الخميس، 14 أكتوبر 2010

في مسألة تنظيم النشر الالكتروني

متابعات اعلامية / الرياض / ظافر الشهري /  باحث إعلامي.


تتقاطع في الساحة الإعلامية حالياً أراء متعددة حول مسألة تنظيم النشر الالكتروني وتكاد تنقسم في مجملها إلى اتجاهين متضادين ؛ أحدهما مع التنظيم وتقوده الأجهزة المعنية في وزارة الثقافة والإعلام ، والآخر ضد مسألة التنظيم بصورتها القائمة على مبدأ الرقابة والمتابعة. وفي كلا الاتجاهين من عوامل التلاقي ما يحفز على محاولة التقريب والوصول إلى حل وسط.. وهذا ما دعاني إلى كتابة هذه الملاحظة:

فمن ضرورات المجتمعات والتنظيمات الحديثة وجود أُطر وممارسات تتغيا المحافظة على سلامة المجتمع وأمنه وتنظيم مناشط أفراده ومؤسساته في كل صورها ومختلف تداخلاتها ؛ ومن هذا المنطلق فالنشر الالكتروني بأشكاله وأنواعه كافة منشط اجتماعي مهم تقتضي الضرورة تنظيمه وجعله ضمن سياقات البناء الاجتماعي الهادف. ولكن مبدأ الحرية - وهو ركن ركين للعمل الإعلامي الحقيقي - يتصادم غالباً مع مبدأ التنظيم خاصة إذا درجت العادة - كما هي الحال الآن - باقتران التنظيم بصيغ من الرقابة المقيدة للحرية ونماذج من السيطرة القبلية والبعدية ، أو محاولات التوجيه والتكميم لضبط ما يُنشر تحت تبرير منع استغلاله أو توظيفه فيما قد يُهدد أمن وسلامة المجتمع أو معتقداته وثقافته..



وأرى هنا لحل هذه الإشكالية أن نعود إلى الأصل في مفهومي التنظيم والحرية لنجلِّي مدلولات كل منهما حسب ثقافتنا وقيمنا المجتمعية مع مراعاة الواقع ومتغيراته أيضاً ، وبعد ذلك نقترح صيغة التوافق أو الحل لمثل هذه القضية،،، فالحرية تعني بالنسبة للناشر أو صاحب المدونة أنه حر فيما يكتبه أو ينشره أو يدعو له فهو يعبر عن نفسه وفكره وقناعاته ومسؤول عما يصدر عنه ، وهذا أمر لا لبس فيه كمنطلق واضح للحرية. ولكن الحرية تعني عند الجهة المسؤولة عن التنظيم مراعاة ثقافة وقيم وأمن وسلامة المجتمع ، وكذا حريات الآخرين من أفراد ومؤسسات المجتمع ؛ ولذا فلا بد من تقييد حرية الفرد للدرجة التي ينتج عنها التوازن بين حرية المدون أو الناشر وثقافة ومتطلبات سلامة وأمن المجتمع وحريات الآخرين فيه. وبالعودة للمدون أو الناشر فإنه سيصاب بخيبة أمل كبيرة عندما يشعر بيد الرقيب وعينه وهما تقيدانه وتراقبه أناء الليل والنهار خاصة في ظل ثقافة ومعطيات ومتغيرات العولمة وتقنيات الاتصال والانترنت الحديثة والمتسارعة التي شكلت ثقافة جديدة وأوجدت ممارسات مستحدثة لدى الجميع بشّرت بحرية أكثر وبوح وتواصل أسرع في فضاءات أرحب.


ولنصل إلى كلمة سواء في مسألة التنظيم المختلف عليها هذه الأيام ؛ لابد من تواصل واجتماع أطراف هذه القضية من الجانبين لبحث المسألة والاستشكالات لدى كل منهما للوصول إلى حلول إيجابية ومقبولة من الطرفين تحقق للمنظم توجهاته وتمنح للمدون حريته التي تمكنه من ممارسة حقه المشروع في النشر والتدوين. وقد ينفعنا هنا أيضاً أن نذكر بحقيقة بسيطة يجب أن لا تغيب عن أنظار الجميع وهي: إن أي ممارسة أو نشاط فردي يشارك به المدون أو الناشر غيره بأية طريقة للاتصال ويعرضه عليه ويتداخل فيه معه يقتضي مراعاة هذا الآخر واحترام حقوقه وخصوصيته وأن يتم ذلك وفق قيم وثقافة وأطر المجتمع الداعمة لسلامته واستقراره ، وهذا لا يتأتى إلا بتنظيمات مرنة سلسة ومتفاعلة تتعاطى مع هذه العلاقة وتفعِّلها لتكون إيجابية لكل الأطراف ومراعية لثقافة المجتمع وسلامته وأمنه.