الأحد، 16 ديسمبر 2012

المفهوم الشامل للعلاقات العامة

متابعات إعلامية / الرياض / كتب : د. عبدالله عساف *

تمثل العلاقات العامة في المنشآت الصناعية أهمية خاصة، وهي في المنشآت الخدمية أكثر أهمية؛ ففي الوقت الذي تسوء فيه العلاقة بين المنشأة الصناعية والمستهلكين فقد يستمرون في شراء السلعة لأنهم مضطرين لعدم وجود غيرها في السوق، أو لأن ميزاتها تفوق مثيلاتها، أما في المنشآت الخدمية فقد تكون الخدمة غير ضرورية، أو يوجد بدائل غيرها ؛ فالمستهلك بطبعه يقبل على التعامل مع المنشأة التي تلبي رغباته وتتجاوب مع متطلباته وتوقعاته المتمثلة بقدرة المنشأة على توفير السلعة أو الخدمة بالسعر المناسب والوقت المناسب والمكان المناسب والطريقة المناسبة التي تشعره بأهميته وباحترامها لشخصيته، بالإضافة لخدمات ما بعد البيع التي تغفل عنها أو تهملها بعض المنشأت، ومن هذا المنطلق كان الشعار الذي تتبناه المنشآت الناجحة هو “الزبون دائماً على حق ولو كان مخطئاً” فهي تعمل  جاهدة لتلبية حاجات ورغبات عملائها وتقدم لهم المعلومات الصحيحة الدقيقة بكل أمانة وشفافية وصدق وبكل احترام لقواعد الأخلاق الحميدة؛وهذا هو لب العلاقات العامة وجوهرها في منشآت الأعمال.
         وعندما تتبنى الإدارة العليا في المنشأة مفهوم العلاقات العامة كفلسفة إدارية تنطلق منها تصبح العلاقات العامة جزءاً من عمل واهتمام الإدارة اليومي يجعلها تضع مصالح الناس أولاً وقبل كل شيء في جميع الأمور التي تتعلق بإدارة المنشأة،وخير تعبير عن النظرة السليمة لمفهوم العلاقات العامة ما قاله في منتصف الخمسينات من القرن الماضي بول جاريتPoul Garret  نائب الرئيس ومدير دائرة العلاقات العامة في شركة جنرال موتورز آنذاك حيث قال:”العلاقات العامة موقف أساسي وفلسفة محددة للإدارة تضع مصلحة الجمهور(المصلحة العامة) أولاً في كل قرار يؤثر على عمل المنشأة”
فالعلاقات العامة ليست فلسفة إدارية فحسب؛ بل هي- وهذا هو الأصل- وسيلة للاتصال بين المنشأة وجمهورها؛ حيث يتعرف الجمهور من خلالها على أهداف ومنجزات المنشأة ؛فالموظفون يهمهم معرفة التغيرات وكيف سيتأثرون بها، والمساهمون يحبون أن يعرفوا كل شي عن استثماراتهم، والمتعاملون مع المنظمة يودون معرفة ماذا يجري فيها، ولكي تحصل المنظمه على ثقة ودعم هذه الفئات لابد أن تكون قنوات الاتصال بينها ووبين جمهورها مفتوحة وسليمة وذات اتجاهين ،وبهذا تستطيع ا أن ترسم سياساتها وخططها بشكل يخدم مصالح جمهورها، فالانطباعات السيئة التي يحملها الناس عن المنشأة غالباً ما تكون نتيجة فشل المنشأة في إيصال الحقائق إليهم لعدم وجود نظام فاعل للاتصال بهذه الجماهير وشرح أهداف المنشأة وسياستها والاطلاع على آرائهم واتجاهاتهم والاستفادة من هذه المعلومات عند رسم سياسة المنشأة وخططها وبرامجهاوهذا ما أكد عليه أبو العلاقات العامة_إيفي لي_ عندما أصدر بياناً للصحافيين أعلن فيه لأول مرة في تاريخ أمريكا بعدم الالتزام بما يعرف بـ”سر المهنة” في كل ما يتعلق بمصلحة الجمهور، وكانت شركة جون روكفلر  أول من استفاد من خدمات إيفي لي حيث عملت بنصيحته المشهورة:”لايكفي أن تفعل الخير وإنما لابد أن يعلم الناس بما تفعله من خير”
ولكي يتحقق التوافق والانسجام المستمر بين المنشأة وجمهورها فمن الأهمية بمكان ألا يتوقف الاتصال المزدوج مع جميع فئات الجمهور؛ فالناس بطبيعتهم يحبون أن يعرفوا أشياء كثيرة عن المنشأة التي يعملون بها أو يتعاملون معها أو تعيش بين ظهرانيهم، فإذا لم يتيسر لهم أسلوب اتصال رسمي فعال لجؤوا إلى الشائعات مما ينعكس سلباً على سمعة المنشأة، ولهذا لا تكتفي  الشركات التجارية العملاقة المتعددة الجنسيات في أمريكا وأوربا بما لديها من إدارات للعلاقات العامة بل تقوم بتخصص ميزانيات كبرى لشراء خدمات الشركات المتخصصة في العلاقات العامة لتحسين نظرة الجمهور إليها،بل إن الشركات اليابانية المشهورة بتمسكها بالاعتبارات الاجتماعية والتقاليد الصارمة بدأت تتخلى بعض الشيء عن ذلك وأخذت تنحو منحى الشركات الغربية في الاستعانة بخبرة شركات العلاقات العامة، وقد ذهبت هذه الشركات العملاقة إلى أبعد من ذلك عندما أخذت بعين الاعتبار المضاعفات التي يمكن أن تحدثها أية تدابير تتخذها في تخطيطها الاستراتيجي(طويل المدى) على نظرة العالم الخارجي لها مما حملها على إشرك مسؤلي العلاقات العامة في عضوية مجالس إدارتها كما فعلت شركة اوبل، وديملربنز، وبي أم دبليو،وفولكسفاجن،وفورد،وستاندرد تلفونزاند كيبلز،وغيرها من الشركات الرائدة التي يتحدث مسؤلوا العلاقات العامة فيها مع رئيسها بشكل مباشر كجزء رئيس من مهام عمله.
 أما في البيئة العربية فيتضح تهميش دور العلاقات العامة من خلال إسناد مهامها إلى إدارات وأقسام أخرى أهمها الشؤون الإدارية،بالإضافة إلى عدم وجود خطط لتحقيق أهداف العلاقات العامة لأن العمل روتيني ولا يحتاج إلى خطة،وقلة العاملين في إدارة العلاقات العامة،بالإضافة إلى عدم تأهيلهم وإغفال الإدارة العليا لرغبات الجمهور الداخلي والخارجي.
فقد أظهرت الدراسات السابقة أن المفهوم الشامل لوظيفة العلاقات العامة لم يتبلور بعد في البيئة العربية ؛حيث تشير مجمل الدراسات إلى :
1- العلاقات العامة بعيدة عن دائرة صنع القرار
2- استغلال إمكانياتها في أعمال ليست من اختصاصها؛كالاستقبال والتوديع وغيرهما.
3- عدم وجود خطط تمارس العلاقات العامة من خلالها مهمتها.
4- عدم تحديد ميزانية خاصة لها.
5- عدم وجود خطط لدى إدارات العلاقات العامة للتعامل مع الأزمات.
6- عدم تأهيل أغلب العاملين في العلاقات العامة
7- ليس للعلاقات العامة تأثير على البيئة أو على المنشأة نفسها.
8- هناك ازدواجية بين عمل العلاقات العامة وبين مهام الإدارات الأخرى.
9- إغفال الإدارة العليا لرغبات الجمهور الداخلي والخارجي.
10- عدم القيام بإجراء البحوث والدراسات في مجال العلاقات العامة.
11- على الرغم من وجود وسائل اتصال حديثة إلا أن موظفي العلاقات ما يزالون يستخدمون الخطابات والتليفون لممارسة عملهم.
     ولهذا لا نستغرب أن تكون إدارة العلاقات العامة في بعض المنشآت صغيرة الحجم والمكانة أو حتى إسناد مهمة العلاقات العامة إلى إحدى الإدارات؛وبهذا تكون العلاقات العامة مجرد لافتة لا تحمل أي مضمون فعلي لماهية المفهوم الشامل للعلاقات العامة والمتمثل بكونه”وظيفة إدارية متميزة تساعد على تكوين وبناء ودعم وبقاء الاتصال الفعال والفهم المتبادل والموافقة والتعاون المشترك بين المنشأة وجماهيرها الداخلية والخارجية،وتعمل على مواجهة المشكلات التي تواجه الإدارة واقتراح الحلول المناسبة لها،وإمدادها بتيار مستمر من المعلومات والبيانات،مما يجعلها متجاوبة مع الرأي العام،وتحدد مسؤولية الإدارة تجاه اهتمامات الجماهير وتؤكدها وتساعدها على أن تواكب التغيير وتفيد منه بكفاءة،كما تستخدم العلاقات العامة أيضا كنظام تنبؤ يساعد على التبكير بالتعرف على الاتجاهات وتوقعها،وتستخدم في ذلك بحوث الاتصال وطرقه ووسائله وفنونه على أسس أخلاقية لتحقيق هذه المهمة الأساسية،وتحقيق المزيد من التعاون الخلاق والأداء الفعّال للمصالح المشتركة باستخدام الإعلام الشامل والمخطط.
*د. عبدالله العساف
الرئيس التنفيذي لشركة الاتصال المستحدث
اكاديمي- عضو جمعية الإعلام والاتصال
عضو الجمعيه السعودية للعلاقات العامه والاعلان
موبايل  0500099499
PR ARABIC العلاقات العامة تواصل وإتصال