متابعات إعلامية / كتب: المنجي السعيداني
عادة يتم تقسيم الإعلام التونسي منذ الاستقلال إلى ثلاثة أصناف: إعلام حكومي يخدم سياسية الدولة ويدافع عن خياراتها الأساسية ويدحض كل الآراء المنتقدة لأي ظرف من الظروف غير العادية في سير البرامج الحكومية.
ونوع ثان من الإعلام الموالي للحكومة، وهو يسعى دائما إلى إرضائها وربما إخفاء جزء من الحقيقة عنها حتى يتلقى الدعم المادي والمعنوي الضروري، وهو غالبا ما يمتدح سياسة الدولة ويحاول المغالطة في بعض الحالات حتى لا يصنف ضمن المعارضة، وتلك المؤسسات في معظمها ملك للخواص.
وهناك قسم ثالث من الإعلام، وهو الإعلام الحزبي، وتمتلكه المعارضة، وهو يعتمد على صحافة الرأي في المقام الأول، ويعمل على الانتقاد الحاد لمشاريع الحكومة، وهو يمثل النصف الفارغ من الكأس في تقابل كبير مع الخواص والإعلام الحكومي الذي يسعى إلى تجميل صورة الحاكم وإظهار قداسة العمل الحكومي وهو دائما يمثل النصف الملآن من الكأس.. هذا بالنسبة للإعلام المكتوب.
أما بالنسبة للإعلام المرئي والمسموع، فقد ظل لسنوات ملكا للدولة، ولم تظهر بعض الإذاعات الخاصة لا بصورة متأخرة، وقد منحت للموالين للحزب الحاكم، وهي موجهة للتنشيط الإذاعي الترفيهي بعيدا عن عالم السياسة.
كل هذه الاعتبارات جعلت الإعلام التونسي لعقود متتالية سطحيا في تناوله للعديد من المواضيع والملفات، وهو دائما يعيش بعيدا عن عالم السياسة ولا يقترب منه، وكانت الحكومة تتحكم في كل وسائل الإعلام عن طريق حنفية الإشهار العمومي الذي تتصرف فيه وكالة الاتصال الخارجي وتوزعه حسب درجة ولاء وسيلة إعلام للحكومة والحزب وعدم خوضها في مواضيع السياسة، خاصة ملف حقوق الإنسان الذي كان على الدوام يؤرق السلطات.
ولا شك أن الإعلام التونسي بمختلف وسائله قد حاول في أكثر من مناسبة شق عصا الطاعة، ولكن السلطات غالبا ما كانت تعيده قسرا إلى بيت الطاعة. فالحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس بعد الاستقلال، كان يقول في خطبه الرنانة إن الإعلام له دور أساسي هو رفع الغشاوة والجهل والتخلف وإرشاد التونسيين إلى أفضل السبل التي تساهم في النهوض بتونس وإخراجها من التخلف، لذلك أغلق كل الأبواب ولم تظهر أولى محاولات البحث عن إعلام جاد إلا في منتصف عقد السبعينات من خلال الحراك السياسي الكبير الذي خلفه تخرج الآلاف من التونسيين من الجامعة التونسية.
وبقيت الأفكار محل أخذ ورد مع السلطات التونسية.. تارة تفتح لها الأبواب في محاولة لإبعاد تهمة الجور والغطرسة عنها والانفراد بالرأي، وتارة تضيق عليها الخناق في محاولة للجم صوتها الجامح.
ولم تختلف طريقة تعامل بن علي «تلميذ بورقيبة» مع وسائل الإعلام، وواصل التصنيف نفسه، والتعامل نفسه، والتضييق نفسه، ولم تكن هناك محاولات جادة للخروج من الطوق المضروب على الإعلام بحدة، وحافظ على الوجوه القيادية نفسها لسنوات، وواصلت الحكومة سيطرتها على مختلف وسائل الإعلام عبر تعيين مسؤولين موالين لها ومدافعين عن وجهة نظرها حتى وإن كانت خاطئة.
الصورة اختلفت بعد الثورة، وبدأ الحديث عن طفرة في الإعلام التونسي، وتناول البعض عبارة «إشراقة الشمس بعد ليل طويل». والمؤكد أن المشهد الإعلامي قد اختلف بصورة حاسمة بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011، وانطلق من حيث النهاية، واحتدم الجدل حول الإعلام العمومي والإعلام الحكومي، ودعت مختلف وسائل الإعلام التي كانت ملكا للدولة إلى الخروج عن طوق الحزب الحاكم في ظل نظام ينتقل ببطء إلى مناخ ديمقراطي.