الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

برامج «التوك شو» المصرية.. (إعلام النظارة السوداء) .. تزايدت في أعقاب ثورة 25 يناير.. وخبراء يتهمونها بخلق الفوضى

متابعات إعلامية / محمد الاعجم
أصبح المشاهد المصري في حيرة من أمره وهو يعبث بأزرار جهاز التحكم «الريموت كنترول» متنقلا به بين البرامج الحوارية «التوك شو»، التي طغى حضورها في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، مع انطلاق الكثير من القنوات الفضائية المصرية.
سبب تلك الحيرة؛ أن التغيير الذي نادت به الثورة لم يصل إلى هذه البرامج، بل كان على العكس تغيير سلبي طرأ على طبيعة عملها، حيث لم يلمس المشاهد المصري أي اختلاف في الموضوعات التي تقدمها تلك البرامج، أو الأهداف التي تسعى إليها.
ويجمع خبراء الإعلام على أن هذه برامح «التوك شو» حاليا لا تصب في مصلحة المصريين، بل إنها خلقت فوضى إعلامية، حيث مناقشة الفضائح والتشهير بالأفراد، من خلال مصادر معلومات مشوشة، مما يؤدي إلى إفساد الوعي والمعرفة.
كما يلفتون إلى أن برامج «التوك شو» لا تزال تعتمد على «المذيع النجم»، الذي يحاول فرض شخصيته على برنامجه وضيوفه ويبدي رأيه، في مخالفة صريحة لقواعد العمل الإعلامي، إلى جانب التحيز لوجهة نظر واحدة و«تجييش» الضيوف الذين يعبرون عنها، مما يؤثر على الرأي العام.
بداية؛ يرى الدكتور محمد وهدان، أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أن برامج «التوك شو» هي بمثابة «صراع الديوك»، فهي لا تصب في مصلحة المجتمع ولكن في مصلحة أعداء الأمة، ففي هذه المرحلة التي تعيش فيها مصر بعد ثورة 25 يناير تحتاج مصر إلى البناء، ولكن هذه النوعية من البرامج تعمل على بث العورات، وإثارة الغرائز والفضول من خلال إذاعة الفضائح والتشهير بالأفراد.
ويبين أن وسائل الإعلام هي طريقة ووسيلة لبناء المجتمعات، والمساهمة في التنمية، وحل متاعب الناس، «ولكن برامج التوك شو بوضعها الحالي لا تساهم في أي من ذلك للأسف الشديد»، فليست كل القضايا يليق مناقشتها في هذه البرامج، فهناك مواضيع يكون من الأفضل مناقشتها في المحاضرات والجامعات أو دور العبادة.
وبحسب وهدان كانت برامج «التوك شو» قبل الثورة المصرية أمامها خطوط حمراء لا تقترب منها، كما أنها أدت لقيام الثورة، فقد كانت تروج للحاكم الفرد ونظامه فقط لا غير، والذي يقول غير هذا لا مكان له. أما بعد الثورة فخلقت هذه البرامج فوضى إعلامية غير مقننة، فوجدنا اتهامات للأبرياء والشرفاء، كما عملت على وجود ائتلافات وفرق مختلفة وفق وجهة نظرها.
ويؤكد أستاذ الإعلام أن تمويل القنوات يلعب دورا كبيرا ورئيسيا في توجهات برامج «التوك شو»، وفي الوطن العربي بشكل عام يعمل كل نظام أو فرقة ما أن يكون لها قناة تتحدث باسمها، وبالتالي تكون القناة «آكلة خبزها وحاملة سيفها»، وهو ما يسري على برامج «التوك شو».
ويعتقد وهدان أن برامج «التوك شو» التي تتجاوز التقاليد الإعلامية والأخلاقية سوف يلفظها المجتمع بعد فترة طالت أو قصرت، فعندما يظهر من بين ضيوف أحد البرامج من يتشاجر بالأيدي على الهواء، فهذا غير مقبول من الجماهير، التي تدرك جيدا الصحيح من الخطأ، وإذا لم تقدم هذه البرامج شيئا مفيدا لها سوف تتركها على الفور. ويتابع: «لذا أرى أنه لضبط هذه البرامج وعدم تجاوزها يجب علينا الآن أن نفعل ميثاق الشرف الإعلامي، حتى يتثنى من خلاله أن تكون المعايير الأخلاقية والمهنية هي الضابطة له».
أما الدكتور هشام عطية، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فيقول: «مع زيادة عدد الفضائيات التي وجدت في الساحة الإعلامية في مصر عقب ثورة 25 يناير، وانتشار برامج (التوك شو) في كل هذه الفضائيات بل القنوات الأرضية، أصبحنا في سوق يختلط فيها الجيد بالمتوسط بالرديء، وهو ما يجعلنا نصك شعارا على هذه الأمواج من برامج التوك شو؛ فهي قليل من الأفكار كثير من الترهات والأمور التي لا تليق، قليل من الإبداع كثير من الإثارة غي المهنية، وإذا جاز لنا التعبير من خلال آيات القرآن الكريم يمكننا وصفها بأنها قليل مما ينفع الناس ويمكث في الأرض كثير من الزبد».
ويفسر د. هشام شعاره السابق بقوله: «برامج التوك شو أصبحت سماتها الآن مناقشة القضايا المختلطة ومصادر المعلومات المشوشة، وتجهيل المعلومات، وتعمد إفساد الوعي والمعرفة».
ويتابع: «هناك فضائيات تفتح أبوابها دون منطق اقتصادي وإعلامي، وهذه الفضائيات قائمة على برامج التوك شو التي سبق لمقدميها فشلهم في التواصل مع الجماهير، فهم يظهرون ثانية بنفس الأفكار وإن كانت في صياغات جديدة، ويحتلون مساحات من حياة الناس بكلام خال من المعنى». مضيفا: «فوجوه كثيرة كان يجب أن تبتعد بعد الثورة المصرية ولكنها تعود وتلح رغم أن أداءها قد قل ولا يناسب عصرا جديدا تعيشه مصر، أو يتم استيراد آخرين لها من دول أخرى، وهو ما أرجعه إلى (الاضطراب المعرفي)، وكأنه أصبح مقدرا ومن العرف أن يكون لدى كل قناة جديدة تظهر برنامج من نوعية التوك شو سواء كان فيه ما يستحق أن يقال أو لا يستحق، لكن ذلك يأتي من دواعي التقليد، وسوء الأداء المهني، وافتقاد لأسس العمل الإعلامي».
كما يرجع د. هشام أن اعتماد برامج «التوك شو» على «المذيع النجم» هو نوع من الكسل الإعلامي الذي يغلف أداء غالبية الفضائيات، حيث تعتمد على السعي وراء الأسماء التي أشبه بـ«علب الطعام المحفوظ»، وعدم اكتشاف المواهب الجديدة، مبينا أن وسائل الإعلام العربية بشكل عام لديها جهل بناء الكوادر الإعلامية.
ويربط أستاذ الإعلام بين برامج «التوك شو» ومفهوم اقتصاديات الفضائيات، قائلا: «من المعروف أن أي محطة تلفزيونية أو إذاعية تعد مؤسسة لها جدوى اقتصادية، عن طريق مستثمر يضخ أموالا ثم يحقق مكسبا بعد ذلك من خلال الإعلانات، لكن في الحقيقة أنه يوجد لدينا عشرات علامات الاستفهام من الجدوى الاقتصادية لبعض المحطات في الوقت الحالي، فقد لا تحقق مكسبا بما يغطي نفقاتها، وأخرى لا تبدي شفافية في الإنفاق وليس لديها بيانات تبين حجم الإيرادات، والمفارقة أنه في ظل الركود الاقتصادي وانخفاض الإنفاق على الإعلان تزداد حجم الفضائيات، ويطل علينا ممولون لها ليس لهم علاقة بالإعلام، وهو ما يجعلنا نقول إن غالبية هذه المشروعات هي مشروعات سياسية أكثر من كونها إعلامية، فما الداعي لبث باقة قنوات وجميعها تخسر؟!».