الثلاثاء، 14 يونيو 2011

رحلة في تاريخ العلاقات العامة اليمنية

متابعات إعلامية / كتب: أحمد بايمين *

العلاقات العامة كظاهرة اجتماعية ونشاط إنساني ولدت مع الإنسان الأول لتلبية حاجاته لإقامة علاقات مع الوسط الاجتماعي, وتحقيق التفاهم و التعاون مع باقي أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. وتطورت بتطور التجمعات البشرية من أفراد إلى اسر ومن ثم قبائل و أمم. وعند ظهور مفهوم الدولة زادت الحاجة إلى العلاقات العامة خاصة للتعامل مع الرأي العام عند ما عرفت قوته وحاجة الحكومات و الهيئات العامة إلى كسب ذلك التيار القوي و المؤثر للسيطرة على زمام الأمور, ورسم السياسات, و الحصول على دعم ومباركة الجماهير. ومن هنا يمكن القول بأن النشأة التاريخية للعلاقات العامة إنما ترجع إلى ظهور السلطة بكافة أشكالها.    
ومنذ آلاف السنين مارس اليمنيون بحضاراتهم ودولهم الموغلة في القدم هذه الظاهرة الاجتماعية من خلال العلاقات التجارية التي اشتهروا بها قديماً  فكانوا يصدرون الكثير من السلع المهمة على مستوى العالم في ذلك الوقت مثل الطيب و البخور و اللبان و الأحجار الكريمة و التوابل و الجلود و المر. ويؤكده ما عثر عليه من نقش وكشوفات أثرية كتابوت سقارة غرب القاهرة بمصر و الذي يحكي قصة رجل يمني يدعى زيد آيل  يعمل في الكهانة بأحد المعابد المصرية وكان يستورد لها المر و ( قصب الطيب) مما يدل على استخدام اليمنيين للعلاقات العامة في التجارة وغيرها.   
وكذلك هجرة اليمنيين إلى كثير من المناطق, و موقع اليمن الاستراتيجي المتوسط بين حضارات الشرق و الغرب و الشمال كل هذا أدى إلى  بناء علاقات عامة متميزة ومتينة مع المحيط المحلي و العالمي حتى عرفت باليمن السعيد  أو العربية السعيدة ووصفها رب العالمين في كتابه بأنها بلدة طيبة : ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور).  سبأ آية 15 
واستخدم اليمنيون القدامى مختلف أساليب وأدوات العلاقات العامة المعروفة في ذلك الوقت  فالتماثيل والنُصب ومختلف أشكال الفن المعماري التي برع فيها اليمنيون كسد مأرب و مدينة شباب التاريخية والمعابد مثل معبد الشمس والتماثيل واللوحات الفنية والكتابات القديمة التي تملا الأرض اليمنية. كما استخدموا أسلوب اللقاءات التي كانت تقيمها الدولة عند الانتصارات في الحروب و الاجتماعات الدينية في المعابد والساحات العامة   كلها أمثلة على معرفة اليمنيين بأساليب العلاقات العامة بمفهوم وإمكانات تلك الفترة.  
وعند بزوغ فجر الإسلام بادر اليمنيون بإرسال الوفود لإقامة علاقات مع هذا الدين الجديد و دولته الحديثة حتى قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة, الإيمان يماني و الحكمة يمانية).  وفيما بعد ساهم اليمنيون بشكل كبير في نشر الإسلام و الدعوة له مستخدمين العلاقات العامة وأساليبها . فقد شاركوا في الفتوحات الإسلامية في العراق وبلاد فارس وما خلفها و شاركوا في البعثات الدعوية على طول الأرض وعرضها آنذاك. واهتدى على يدهم بشر كثير لأنهم برعوا في استخدام العلاقات العامة بحسن أخلاقهم ولين معاملتهم.        
وفي العصر الحديث وبعد نشؤ العلاقات العامة العلم و الفن بمفهومة المعاصر كانت اليمن ترزح تحت حصار التخلف و الاستعمار في كافة ميادين الحياة و غياب مفهوم الدولة المدنية الحديثة مما أنعكس على العلاقات العامة وتطورها في البلد . وبعد الثورات اليمنية ضد ذلك الوضع مطلع الستينات استعان اليمن بالخبرات الأجنبية لبناء الدولة وخاصة الخبرات المصرية  التي طبقت نفس التنظيمات الإدارية المصرية – تقريباً - في اليمن. 
 ومصر تعتبر رائدة العلاقات العامة في العالم العربي مما انعكس على اليمن عند إنشاء الوزارات و المؤسسات الحكومية لتصبح الدولة الثانية في ظهور العلاقات العامة على مستوى الدول العربية. ففي قرار رئيس الجمهورية رقم (25) لسنة 1963م و الذي ينص على أنشاء وزارة العدل احتوت لائحته التنظيمية على أول إدارة للعلاقات العامة بعنوان الادارة العامة للعلاقات العامة و التى تتبع مباشرة مكتب الوزير . و توالت بعدها التشكيلات الوزارية التي تضمنت في لوائحها الداخلية إدارات للعلاقات العامة كوزارة الاقتصاد تحت مسمى الادارة العامة للعلاقات العام لشؤون الاستثمار ووزارة الإعلام تحت مسمى الادارة العامة للعلاقات العامة وحدد اختصاصاتها بالاتصال و توثيق الصلة بين الوزارة وكافة أجهزة الدولة في الداخل والخارج وتنظيم الزيارات و الاستقبالات وحضور المؤتمرات الدولية لمعاونة المراسلين الأجانب. 
ومع هذا التقدم الزمني الملحوظ في معرفة العلاقات العامة وإداراتها في اليمن إلا أن العلاقات العامة ظلت مجرد ديكور يؤدي وظيفة روتينية بعيداً عن الممارسة العلمية التطبيقية للعلاقات العامة. وذلك نتيجة لقلة الوعي بأهمية العلاقات العامة وقصور في الفهم لمبادئ و مفاهيم هذا العلم و الفن شأن اليمن في ذلك شأن الكثير من الدول العربية. 
أما على صعيد جمعيات العلاقات العامة في الوطن العربي فقد حازت مصر قصب السبق التاريخي في إنشاء أول جمعية للعلاقات العامة في الشرق الأوسط حين ولدت جمعية العلاقات العامة العربية في 7/5/1965م. ومنذ ذاك إلى وقتنا هذا تأسست على شاكلتها جمعيات للعلاقات العامة في دول عربية عدة مثل الكويت وسوريا و السعودية و البحرين و الإمارات. وجاءت جمعية العلاقات العامة اليمنية في الحادي والعشرين من أغسطس 2010م تحت ترخيص وزارة الشئون الاجتماعية و العمل رقم 390 لعام 2010م لتضع نصب أعينها تنمية الوعي بقيمة العلاقات العامة وأهدافها و نشر مفهومها ومبادئها ومثلها و رفع المستوى الفكري والثقافي و المهني للعاملين بها, و خلق كوادر متخصصة ذات كفاءة عالية في مجال العلاقات العامة.
*رئيس جمعية العلاقات العامة اليمنية  
Theconfident4@hotmail.com