متابعات اعلامية / كتب / د / عبدالقادر بن شهاب *
برز في الآونة
الأخيرة في العلوم الإجتماعية والإنسانية وفي واقعنا المعاش مصطلح "المجتمع
المدني" للتعبير عن الكيانات الإجتماعية المتنوعة التي تنشط في المجتمعات
المحلية ، وذلك في شكل تنظيمات قانونية منظمة تنطلق من جماعات تمثلها ، بهدف تحقيق
مطالب واحتياجات الكيانات المعبرة عنها .
ويطلق على
"المجتمع المدني" في العلوم الإجتماعية مجموعة التنظيمات التطوعية
المستقلة ذاتيا ، غير الربحية ، وتسعى إلى تحقيق منافع أو مصالح للمجتمع ككل ، وهي
في ذلك تلتزم بقيم الإدارة السليمة للإختلافات ومعاييرها والتسامح وقبول الآخر ،
وفضاءا للتفاعل الإيجابي ما بين الدولة من ناحية والمجال العام بما يضمه من
تنظيمات طوعية من جانب آخر ، والسوق بما يشمله من اتحادات وشركات خاصة من جانب
ثالث .
وتشمل دائرة "المجتمع المدني" : مؤسسات المجتمع المدني التي تدخل
ضمن نطاق المنظمات غير الحكومية والتطوعية الإختيارية كلها كالجمعيات الأهلية
والإتحادات العمالية والنقابات المهنية وهيئات التنمية الإجتماعية وغيرها من
جماعات الضغط بالإضافة إلى الأحزاب ، وهي عناصر فاعلة في المجتمع المحلي ، وقنوات
هامة في تقديم الخدمات الإجتماعية وتنفيذ برامج التنمية ، حيث تلعب دورا متمما
للعمل الحكومي .
وترجع أهمية دور
"المجتمع المدني" ومؤسساته الأهلية إلى تراجع دور الحكومات في تقديم
الخدمات للمواطنين ، وتقلص قدرتها في تحقيق التنمية الشاملة مع تطور الأوضاع
السياسية والإقتصادية ، حيث أصبح من الضروري أن يكون هناك جانب مشارك لهذه
الحكومات يتحمل جزءا من الأعباء التي كانت موكولة إليها ، إذ إنه – تاريخيا – كان
للحكومة المسئولية الكاملة في رعاية المواطنين ، مما أدى إلى اعتمادهم كليا عليها
، ولكن تغير الأوضاع أوجد للمنظمات والمؤسسات الأهلية دورا مكملا لدور الحكومة
وأحيانا موازيا لها في توفير الخدمات للمواطنين ، وخاصة تلك التي تتعلق بالمجالات
التنموية ، ومن هنا تنامت ثقافة المشاركة واتسعت من قبل القطاع الأهلي وخارج
النطاق الحكومي ، في محاولة لسد الفجوة التي نتجت عن انكماش هذا الدور .
وأمام هذا الدور
الكبير "للمجتمع المدني" وتنظيماته المتنوعة الموجودة والمنتشرة في
المجتمعات المحلية ، كان لابد من التفكير في وسيلة أو طريقة أو آلية أو أداة معينة بواسطتها تقوم
"مؤسسات المجتمع المدني" في نقل رسالتها إلى المجتمعات المحلية التي
تعمل فيها ، وتقوم بتقديم خدماتها وأنشطتها التنموية ، وتعريف جمهورها الواسع
بالرسالة التنموية التي تقدمها لهم .
جاءت الحاجة إذن
إلى "الإعلام" كأداة ووسيط وهمزة وصل "للمجتمع المدني"
وتنظيماته الأهلية من جهة ، "وجمهور" هذه التنظيمات الأهلية الموجود في
المجتمعات المحلية والذي يتلقى خدمات هذه التنظيمات الأهلية .
نجد أنفسنا الآن
أمام حليفين إستراتيجين هما "المجتمع المدني والإعلام" كلاهما لا
يستغنيا عن الآخر "فالمجتمع المدني" يعتمد في أنشطته وفي تحقيق أهدافه
على "الإعلام" بوسائله المتنوعة لتغطية أحداثه وبرامجه التنموية في
المجتمع إلى الجمهور في المجتمعات المحلية ، فالمجتمع المدني لكي يكون قوياً
وفعالاً يحتاج إلى صحافة حرة مستقلة تدعمه وتنشر أفكاره بين الجماهير .
أيضا
فالإعلام" ممثل بالمؤسسات الإعلامية وما فيها من القائمين بالاتصال والصحفيين
يحتاجون إلى "منظمات المجتمع المدني" التي تعمل بين الجماهير لتمدهم
بالأخبار والأفكار والحلول لمشكلات هذا المجتمع ، وأيضاً للدفاع عن الصحفيين أنفسهم
في مواجهة تعسف السلطة أو جور مؤسساتهم .
فالاثنان معا (المجتمع
المدني والإعلام) لا ينعمان بالعيش ولا يستطيعان أن يمارسا مهامهما إلا في ظل وجود
قضاء مستقل ونزيه يحميهما من تغول السلطة أو تخلف المجتمع ، وبالتالي لا يمكن تصور
وجود مجتمع صحيح وراقي ومتقدم يفتقر إلى علاقة صحيحة ومتوازنة بين "المجتمع
المدني والإعلام" .
إذن يمكننا هنا
أن نضع كلا المصطلحين في مصطلح واحد ، مصطلح "الإعلام" ، ومصطلح
"المجتمع المدني" ، ويكون المصطلح العلمي الجامع لهما مصطلح "الإعلام
المجتمعي" وهو الإعلام المملوك للمجتمع المدني المحلي والذي يركز نشاطه على
المجتمع المدني المحلي بتنظيماته المتنوعة ، ويقوم بتنمية الثقافة المدنية ويعمل على
نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض
الآخر .
"فالإعلام
المجتمعي" هو رسالة إعلامية هادفة ينشئها المجتمع المحلي ، وينشرها للمجتمع
المحلي ، "فوسائل الإعلام المجتمعية" نابعة من المجتمع المحلي وموجههة
للمجتمع المحلي ، كما قال عنها البعض بإنها "اتصالات المجتمع" ، أي أن
العملية الاتصالية والتي تتمثل عناصرها بــ (المصدر والرسالة والوسيلة والمستقبل)
فهي عناصر نابعة من المجتمع وموجههة للمجتمع ، فمصدر الرسالة "المجتمع
المدني" ، والرسالة هي "المجتمع المدني ، والوسيلة هي "الإعلام
المجتمعي" ، والمستقبل هو "المجتمع المدني" .
وهي بذلك أي "وسائل الإعلام المجتمعية" تختلف اختلافا كاملا عن
وسائل الإعلام التجارية أو وسائل الإعلام التي تديرها الدولة ، فكما يقول الإتحاد
الدولي لأبحاث وسائل الإعلام والاتصالات أن "وسائل الإعلام المجتمعية"
نشأت وتنشر وتتردد من دائرة المجتمع المدني وإلى "دائرة المجتمع المدني"
، "فالإعلام المجتمعي" وعناصره الاتصالية تدور ضمن إطار هذه الدائرة
المجتمعية .
ويهدف "الإعلام المجتمعي" إلى تعريف المواطنين بالفضايا الأكثر
أهمية للمجتمع ، إلى جانب دوره الحقيقي في التربية والتعليم والتثقيف والتوعية ،
وعرض مختلف الأخبار والأفكار التي تهم المجتمع لتشكيل اتجاهاته حول أهم القضايا
المصيرية التي تخدم المجتمع المحلي ، وغيرها من الأهداف الأخرى ..
* أستاذ مساعد بقسم الإعلام – كلية الآداب – جامعة عدن - اليمن