وهذا نوع من العبث.
كما ان برنامج (Arabs Got Talent)  "آرابس جوت تالنت" برنامج ترفيهي من نوع تلفزيون الواقع يسلط الضوء على البحث عن المواهب الفردية والجماعية الموجودة لدى العرب، وقد قَدَّمَ نماذجَ بعيدةً بشكل كبير عن واقع عالمِنا العربي. البرنامج هو النسخة العربية من البرنامج البريطاني  "Got Talent"  الذي عُرضَ للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009.
 كما أن برامج المنوعات التي تُركز على تقديم الأغاني هي في معظمِها لم تقدمَ مواهبَ جديدة، واكتفت بتقديمِ المطربين المشهورين لضمانِ نسبِ المشاهَدة، ولم تـُضِف للساحة الفنية مواهبَ انتظرنا أن تَخرج من رحمِ هذه البرامج.
الخطورةُ أننا ننقل النموذجَ الغربي في التعامل مع المشاهد كزبون وليس كمواطن له احتياجات كما له رغبات، وهذا هو الفرق في التعامل مع المشاهد كزبون يجعلنا دائماً نسعى إلى إرضائه وجذب إنتباهه من خلال  الاعتمادِ على الفضائحِ والنميمة، وهي المدرسة التي اعتمدَ عليها (Robert Merdokh) "روبرت مردوخ" في الصحافة عندما أسس معادلة 3(S)   (Scandal-Sport-Sex) والتي أعلن أنها هي التي تبيع من وجهة نظره.
ولأننا بالتبعية الإعلامية نستسهل التقليد، ولدى البعضُ فَقرُ فكري يقوم بنقل المعادلةِ لتطبيقِها دون النظر لأية اعتباراتٍ أخرى يقومُ باستنساخِها كما هي ونقلِها إلىٰ عالمنا العربيّ.
أما فيما يتعلق بإداء مقدمي برامج المنوعات
فالملاحظةُ حول هذه البرامج أن  هناك جانباً غيرَ مهني، وهو شخصنة الحوار إلى حد كبير بين المذيع والضيف. واستوقفني ذات مرة برنامج يتحدث فيه المذيع عن الغداء الذي جمعه مع الضيفةِ وزوجِها في بيتِهما، ويصف أنواع الطعام ومهاراتِها في عملِ السلطة.
كما استوقفني رفع الكلفة تماماً بين المذيع والضيف لدرجة كبيرة تجاوزت كل الحدودِ المهنية.
إضافة إلى ذلك هناك ظاهرة في فضائياتنا وهي استضافة مقدمي البرامج بعضهم لبعض.
كذلك: مظهر  الشِّجارِ الدائمِ غيرِ المقبول الذي تعدّى حد الدعابة   بين المحكمين لبرنامج "آرابس جوت تالنت" (Arabs Got Talent) بصورة غيرَ مريحة ما جعل إحدى أعضاء لجنة التحكيم تنسحب من اللجنة على الهواء لولا استرضاءُ زميلِها لها.
كما أن بعض المذيعات يتصنعن الاندماج مع ما يقدم من أغاني، فما أن تبدأ الأغنية حتى يسبِقن المطربَ بالغناء والرقص.
و هنا أنا لا أدعو إلى أن تَكونَ برامجُنا التلفزيونية برامج مُتحفية جامدة وأن تكونَ الرسالةَ الإعلامية مُحنطة، لكن أدعو إلى أن يكونَ الترفيهَ كذلكَ خارجٌ من رحمِ حضارتِنا. و نحن قادرونَ على ذلك إذا ما استبدلنا التراخيَ الذهني والاستسهالَ عند المعدين ليبحثوا لنا عن نماذجٍ تتوافقُ مع قيمنِا المجتمعية، وأن نبتعد عن البرامجِ الأجنبية، على أن نُعيد بناءَ ما نريد بما يتوافقُ مع أركانِ ثقافتنا.
وفي الختام أود أن أقول – من خلال هذا المنبر -  للقنوات الفضائية العربية سواء الخاصة أو العامة  منها بأن لثقافتِنا تاريخٌ يجب أن لا نعبثَ به من خلال ما نقدمُه من برامج وأن لا نشوِهَه من خلال الأداء المهني للإعلاميين.