الأحد، 17 فبراير 2013

"وسائل الإعلام والتحول الديموقراطي في الدول العربية"

متابعات إعلامية / كتب / عيسى عبدالباقي
بمقدمة هذا البحث, يقول الكاتب: "تلعب وسائل الإعلام دورا رئيسا وفاعلا في تشكيل سياق التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي في المجتمعات المختلفة، حيث تعكس طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين النخبة والجماهير. ويتوقف إسهام ودور وسائل الإعلام في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي على شكل ووظيفة تلك الوسائل في المجتمع وحجم الحريات، وتعدد الآراء والاتجاهات داخل هذه المؤسسات، بجانب طبيعة العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية المتأصلة في المجتمع. فطبيعة ودور وسائل الإعلام في تدعيم الديمقراطية، وتعزيز قيم المشاركة السياسية وصنع القرار السياسي، يرتبط بفلسفة النظام السياسي الذي تعمل في ظله، ودرجة الحرية التي تتمتع بها داخل البناء الاجتماعي".

فوسائل الإعلام الحرة تلعب, بنظر الكاتب, ثلاثة أدوار جوهرية في تعزيز الديمقراطية، "باعتبارها محفلا وطنيا يمنح صوتا لقطاعات المجتمع المختلفة، ويتيح النقاش من زاوية جميع وجهات النظر، وكعنصر تعبئة ييسر المشاركة المدنية بين جميع قطاعات المجتمع، ويعزز قنوات المشاركة العامة, كما تعمل كرقيب يكبح تجاوزات السلطة, ويزيد من الشفافية الحكومية, ويخضع المسؤولين العاميين للمساءلة عن أفعالهم أمام محكمة الرأي العام".

لا توجد نظرية علمية شاملة ودقيقة توضح وتشرح طبيعة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي، يلح الكاتب. فالدراسات والنظريات المتوافرة حول هذه القضية يكتنفها التنافر والغموض لدرجة التعقد والتشابك إلى حد كبير.

فقد ذهب البعض, بنظره, إلى القول بعدم وجود أية علاقة مباشرة بين وسائل الاتصال والديمقراطية, نظرا "لأن الإعلام يشجع كلا من الإصلاح الديمقراطي وغير الديمقراطي، أو لأن وسائل الإعلام تلعب دورا فعالا في إسقاط النظم الفاشية، ولكنها لا تلعب دورا فعالا في تأييد وتعزيز الديمقراطية، بينما يؤكد البعض الآخر على أن دور وسائل الإعلام التحريرية في عملية التحول الديمقراطي, يرتبط في الأساس بدور وسائل الإعلام في الديمقراطيات القائمة، مما يعني ضرورة أن يسبق الإعلام الحر عملية التحول الديمقراطي".

ويلاحظ الكاتب أن العلاقة بين وسائل الإعلام والتحول الديمقراطي تخضع لاتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول ويعترف بالدور الفاعل للإعلام في عملية الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي, باعتبار أن وسائل الإعلام هي أداة أساسية في الانتقال إلى الديمقراطية، والإصلاح السياسي بمعناه العام.

الاتجاه الثاني وينظر "بنظرة سلبية لدور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والتغيير السياسي, من منطلق عدم وجود علاقة إيجابية واضحة بين التحول الديمقراطي وحرية وسائل الإعلام, أو التشكيك والتقليل من أهمية دور وسائل الإعلام في التحول الديمقراطي".

أما الاتجاه الثالث فينظر إلى طبيعة العلاقة بين الإعلام والديمقراطية بوجهة نظر اعتدالية, تعطي للإعلام أدوارا محددة في مرحلة التحول.

+ يتجه منظرو التوجه الأول بشكل أكثر إيجابية نحو تقدير دور وسائل الإعلام في الديمقراطية والتغيير السياسي، وقضايا الإصلاح المختلفة.

 و"ينطلق هذا الاتجاه من اعتبار أن وسائل الإعلام من المنطلقات الأساسية للديمقراطية، حيث يعد الإعلام سليل الديمقراطية، لأن انتشار الصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون, تزامن مع تعميم وانتشار الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، كما رسخ القيم الديمقراطية الكبرى".

ويرى هذا الاتجاه أن ثمة رابطا قويا بين وسائل الإعلام ونشر الديمقراطية، خاصة في المجتمعات التي تمر بمرحلة التغيير والانتقال السياسي، ويطرح فكرة أساسية مفادها "أن المعلومات والأفكار والقدرة على تفسير الوقائع والأحداث, تشكل جانبا مهما من مفهوم القوة المعاصرة وممارستها، وأنه في السابق كان من يمتلك القدرة على توجيه المعلومات والأفكار وتفسير الأحداث, يمتلك القوة وبالتالي السلطة. والإعلام المعاصر يقوم بتجزئة هذه القوة، ويحطم أسطورة احتكارها من جهة واحدة. كما يمكن الأفراد والجماعات من حق الوصول إلى المعلومات والحقائق وتفسيرها".

صحيح, يعتقد أهل هذا الاتجاه, أن وسائل الاتصال السياسي قد ساعدت النخبة في النظم السلطوية والشمولية على البقاء في السلطة على المدى القصير, ولكنها "على المدى الطويل, قد سهلت عملية التحول الديمقراطي بعدة طرق منها: أنها سهلت عملية تآكل مصداقية النظم غير الديمقراطية وشرعيتها، وطرحت بدائل تعددية الاتجاهات السياسية، كما أثارت تنشئة كل من النخبة والجماهير طبقا لقواعد الديمقراطية الجديدة".

+ وينظر مؤيدو الاتجاه الثاني بنظرة سلبية إلى دور وسائل الإعلام في عملية التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي. فلا يرى هذا التوجه في الخبرات العملية، "ما يثبت وجود علاقة إيجابية واضحة بين الظاهرتين، كما أن أصحاب هذا التوجه لا يمتلكهم إطار فكري مشترك، فالبعض منهم الذي يعتمد على النظريات الثقافية في التفسير, يذهب إلى تبني مواقف إيديولوجية تفترض أن وسائل الإعلام تقوم بوظيفة مساندة السلطة في المجتمع على فرض نفوذها، والعمل على دعم الوضع القائم، وينظر لدور وسائل الإعلام في نشر الثقافة الجماهيرية, التي تسهم في استمرار نفوذ الفئات المستفيدة في المجتمع، بما يعني عودة الدور التعبوي للإعلام الجديد تحت غطاء التعددية".

ويرى هذا الاتجاه, بالتالي, أن هناك "علاقة اعتماد متبادل بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي، وكلاهما يهدفان إلى ترسيخ نمط اجتماعي يسود المجتمع يعد هو مصدر التغيير في الثقافة، ولا يسمح بأي تغيير إلا في ضوء ما يخدم العلاقة بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي. ومن هنا، فإن وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية هما أهم أداتين لاستمرار النمط الاجتماعي المسيطر، وتظل هذه الوسائل غير قادرة على الانفكاك من هيمنة القوى المسيطرة لأنها مصدر شرعيتها وحمايتها، ومصدرها الإعلامي الذي يوفر لها القدرة على الاستمرار في المجتمع".

+ أما الذين يتبنون الاتجاه الثالث فيرون أن الكثير من الخبرات السياسية للعديد من المجتمعات تفيد بأن وسائل الإعلام لا تسهم بشكل إيجابي أو جدي في التهيئة للتحول الديمقراطي، "بل تفيد بعض الخبرات أن وسائل الإعلام أسهمت في إطالة عجز الأنظمة الاستبدادية، ودعمت استمرار الوضع القائم، بينما يتبلور دورها الفعال في أثناء عملية التحول للديمقراطية نفسها، حيث تعد مهمة تطور وإصلاح وسائل الإعلام ودمقرطتها واحدة من المهام الأساسية للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي بشكل عام".

كما يرى أنه, في بداية التحول الديمقراطي الذي يتزامن مع إصلاح وسائل الإعلام, تكون هناك "فرص متساوية لتبادل الأدوار. فقد يتراجع النظام الجديد نحو السلطوية، ثم العودة بالتالي إلى احتكار وسائل الإعلام تحت زعم تثبيت النظام الجديد، وهنا يبرز مدى نضج وسائل الإعلام والصحافة، وقدرتها على أن تكون مصدر حماية للمجتمع الديمقراطي حينما تحاصر السياسيين الجدد بالنقد والتحريض الإعلامي، حيث تمثل هذه المرحلة خطا فاصلا من النضوج الإعلامي, إذا اجتازتها وسائل الإعلام بالتعددية، وربطها بالمصالح الوطنية، فإن الديمقراطية الجديدة تضمن أكبر قدر ممكن من احتمالات عدم التراجع".

2 ويعتبر الكاتب, بصرف النظر عن هذا الاتجاه أو ذاك, أن وسائل الإعلام من الأدوات الفاعلة والمهمة في المجال السياسي. فهي "لا تقوم فقط بنقل الرسائل والمعلومات من المؤسسات السياسية إلى الجمهور، ولكنها تحول هذه المعلومات من خلال مجموعة متنوعة من العمليات الخاصة بصناعة الأخبار لتحقيق أهداف وغايات محددة، حيث تعد العلاقة بين وسائل الإعلام والعملية السياسية علاقة جدلية. إذ إن وسائل الإعلام تعمل على نقل وتحليل النشاط السياسي, ولكنها في نفس الوقت تعد جزءا من العملية السياسية, باعتبارها من المصادر المتاحة أمام السياسيين وقادة الرأي, للحصول على المعلومات وتلقي ردود أفعال الجمهور نحو سياستهم وقراراتهم ومواقفهم, مما يساعد على صنع القرار السياسي، فضلا عن اعتماد الجمهور عليها في تكوين اعتقاده واتجاهاته ومواقفه المختلفة إزاء الأحداث والسياسات التي تقع داخل الواقع المحيط به، وما يترتب عليها من سلوكيات وردود أفعال إزاء هذه الأحداث".

إن هناك, يقول الكاتب, نسبة كبيرة من الاتفاق على وجود علاقة قوية بين الديمقراطية وحرية الإعلام، وأنه "لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية دون وجود وسائل إعلام حرة، توفر إمكانية إدارة النقاش الحر بين الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة، كما توفر المعرفة للجمهور. فكلما قلت أو ضعفت القيود على وسائل الإعلام، زادت قدرتها على القيام بوظائفها في المجتمع الديمقراطي".

إن توضيح العلاقة بين وسائل الإعلام والديمقراطية يتطلبو براي الكاتب, الوقوف على ثلاثة أدوار لوسائل الإعلام, تؤثر من خلالها على الحياة السياسية والديمقراطية بشكل عام:

- وظيفة كلب المراقبة: "وتعد هذه الوظيفة امتدادا لمفهوم السلطة الرابعة ، أي أن وسائل الإعلام تسعى لأن تكون رقيبا على كل ما يدور في المجتمع من مدخلات ومخرجات، بما في ذلك مراقبة المؤسسات الاجتماعية والسياسية النافذة في المجتمع. وهنا يوصف دور وسائل الاتصال بأنه مثل دور الحارس اليقظ, الذي يعمل كحارس ورقيب ضد إساءات استخدام السلطة الرسمية، وكمراقب لمصالح المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف".

- وظيفة كلب الحراسة: "وتعني أن وسائل الإعلام تقوم بحراسة فقط للمؤسسات النافذة في المجتمع، وتكون أشد الحرص على متابعة العناصر الطفيلية التي تدخل إلى المجتمع وتعكر صفوه ونقاء العلاقة القائمة".

- وظيفة الكلب المرشد: "وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام تقوم بدور المرشد أو الدليل الذي يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعي السياسة، والتي يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم".

- وظيفة الكلب الأليف, أو الكلب الناقل: "وتعني هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام ترتمي في حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أي مساءلة للسلطة، ودون الالتفات إلى الآراء والاتجاهات الأخرى في المجتمع، خاصة التي لا تتفق مع مصالح المؤسسات النافذة في المجتمع. فهي تكون بمثابة أداة ناقلة لما يريد النظام السياسي أن تعرفه الجماهير، وبالطريقة التي يريدونها بدون توجيه أية انتقادات للمؤسسات القائمة".

يحيى اليحياوي
الرباط, 1 نونبر 2012