متابعات اعلامية / كتب / فؤاد مرشد
اقرأ ، هي كلمة السر التي
نزلت على رسولنا الكريم ، بها فتحت للبشرية أبواب التطور والنهوض ، والكتاب كان
خير جليس ، وخير معلم ، ومقياس لتطور وعي المجتمعات ، لذا قورنت ثقافة
الشعوب وازدهارها ، بعدد مكتباتها وقرائها .
في
دراسة بحثية ، جاءت اليمن في مؤخرة الدول كعادتها ، ولكن هذه المرة في عدد
المكتبات وعدد القراء ، وليت الأمر اقتصر على ذلك
نحن شعب لا يقرا ، وان قرأ فصحف مهترئة ثقافيا ، ومواقع إخبارية أشبه
بحلبات ملاكمة في ساحات رهان ، ومساجلات
فيسبوكية نكاية وانتقام ، بلغة مقززة ، هي انعكاس لإعلام لا يخاطب عقل
القارئ ولا يحترمه ، وإنما لإسقاط رغبته في الانتقام .
نعم نحن شعب لا يقرا ، مع إننا
الأكثر حديثا وثرثرتا بالسياسة ، والتي أسهمت بشكل أو بآخر في تدهور ثقافتنا
وتقهقر صحتنا النفسية ، حيث لا يمكن أيّ كان أن يناقشك في موضوع ما ، ثقافيا
أو فنيا أو دينيا أو أي موضوع عابر ، إلا ويعرج بك للحديث عن السياسة من
السطر الأول ، بل ومن الجملة الأولى ، حيث يبدى بالهجوم على الآخر، مفرغا
شحنات سالبة لكثير من الاضطرابات النفسية الناجمة عن خبرات محبطة متعلقة
بحياته اليومية ، وإحساسه بالقمع والاضطهاد ، ابتداء من عدم الرضى من كل شي ،
وانتهاء بالسخط والتذمر على كل شي ، هذا ما نتميز به نحن معشر اليمنيين .
انه الإعلام المهترى ، زارع بذور الفتنة ، ومصدر ثقافتنا التي نتعلم منه الاضمحلال والسقوط ، والبراعة في زيادة مساحة الإحباط لدى الذات
والآخرين ، إعلام المحبطين والمسوقين .
نحن
شعب لا يقرا ، لذا تستطيع هذه الوسائل استغفالنا وتجيرنا لحساب نزواتها ، وأهدافها
العقيمة ، وتجييشنا في معارك طواحين الهواء .
نحن شعب لا يقرا ، مع إننا الشعب الوحيد الذي يقعد لساعات ، متكئا يمضغ
القات وبدلا من القراءة ، يضل يجادل في
دهاليز السياسة ، أو يحلق في سماء تخيلات الساعة السليمانية .
نحن شعب لا يقرا ، لذا نحن شعب مغيب عن التفكير السليم ، والحكم السديد ،
حيث يتم جرنا جرا لمعارك
ومهازل ، لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، على حساب صحتنا النفسية ، هناك حيث ندمر الذات ،
ونوسع هوة الخلاف مع الآخر ، وحيث رقعة الإحباط والسوداوية تزداد اتساعا
وقتامه .
نحن شعب لا يقرا ، وكاّن نسبة الأمية المهولة لا تكفي ، و مساحة
الفرح والايجابية في حياتنا القليلة أو
المعدومة لا تكفي ، وخيبة السلطة التي باعت لنا الوهم لعقود لا يكفي ،
هكذا نحن إذن وكأننا مع سبق الإصرار والترصد ، نزرع اليأس و نحصد
الألم و ( بيدنا لا بيد عمر)
نحن بحاجة إذا لا اعتزال كل مصادر الدمار النفسي هذا ، إذ أردنا إعادة
ترميم تفكيرنا المثقل بالإحباط
والعنصرية والمناطقية ، طالما لا نستطيع أن نطالع صحيفة أو موقع إخباري إلا وفيه
ما يكدر المزاج ، ويحطم السريرة أو نصحو على صفحتنا الفيسبوكية وفيها
مشاهد الدم والحقد والعنصرية .
إحدى الأخوات في صفحات الفيسبوك تصرخ ، كفى أرجوكم لست بحاجة تشاركوني
صورة لطفلة مقطوعة الرأس بسبب قذيفة ،
فعندي مخزون يكفي لسنوات من الإحباط ، بسبب مما يدور ومما نطالع .
لا شك أن صورة مثل تلك قد جالت ودارت على صفحات التواصل الاجتماعي تعبر
عن مساحة الخيبة والألم في حياتنا ، حتى صرنا
لا ننقل ولا نشارك إلا ما يزيد الأمر سؤ ، والنفس المحبطة ، لا
تنقل إلا الإحباط ، الذي يدمر الذات ويصيب المرء بالعجز وبقلة الإنتاج وضعف
الحيلة ، حتى على مستوى حياتنا العادية .
اتسائل بألم ، إلى أي منحدر يمكن التنبؤ به ، لمجتمع يتحمل كل هذه المحبطات
، والمنغصات ، حيث كل فرد يعتقد يائسا
بإمكانية الهروب من الواقع بالثرثرة فقط في السياسة ، حين يفتي ويحلل
ويناقش ويماحك ويوصي ويلعن ، وفي كل ساعات يومه ، في البيت والشارع والعمل
، باستثناء ساعات النوم إن لم تكن هي الأخرى أحلام وكوابيس و ساحات
صراع ، وبعد ذلك لا يجني سوى السخط والإحباط .
اتسائل بحزن ، متى ننمي جوانب الإيجاب في حياتنا ، ونستطيع أن نزرع
الحب والتسامح ، بدلا من لغة الحقد
والتحريض ، متى نستبدل ذلك بمحفزات تزرع فينا الأمل وتضيق مساحة السواد في
حياتنا .
يا
الله كم نحن اليمنيون صامدون رغم كل هذا التدمير النفسي المباشر والغير المباشر..