متابعات إعلامية / خاص:
يرى الدكتور إبراهيم إمام في كتابه "الإعلام الإسلامي" أن الدين الإسلامي دين إعلامي بطبيعته، لأنه يقوم على الإفصاح والبيان بعكس الأديان الأخرى، كاليهودية مثلاً، التي لا تختص برسالة، وتتذرع بالكتمان والسرية(1)، وعلى هذا الأساس تسعى عدة دول إسلامية عبر هيئاتها الدعوية إلى الدعوة إلى الإسلام بنشر شريعته وعقيدته وأخلاقياته، عبر عدد من الوسائل الإعلامية.
ففي رمضان الماضي أنتجت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد 136 حلقة تلفزيونية تتضمن 500 محور في مختلف القضايا الإسلامية لنشرها عبر 30 قناة فضائية.
وتهدف هذه الخطوة التي شارك فيها 300 من الدعاة والفنيين إلى مواكبة حاجة الإعلام الهادف ووسائله للمواد التعليمية التي تشرح للمسلم ما يحتاج إليه من معلومات، وما يتضمنه الشرع من علوم ومعلومات فقهية وأطروحات في علم السنة النبوية، توضح للناس محاسن الإسلام ومفهوم الوسطية والاعتدال.
وأوضح مستشار وزير الشؤون الإسلامية لشؤون الحج والعمرة والزيارة والإعلام الشيخ طلال بن أحمد العقيل أن فريقا فنيا وشرعيا تجاوزوا 300 فني وداعية شاركوا في تنفيذ وإعداد تلك البرامج، التي تجيب على الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي رصدتها الوزارة من خلال متابعتها ورصدها العلمي لمستوى العلم والمعرفة في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية.
وهذه الخطوة خطوة محمودة، لكنها لا تفي بالمطلوب ولا تسد الفراغ الإعلامي والمعرفي لدي المتلقي العربي، مقارنة بما تقدمه المنابر النصرانية والعلمانية والليبرالية من مواد، كذلك فهذا الجهد يتقزم بالنظر إلى الجهود المبذولة من قبل الكيانات الشيعية لإيصال معتقداتها المشوهة وقناعاتها المريضة، ليس للمتلقي العربي فحسب بل للعالم أجمع.
وهذا الطرح يقودنا لعدد من الأسئلة وهي:
هل لأهل السنة إعلام إسلامي يعبر عنهم وعن مشاكلهم وقناعاتهم؟ فإن كانت الإجابة بـ(لا) فكيف نبني هذا الكيان؟ وإن كانت الإجابة بـ(نعم) فلماذا لا نشعر بقوته، وما هي المشكلات التي تحد من تأثيره، وكيف نعالج هذه المشكلات، وما هي غاياته وأهدافه؟
وللأسف الشديد فإن الواقع الإعلامي والمشهد الدعائي والإخباري والثقافي لا ينبأ بغير حقيقة واحدة، وهي ضمور الدور الإسلامي في الحركة الإعلامية، بشكل يصل إلى حد العدمية، بالمقارنة بسواه من المنابر الإعلامية والوسائل الدعائية، والأيديولوجيات التي تحاول أن تصنع لنفسها دورا، وأن توجد لنفسها كيانا معتبرا.
أهداف الإعلام الإسلامي:
نظرا لاختلاف القواعد التي ينطلق منها إعلامنا الإسلامي، ونظرا لتفرده بعدد من السمات والخصائص، فقد اختلفت أهدافه وتمايزت عن غيره من الكيانات الإعلامية...ففي الوقت الذي يقصر فيه الإعلاميون أهداف الإعلام على الترفيه والإخبار، ونقل المعلومات، والسيطرة على المزاج العام للمتلقي، فإن الإعلام الإسلامي، يسمو بأهدافه، ولا يقتصر دوره على قضية معينه، بل يتدخل في كل قضية من قضايا الفرد المسلم بالدور الملائم والمناسب لها.
فللإعلام الإسلامي أهداف متعددة، وهي أهداف تغطي كل مناحي الحياة ومنها:
* أهداف عقائدية: لتعليم العقيدة الصافية النقية، وترسيخها في نفوس المدعوين، ورد الشبهات المعروضة من قبل المناوئين وصد الآخرين عن الوصول إليها.
* وله أهدافه الثقافية: لتعميم الوعي والفهم، والتعليمية للتفقه والمعرفة، والتربوية من أجل إيجاد الفرد الصالح السوي.
* وله أهدافه الاجتماعية: الرامية إلى تماسك المجتمع وترابطه، وترسيخ معاني الأخوة والمحبة والإيثار فيه، وغرس روح التعاون على البر والتقوى فيما بينه...
* وله أهدافه الاقتصادية: الرامية إلى تحسين أوضاع الأمة في الكسب والإنفاق وترشيدها في الأخذ والعطاء، والحماية من الغش والاحتكار، والمحاربة للربا وأكل الحرام، وعرض أفضل الطرق وأيسرها للتجارة وإدارة الأموال ...
* وله أهدافه السياسية: للتوجيه والإرشاد، والنصح والمشورة، والتسديد والإصلاح، وتوثيق العلاقة وتنميتها بين الحاكم والأمة على أساس من العدل والطاعة والالتزام...
وله أهدافه العسكرية الجهادية: للتوعية والاستنفار ورفع الروح المعنوية في صفوف المجاهدين، وللحرب النفسية في الأعداء المحاربين، ثم لكشف المخططات وفضح المؤامرات...
* وله أهدافه الترفيهية: للتسلية والترويح، ولتجديد النشاط وأداء الواجبات والقيام بالمسؤوليات، كما أنها أيضًا للتدريب على معاني القوة ووسائل الجهاد في سبيل الله...(2)
مشكلات الإعلام الإسلامي في الداخل والخارج:
يؤكِّد الدكتور علي عجوة "عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة" على ضرورة بناء إستراتيجية مستقبلية للإعلام الإسلامي، وذلك في ضوء التيارات المتلاحقة، التي تفرض على المخططين والمنفِّذين الموائمة المستمرة بين الخطط التفصيلية والتطورات الإعلامية السريعة في عالم الغد، وخاصَّة مع التفوُّق الكبير لوكالات الأنباء العالمية على وكالات الأنباء المحلية في جمع ونشر الأخبار والأفكار والمعلومات.
وأشار عجوة إلى أن التحدِّيات التي تواجه الإعلام الإسلامي (خارجيا) يمكن حصرها في أربعة أمور كُبرى، تحتاج إلى جهود كبيرة لمواجهتها، وإضعاف أثارها محليًّا؛ تمهيدًا للتغلب عليها، وتحقيق التفوُّق في المستقبل القريب، تتمثَّل في:
1- قوة الاتصال الغربي، والسيطرة التي يتفوَّق من خلالها على العالم كله.
2- الدعاية الصهيونية التي تستفيد من دعاية الإعلام الغربي، وتتحكَّم فيه؛ لتحقيق أهدافها الخاصَّة.
3- ما تُسهِم به أوضاعنا في إضعاف الإعلام وإتاحة فرص التفوُّق للدعاية المضادَّة.
4- الإرساليات التنصيريَّة وما يدعمها من قوى سياسية واقتصادية.
ويرى عجوة أنَّ مواجهة تلك التحدِّيات تستلزم قيام الإعلام الإسلامي على دعائم مهمَّة، كالمصداقية، والواقعية، والتركيز على الأحداث الحقيقية ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع المسلم(3).
وعن التحديات (الداخلية) تقول الدكتورة إجلال خليفة: "تتعدد وتتباين التحديات التي تواجه الإعلام الإسلامي والمواطن المسلم، وأخطر هذه التحديات في الواقع هي في نظري التحديات الداخلية والتي تحيط بالإنسان المسلم عن قرب، وتصافح عقله ووجدانه وروحه وإحساسه صباح مساء، وأهم هذه التحديات الداخلية في العالم الإسلامي هي:
1- التمزق الذي يسود الوطن الإسلامي والتشاحن والتناحر الذي نشاهده بين بعض قادة الدويلات الإسلامية وتوجيه أجهزة الإعلام للسب والقذف وهدم غيرهم من أبناء المجتمع الإسلامي، دون أي نشاط ضد أعداء المسلمين.
2- انصراف أجهزة الإعلام عن مخاطبة جماهير المسلمين من واقع احتياجاتها الإعلامية فحوالي90% من المادة المذاعة والمنشورة تبعد بعداً تاماً عن عقائد الجماهير الإسلامية وتهدم ما تبنيه المادة الإعلامية القليلة المرتبطة بالقيم الإسلامية والتي لا تتعدى 4% من مجموع ما يوجه إلى الجماهير من برامج أجهزة الإعلام على اختلافها، حتى أن إعلامنا المسجدي المعاصر يعيش أجيال مضى على فنائها مئات السنين، وإنما تحتاج جماهير المساجد إلى من يعاصر قضايا العصر ومشكلات الأجيال الحالية، وتبدد الظلام الديني الذي تحيطها به أجهزة الإعلام الإلحادية والمعادية لعقيدتنا الإسلامية، والتي تعمل على تشكيك المسلم في معتقداته وفي آراء قادته وأئمته من سبق منهم ومن بقي بينهم.
3- عزل مناهج التعليم في المدارس المختلفة عن جوهر الدين الإسلامي مع أن الدين الإسلامي يتناول الإنسان منذ كان نطفة وطفلاً وصبياً ويافعاً وشاباً ورجلاً وشيخاً وحتى حياته الأخرى فيما بعد الوفاة، يتناوله سلوكياً وروحياً وعقلياً وعقائدياً وفكرياً وتكويناً علمياً مع الإحاطة بكل ما يقع عليه، ويقع عليه بصره وأحاسيسه ويحسه ويتخيله. وبذلك يتكون التلميذ والطالب بأسلوب أقرب إلى الاضطراب النفسي والجهل بما يدور حوله، وبما يشاهده مما يجب أن يتعلمه...
4- فصل تعليم الدين الإسلامي عن الحياة وأمور الدنيا والعمل على حصره على ما بعد الحياة والوجود الدنيوي، وبذلك تخرج مناهجنا التربوية والاقتصادية والسياسية والثقافية ناقصة، بل باطلة ومضطربة، وما نعمله اليوم نهدمه في الغد لفشله بحجة التعديل...
5- وإلى جانب ذلك كله هناك عزل المسجد عن معالجة شئون المسلمين، واقتصاره على تأدية الصلاة، ولم ينشأ المسجد لذلك فقط. وإنما أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم المساجد للنظر فيما يعيّن للمسلمين من أمور وقضايا، تحل باجتماع أهل الرأي من المسلمين في صلاة الجماعة، ولوجود إمام يوجه شعب المسجد إلى ما يريده الله من الإنسان في وجوده من الحياة على الأرض، وكيف يكون عاملاً للإصلاح، والصلاح لنفسه، ولمن حوله من إنسان وحيوان ونبات وجماد، لأنها جميعاً يكفيها فخراً أنها من صنع الخالق جلت قدرته.
6- سيادة الإعلام الفاسد في ربوع الوطن الإسلامي لعمله على إبراز نشاط النماذج الفاسدة من بني البشر، وإهمال الإعلام عن القدوة الحسنة للإنسان المسلم بغرض العمل على انحلال المجتمع وإشاعة الفوضى والتسيب والفساد في أركانه، وهدم قيمه الإسلامية"(4).
ويضيف الأستاذ خباب الحمد عدة مشكلات وتحديات أخرى نلخصها في الآتي:
1- تراجع الاستقلاليَّة الفكريَّة وسيطرة:(الحكومات) على بعض المؤسسات الإعلامية.
2- الهجمة الشرسة الإعلامية الغربية على الإعلام الإسلامي من مواقع إنترنت أو قنوات فضائية وغيرها، يعاني بشتَّى مؤسساته هجمة شرسة من المؤسسات الإعلامية الغربية والمستغربة.
3- حقد الليبراليين والعلمانيين على المؤسسات الإعلامية الإسلامية، فيسعون إلى تحجيمها وتجفيف منابعها المالية، وساعدهم في ذلك ما أطلق عليه اتفاقية البث الفضائي التي يمكن بموجبها محاصرة القنوات الفضائية الداعمة للمقاومة وينتظر أن يتم التوصل إلى ما يمكن به محاصرة المواقع الإلكترونية كذلك
4- سيطرة رؤوس الأموال المالكة للقنوات ومحاولة التدخل في شؤونها، مما يجعل بعض المؤسسات الإسلامية عرضة للمزايدات والتدخلات من أصحاب رؤوس الأموال، والتأثير عليها بإدخال ما لا يرضي الله تعالى، أو إعاقة مسيرتها الإعلامية الهادفة بأي شكل من الأشكال الملتوية(5).
كيف يخرج إعلامنا من أزمته:
يؤكِّد عمر عبيد حسنة في كتابه "مراجعات في الفكر والدعوة والحركة": أنّ التوجيه والتطوير في الإعلام له دَوْر كبير في تكوين الثقافات المختلفة، وإيصال المفاهيم عبر وسائل الإعلام المختلفة، وأن ذلك لا يحصل في ظل غياب لأي تطوُّر في الإعـلام الإسـلامي، مع أن قضية الإعـلام اليـوم، والمدى الذي وصل إليه من التحكُّم والاختراق، ومن ثم الاحتواء - باتت من أخطر القضايا الثقافية وأبعدها تأثيرًا في تشكيل الفكر على مستوى الأفراد والجماعات، فقد أصبح الإعلام هو الذي يحضِّر الأمم، وهو الذي ينشئ عندها فُقدان الذات دون أن تدري أنها لا تملك أمرها".
وعليه فعلى الحكومات والمؤسسات والهيئات الإسلامية الاهتمام بالدور الإعلامي، ومحاولة تطويره، منهجا وموضوعا، صوتا وصورة...ولن يحدث هذا في ظل العشوائية القائمة الآن، بل لابد من توحيد الجهود والأهداف، والعمل ضمن منظومة مدروسة لتحقيق أفضل النتائج في أقل الأوقات.
وقد طرح الأستاذ عبد الله بن عبد الرحمن العيادة عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم، عدة حلول للنهوض بالإعلام المرئي، ونستطيع تطبيق هذه الحلول على باقي الوسائل الإعلامية، وهي:
1- إنشاء قنوات فضائية تدار بأيدي دعوية ذات تخصص.
2- تصميم برامج ذات جاذبية وقيمة شرعية، تناطح تلك البرامج التي تجذب المشاهد رغم أنفه..خاصة ذوي التفكير السلبي.
3- كتابة نصوص ممثلة راقية تعالج التصدع القائم.. مؤطّرة بقيم الشرع.
4- انخراط ذوي الكفاءات، والقدرات، من الشباب المتدينين في وزارة الإعلام، والمحطات الفضائية لتغير مسار القطار الشهواني المدمر.
5- الاستفادة من تجارب الذين تركوا مجال الفن العفن، لتقديم أعمال راقية هادفة ترفع من قيمة الوعي لدى المتلقي.
6- الاهتمام بأحداث الأمة ومآسيها العظام، يجعل المتلقي تشتعل لديه الغيرة على دينه وأمته.
7- إيقاف التزيف القيمي والأخلاقي والطبعي. المتمثل في حلّ الغناء؛ وكشف زيفه، وأنه مصدر من مصادر تبذل شباب الأمة ونكوصهم عن الدفاع عن الأمة، بحجج أوهن من بيت العنكبوت.
8- ربط الأمة، بماضيها العظيم بشكل جذاب ومقنع.
9- الدفاع عن ماضي الأمة الذي عبث به بعض المستشرقين، والكتاب، والفنانين مثل ما فعل طه حسين في مسلسل/ على هامش السيرة، وغيره.
10- تقديم تعاليم الإسلام بقالب رائع وجذاب وشرح ميسّر لجميع أفراد الأمة لصفة الصلاة، والصوم، والحج.
11- تقديم إجابات مقنعة ترد على شبه المبطلين من الأمم الأخرى بكل دقة ودافعية.
12- الاستقلالية التامة للجهاز الإعلامي عن سيطرة الحكومات قاطبة، يكفل تقديم الصورة كاملة بعيداً عن الحرج السياسي(6).
ـــــــــــ
(1) دكتور إبراهيم إمام، الإعلام الإسلامي، مرجع سابق، ص8-9.
(2) الإعلام الإسلامي في مواجهة الإعلام المعاصر- عبد الله قاسم الوشلي-ص40- دار البشير.
(3) الإعلام الإسلامي والمرحلة الراهنة-مقال لأحمد مبارك سالم – شبكة الألوكة.
(4) دكتورة إجلال خليفة، مجلة الفن الإذاعي الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتلفزيون بالقاهرة، العدد 94، مارس 1982 ص12،13،19.
(5) الإعلام الإسلامي.. مشكلات في خط المواجهة! (3-3)- للأستاذ خباب الحمد – موقع المسلم.
(6) كيف نرتقي بإعلامنا؟- لعبد الله بن عبد الرحمن العيادة- موقع الإسلام اليوم.
المصدر: مركز التأصيل للدراسات والبحوث