الجمعة، 3 يناير 2014

مستقبل الإعلام والعمل الخيري في ظل الثورة الرقمية .. في دراسة عن المركز الدولي للأبحاث والدراسات: مداد

متابعات إعلامية /
تهدف هذه الدراسة إلى كشف الحقائق حول الآثار المرتبطة بتطور المجال الإعلامي، وارتباط هذا التطور بالعمل الخيري.
حيث خصص الفصل الأول من الدراسة للتعرف على ملامح المشهد الراهن للعمل الخيري، من خلال معرفة الأبعاد التنموية والاقتصادية للقطاع الخيري، وبيان أهمية التطوع للعمل الخيري في العالم.
خصص الفصل الثاني لعرض مفهوم الثورة الرقمية وأبعادها وعوامل نشأتها، ووظائف وسائل الإعلام في ظلها، ودراسة المشهد الإعلامي الراهن، و دور الإعلام في توجيه الرأي العام.
أما الفصل الثالث والأخير، فقد تعرض لتأثيرات الثورة الرقمية على العمل الخيري، حيث استعرض أدوات الثورة الرقمية وكيفية الاستفادة من تطبيقاتها الحديثة في العمل الخيري، ثم تطرق إلى عرض بعض التجارب وإسهاماتها في العمل الخيري.
وختمت الدراسة بوضع ملامح خطة استراتيجية إعلامية للعمل الخيري في ظل العصر الرقمي، مع استشراف مستقبل الإعلام والعمل الخيري، ومستقبل تأثيرات الثورة الرقمية في صناعة الإعلام والعمل الخيري.

- أهداف الدراسة:
تتحدد أهداف الدراسة في ما يلي:
- بيان مدى تأثير الثورة الرقمية على العمل الخيري.
- استشراف مستقبل تأثير الثورة الرقمية  على الإعلام والعمل الخيري.
- تعريف الإعلاميين والعاملين بالعمل الخيري بجوانب تأثير الثورة الرقمية، وتقديم توصيات تسهم في تفهم حدود وآفاق هذا التأثير.

- منهج الدراسة:
اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي، من خلال استقراء ما كتب حول مضامين البحث من الكتابات النظرية التي ترتبط بالموضوع، خصوصا فيما يخص الثورة الرقمية وتأثيراتها على جوانب الحياة المختلفة وبالتالي على العمل الخيري بشكل عام.

ثانيا - نتائج الدراسة:
الفصل الأول: ملامح المشهد الراهن للعمل الخيري:
يبرز هذا الفصل أهمية العمل التطوعي والخيري في مختلف مجالات الحياة لدى المجتمعات الغربية القائمة على العمل المؤسسي المنظم. وفي المقابل، مازال القطاع الخيري في العالم العربي مشتتا وهشا؛ إذ تشير التقارير إلى أن ما يصرف في دوال الخليج العربية على العمل الخيري يقترب من مبلغ العشيرن مليار دولار، لكن ما يذهب من هذا المبلغ لمحاربة الفقر، ودعم التعليم، لا يتجاوز ملياري دولار، كما أن مؤسسات الخير والإحسان تفتقر غالبا إلى المهارات المحترفة اللازمة لتقييم عملها. وبالإضافة إلى كل هذا، نلاحظ ندرة في الدراسات العلمية المتخصصة في العمل الخيري على مستوى العالم العربي والإسلامي.

الفصل الثاني: مفهوم الثورة الرقمية وأبعادها:
يستعرض هذا الفصل أهمية الثورة الرقمية وأبعادها، وقدرة الصورة الإعلامية على التأثير في المتلقي.
فيتحدث بداية عن محورية الاتصال في الحياة الإنسانية، وخصوصا المرحلة الحديثة من تطور الاتصال والمتمثلة في الثورة الرقمية. وهذه الأخيرة هي الوسيلة الاتصالية الأكثر تأثيرا على الإطلاق، وذلك لمجموعة من العوامل من بينها القدرة الكبيرة على التعبير ونقل كم هائل من المعلومات، والتغلب على  حواجز المكان والزمن، بالإضافة إلى شساعة الانتشار بحيث تتيح المعرفة لكل الطبقات في المجتمع.
كما أشارت الدراسة إلى الوظائف المتعدد لوسائل الاتصال، لتستعرض بعد ذلك العوامل التي تقف وراء الثورة الرقمية، والتي تتراوح بين العوامل التكنولوجية، والاقتصادية، والسياسية.
وبخصوص المشهد الإعلامي الراهن، تبرز الدراسة بداية الدور المحوري للإعلام في توجيه الرأي العام، وزرع قيم جديدة أو إزاحة أخرى قديمة.. وتغيير المواقف والاتجاهات.
ومع هذه القوة الكبيرة للإعلام، يبقى هذا الأخير خاضعا لاحتكار قوى كبرى في سياق معولم..
وتعتبر الصورة عنصرا مركزيا في الإعلام المعاصر، وهي صورة قطعت أشواطا عديدة على المستوى التقني، حيث أصبح تصنع بقدر كبير من الاحترافية والمهنية. لكن مع الأسف، توظف كل هذه المهنية والاحترافية في سياق تجاري ربحي صرف.
بعد ذلك، تشير الدراسة إلى الفجوة المعرفية الكبيرة التي تفصل العالم العربي عن العالم المتقدم،  وذلك من خلال العديد من الأرقام والإحصاءات.

الفصل الثالث- تأثيرات الثورة الرقمية في أبعادها المختلفة على العمل الخيري:
تشير الدراسة إلى أن الثورة الرقمية قد ظهرت نتيجة الاندماج بين كل من تكنولوجيا الاتصال والبث الحديثة، مع الحاسوب وتقنياته.
وهكذا تنتقل الدراسة إلى عرض نماذج متعددة لأدوات الثورة الرقمية وإمكانيات وسبل الإفادة من تطبيقاتها في العمل الخيري. فاستعرضت الدراسة تطبيقات الهاتف المتنقل في العمل الخيري، وتطبيقات الحاسوب الممكنة في العمل الخيري، وكذلك بعض التطبيقات الممكنة للأنترنت في العمل الخيري سواء من حيث استثمار بعض مواقعه التواصلية، أو إمكاناته الإعلانية والإشهارية.
هذا بالإضافة إلى مزايا السينما الرقمية، وإمكانات استثمارها في توثيق أنشطة العمل الخيري، أو إنتاج أفلام ترغب في العمل الخير وتشجع عليه، وما إلى ذلك من التطبيقات...
بعد ذلك، تنتقل الدراسة إلى استعراض نماذج لتطبيقات حديثة للعمل الخيري في ظل الثورة الرقمية؛ مثل بعض الإذاعات الجادة، أو البرامج الإذاعية المتخصصة في العمل الخيري، بالإضافة إلى بعض القنوات الفضائية والبرامج التلفزيونية المتخصصة في العمل الخيري على قلتها. وأشارت الدراسة أيضا إلى التطوع الإلكتروني، والصدقة الإلكترونية التي تأخذ عدة مظاهر كالوقف عن طريق الأكشاك الإلكترونية، والتبرع أو الوقف عن طريق الرسائل الهاتفية القصيرة، أو الوقف عن طريق الإنترنت...
ثم تنتقل الدراسة إلى اقتراح ثلاثة محاور لبناء استراتيجية إعلامية للعمل الخيري في ظل العصر الرقمي، وهي: صياغة ووضع الخطة الاستراتيجية للإعلام وللعمل الخيري، تنفيذ الخطة الاستراتيجية ووضع السياسات والخطط اللازمة لتنفيذها، ثم متابعة وتقويم تنفيذ الخطة الاستراتيجية.
ويختم هذا الفصل بمحاولة استشراف كل من مستقبل الإعلام والعمل الخيري في ظل الثورة الرقمية، وأيضا مستقبل تأثيرات الثورة الرقمية على صناعة الاعلام والعمل الخيري.

خلاصة:
وعموما يمكن تلخيص نتائج الدراسة على الشكل التالي:
- صعود واضح في التطور التكنولوجي الرقمي، خصوصا في تكنولوجيا الحاسوب والوسائط.
- حاجة العمل الخيري إلى منبر إعلامي يبرز نتائجه من جانب، ويدفع عنه شبهاته من جانب آخر.
- لا يمكن الارتقاء بالعمل الخيري دون الاهتمام بالجانب التدريبي والتأهيلي للعاملين فيه.
- ساهمت التقنيات الحديثة في تطوير الأعمال الخيرية من مختلف جوانبها.
- مكنت التقنيات الحديثة الجمعيات الخيرية من سهولة جمع المعلومات والبيانات، وأرشفتها، واسترجاعها.
- تسهم التقنيات الحديثة وتطبيقاتها، في الارتقاء بالعمل الخيري من مختلف جوانبه.
- بخصوص الإعلام الفضائي، لم تفلح القنوات الفضائية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في تغيير قناعات الناس وتشجيعهم على العمل الخيري.
وبخصوص مستقبل القطاع الخيري في العالم، فقد خلصت الدراسة إلى:
- على المستوى العالمي، يعد العمل الخيري مرشحا قويا لأخذ زمام المبادرة في التصدي للقضايا الإنسانية عبر العالم.
- هو قطاع أقل فساد وأكثر إلزاما بالمثل والقيم والعليا، بحكم دوافعه وطبيعة أهدافه.
- هو قطاع يتصف بقدر كبير من الشفافية تفوق مثيلتها في القطاعين الحكومي والتجاري.
- هو قطاع يعمل فعلا على تحسين حياة الناس في مجالات متعددة...
- يعمل هذا القطاع على إيجاد فرص عمل بأجور مقبولة من تنمية روابط اجتماعية قوية.
- يعمل هذا القطاع على تلبية الحاجات الأساسية للناس.

- توصيات الدراسة:
أما توصيات الدراسة، فهي أربعة، ونعرضها كما يلي:
1. عقد مؤتمر دولي متخصص لبحث أثر الثورة الرقمية على العمل الخيري، ومعرفة أحدث التطبيقات التكنولوجية في المجال.
2. إنشاء مركز تدريبي متخصص يعنى بالجانب الإعلامي وسبل تأهيل العاملين في المؤسسات والهيئات الخيرية.
3. وضع تصور لخطة استراتيجية إعلامية مبنية على التطبيقات الحديثة، من تكنولوجيا الاتصال والإنترنت.
4. إنشاء قناة فضائية متخصصة بالعمل الخيري.
وقد ذيلت الدراسة في الأخير بملحق ضم الأصول الوقفية لأفضل ٢٠ جامعة أمريكية، وتصورا مفصلا لمشروع إنشاء فضائية متخصصة بالعمل الخيري.

ثالثا- ملاحظات منهجية:
لا يسعنا إلا أن نشيد بالجهد المتميز الذي بذل لإنجاز الدراسة، لكن هذا لا يمنع من إبداء الملاحظات المنهجية التالية:
1. من جوانب قوة الدراسة وتميزها، عرضها لمحاور خطة استراتيجية إعلامية للعمل الخيري في ظل العصر الرقمي، وإدراج ملحق مفصل في نهاية الدراسة، يتضمن تصورا لمشروع إنشاء قناة فضائية متخصصة بالعمل الخيري.
حيث لم تغرق الدراسة في الطرح النظري، بل زاوجت بينه وبين عرض تصور عملي مفصل.
2. بخصوص الفصل الأول، فقد خلص في نتائجه الختامية إلى أهمية العمل الخيري في كل مجالات الحياة في المجتمعات الغربية، مقابل ضعفه في العالم العربي والإسلامي.
لكن على امتداد هذا الفصل، لم تدرج سوى الإحصاءات والأرقام المتعلقة بالعالم الغربي، مع إغفال تام للإحصاءات المتعلقة بالعالم الإسلامي، حتى تصح المقارنة. ما عدا الإشارة المقتضبة في ختام عرض نتائج الفصل، إلى كون ملياري دولار من بين عشرين مليار دولار تصرف في دول الخليج العربي على العمل الخيري، يتم تخصيصها لمحاربة الفقر ودعم التعليم.
هذا بالإضافة إلى مدى صلاحية المقارنة حتى في حالة وجود أرقام تخص العالم الإسلامي، وذلك لسببين على الأقل: الأول هو الطابع المؤسساتي للعمل الخيري في الغرب، في حين ما يزال نشاطا اجتماعيا وأهليا بامتياز في العالم الإسلامي، حيث يتم تصريف العمل الخيري على شكل مؤسسات، لكن بدرجة أكبر كمبادرات فردية، أو جماعية غير مهيكلة وموثقة. هذا بالإضافة إلى التباين الثقافي بين الغرب والعالم الإسلامي، حيث يعتبر المسلمون أن إظهار الصدقات والتبرعات وإعلانها يعد من قبيل المَنِّ، كما يحرص البعض على إخفاء الصدقة وسترها، طلبا لمزيد من الأجر والثواب.
الأمران اللذان يصعب معهما توفير إحصاءات دقيقة عن الواقع الفعلي للعمل الخيري في دول العالم الإسلامي.
3. يحمل الفصل الثالث عنوان: تأثيرات الثورة الرقمية في أبعادها المختلفة على العمل الخيري، لكنه لا يتعرض نهائيا لدراسة هذه التأثيرات.
بل تناول هذا الفصل بعض الاستخدامات الممكنة لأدوات الثورة الرقمية وإمكانية الإفادة من تطبيقاتها في العمل الخيري، كما عرض الفصل بعض التطبيقات التكنولوجية الحديثة للعمل الخيري في ظل الثورة الرقمية.
لهذا كان من باب أولى، تغيير عنوان الفصل واستبداله مثلا بـ: آفاق استخدامات الثورة الرقمية لدعم العمل الخيري.
4. بعض نتائج الدراسة التي عرضت مركزة في ختامها، لا تجد لها سندا قويا في متن الدراسة، حيث تبدو وكأنها إبداع لحظي.
5. رغم أن الدراسة تحمل عنوان: "مستقبل الإعلام والعمل الخيري في ظل الثورة الرقمية"، ورغم أنها تتعرض إلى "كشف الحقائق حول الآثار المرتبطة بتطور المجال الإعلامي، وارتباط هذا التطور بالعمل الخيري"؛ فإننا لا يمكننا أن نصنف هذه الدراسة ضمن الدراسات الإعلامية.
فعلى مستوى المنهج المتبع، تشير الدراسة إلى تبنيها " المنهج الوصفي، من خلال استقراء ما كتب حول مضامين البحث من الكتابات النظرية التي ترتبط بالموضوع، خصوصا فيما يخص الثورة الرقمية وتأثيراتها على جوانب الحياة المختلفة وبالتالي على العمل الخيري بشكل عام".
ويعتب المنهج الوصفي أهم مناهج الدراسات الإعلامية، "ويقوم البحث الوصفي على دراسة الظواهر كما هي في الواقع، والتعبير عنها بشكل كمي، حيث يعمل على توضيح حجم الظاهرة ودرجات ارتباطها مع الظواهر الأخرى، أو بشكل كيفي من خلال وصف الظاهرة وتوضيح خصائصا".
ويجمع المنهج الوصفي ثلاث مناهج فرعية كبرى كبرى، لها تفريعاتها الخاصة أيضا، ويتعلق الأمر بما يلي:
أ- الدراسات المسحية: وتعنى بالتجميع  المنظم للمعلومات من المستقصى منهم بهدف فهم أو التنبؤ بسلوك المجتمع محل الدراسة.
ب- دراسة العلاقات المتبادلة: وتتبنى طرق الدراسات المسحية في جمع البيانات والمعطيات عن الظواهر، ثم تتعداها إلى الاهتمام بدراسة العلاقات بين المتغيرات، وتحليلها والتعمق فيها لدراسة أنواع ودرجات الارتباط.
ويشمل هذا المنهج: دراسة الحالة، الدراسات السببية المقارنة، الدراسة الارتباطية.
ج- الدراسات التطويرية: وتتناول التغيرات التي تحدث في بعض المتغيرات نتيجة لمرور الزمن، ويهتم هذا النوع من الدراسات بتتبع الظواهر الإعلامية والسياسية والاجتماعية والسلوكية.. وتشمل أيضا الدراسات المقارنة، والبحوث المتكاملة.
وما دامت الدراسة تهدف إلى دراسة مدى تأثير الثورة الرقمية على العمل الخيري، فكان من المفيد أن تعمد إلى الدراسة التحليلية للمبادرات الخيرية ودرجة اعتمادها على تكنولوجيا الاتصال من خلال تحليل المعطيات المتوفرة بهذا الشأن، بالإضافة إلى دراسة مدى تأثير الثورة الرقمية على المشتغلين في مجال العمل الخيري من خلال اعتماد دراسة مسحية.

عموما تبقى الخيارات المنهجية رهينة بتفضيلات القائمين بالدراسة وتصوراتهم العلمية، وما استعرضناه من ملاحظات نقدية، كان هدفه الاستثمار الأقصى لهذه الدراسة المتميزة، لجعلها أقرب إلى الدراسة الإعلامية المحترفة، وما سيكون لذلك من نتائج على تطوير العملين الخيري والإعلامي معا.. خصوصا وأن فكرة الدراسة إبداعية بامتياز، ومن المهم الاشتغال على الإمكانات الواعدة لتوظيف الإعلام في مجالات العمل الاجتماعي.

مركز نماء للبحوث والدراسات