متابعات إعلامية / كتب / د. محمد قيراط
بوابة الشرق
لعبت الصحافة النسائية العربية عبر التاريخ دورا هاما في معالجة قضايا
المرأة وتحريرها وكانت بدايتها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بداية
مشرفة حيث أسهمت في تحرير المرأة والعمل على إدماجها في المجتمع في مختلف المجالات والقطاعات. وكان دورها فعالا في تعليم المرأة
وتحريرها من مختلف القيود والأفكار الرجعية المتخلفة. وبفضل المجهودات الجبارة لدعاة تحرير المرأة وإشراكها في الحياة الاجتماعية والسياسية
والثقافية وبفضل المجلات والصحف المختلفة عبرت المرأة عن إرادتها وعن قدرتها في خوض مجالات
الحياة المختلفة جنبا إلى جنب مع الرجل، وكان لها الشرف أن شاركت في الحروب والثورات التي أدت إلى الاستقلال ونيل الحرية والتخلص من
الاستعمار الأوروبي. وكانت الصحافة النسائية العربية آنذاك صحافة تنبع من أعماق مشاكل المرأة العربية وهمومها وطموحاتها. واتسمت قيم ومبادئ
ورسالة الصحافة النسائية آنذاك بالأصالة والجدية والاحترام التام لمبادئ الدين والتقاليد
والعادات الأصيلة. وكانت الصحافة في ذلك الوقت صحافة قضية ومبادئ ورسالة نبيلة، لم يكن يشغلها الربح ولا الإعلانات ولا أخبار الموضة
والأزياء والنجوم. صحافة زمان فتحت أبوابها للمرأة الشاعرة وللقاصة وللمهندسة وللطبيبة وللجامعية وللممرضة للتعبير عن أفكارها وآرائها
ومشاكلها وهمومها. هذه الصحافة كانت قناة لحرية التعبير ولحرية الفكر والرأي واستطاعت بذلك أن تساهم
في تكوين الرأي العام وفي إسماع صوتها للمجتمع. أما صحافة اليوم فالموضوع تغير جذريا ودخلت على الخط متغيرات محورية كالإعلان
وصحافة النجوم والمشاهير والإثارة والغرابة.
عند الكلام عن الصحافة النسائية
أول تساؤل يلفت انتباهنا هو ما هي مكانة المرأة العربية في المجتمع وما هو دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية..
الخ؟ وإلى أي مدى استطاعت المرأة أن تفرض وجودها وتطرح مطالبها وتشارك في الحياة بمختلف
دروبها وأبعادها؟ التساؤل الثاني يجرنا لمحاولة معرفة ما هو عدد الصحفيات اللواتي يمارسن المهنة في مختلف المؤسسات
الإعلامية، ورغم أن الجنس اللطيف يفوق الذكور في تركيبة النوع في جل الدول العربية إلا أن عدد
الصحفيات وحسب نتائج الدراسات الأخيرة للقائمين بالاتصال لا يتجاوز الـ 25 % من العدد الإجمالي للصحافيين الممارسين. وهذه النتيجة
تقودنا إلى تساؤل أخر وهو ما هي المناصب القيادية التي تتمتع بها الصحفية العربية في المؤسسة
الإعلامية؟ والإجابة تبعث على التشاؤم حيث إن نسبة قليلة جدا من الصحفيات وصلت إلى منصب رئيس قسم، أو رئيس تحرير أو مدير. وهذا
يعني الكثير بالنسبة لفعالية العنصر النسوي ومشاركته في اتخاذ القرار. كيف ينظر المجتمع
إلى المرأة؟ وكيف ينظر إلى المرأة العاملة وعلى وجه الخصوص المرأة الصحفية. والملاحظ أن الصحافية تعاني من مشاكل عديدة، فإنها تعاني
من نفس المشاكل الذي يعاني منها الصحفي الرجل إضافة إلى مشاكل أخرى خاصة بها كامرأة تمارس
عملها في مجتمع رجالي ما زال ينظر إلى المرأة كعنصر تابع غير قادر على الإنتاج والعطاء إلا في البيت.
كل هذه المشاكل والعراقيل أدت
بطبيعة الحال إلى خروج الصحافة النسائية عن مسارها الصحيح وخروجها عن الاهتمامات والمشاكل الحقيقية - التي لا تحصى ولا تعد - للمرأة في الوطن
العربي وراحت تهتم بالقشور وبالشكليات. وهكذا دخلت قيم خبرية وإعلامية على الصحافة النسائية
العربية لا علاقة لها بواقع المرأة ومشاكلها في الوطن العربي وتفننت المجلات النسائية في التسابق على عرض مواد التجميل
والطبخ والأزياء والموضة ومختلف أنواع الكماليات وكذلك الأثاث وتقنيات الرشاقة وأخبار
النجوم والأغاني والأفلام وقصص الحب التي تنتهي بالذبح والقتل والجرائم وكذلك مواضيع الحب والغرام. وهكذا أفرغت الصحافة النسائية
المرأة من محتواها الحقيقي ومن قيمتها الإستراتيجية في المجتمع وأكدت أن المرأة يتحدد
وجودها وينتهي في المطبخ وفي التجميل والموضة والرشاقة. وهذا في حقيقة الأمر ظلم للمرأة العربية التي فرضت نفسها في جميع المجالات
من العلم إلى السياسة إلى الاقتصاد إلى المحاماة.. الخ. فالمجلات النسائية تقدم المرأة
وكأنها لم تقتحم السياسة والتجارة والاقتصاد والجامعات ومراكز البحوث والرياضة والطب والتعليم ومجالات أخرى كثيرة ومتشعبة. وهكذا
بليت الصحافة النسائية بداء القيم الغربية وأصبحت صورة طبق الأصل للمجلات النسائية الغربية التي تتعامل مع المرأة وكأنها سلعة وحاجة وشيء لا
أكثر ولا أقل. تجدها في إعلانات السيارات والعطور وفي غلاف المجلات والصفحات الأولى من
المطبوعات لضمان البيع. هذه القيم يغلب عليها طابع التبسيط والتسطيح والتهميش والسلوك الاستهلاكي والتركيز على الشكليات، وهذا
بطبيعة الحال يؤدي إلى الابتعاد وعدم التطرق للمواضيع الحساسة والرئيسة التي تشغل المرأة وواقعها
واهتماماتها وهمومها ومشاكلها. فبدلا من معالجة قضايا مثل العلاقة بين الزوج والزوجة أو العلاقة بين الأولياء والأولاد أو العلاقة
بين المرأة والمجتمع، ومشاكل المرأة العاملة، أو على سبيل المثال مشاركة المرأة في الحياة
السياسية ومساهمتها في الحركة الثقافية والرياضية والاجتماعية نجد الصحافة النسائية منهمكة في مواضيع لا تثري ولا تفقر الغالبية
العظمى من النساء.
إذا أردنا أن نقيّم ونحكم على
الصحافة النسائية يجب علينا أن نسأل أولا ماذا نريد من هذه الصحافة؟ وما هي أهدافها، وكيف تنظر هذه الصحافة للمرأة؟ هل الهدف من هذه
الصحافة هو الإعلانات وتحقيق الأرباح؟ أم الهدف هو تغيير واقع المرأة والعمل على تطويرها
وازدهارها ورقيها ورفع مستواها التعليمي والثقافي والعمل على إدماجها في المجتمع؟. هل تهدف الصحافة النسائية إلى طرح المشاكل
الحقيقية التي تعاني منها المرأة في المجتمع بكل موضوعية وبكل صراحة وبكل حرية
وديمقراطية؟ هل الصحافة النسائية هي منبر للمرأة تجد ذاتها فيها وتعبر عن أهدافها ومطامحها، أم هي صحافة تعمل على تهميش المرأة وتفريغها من
محتواها الحقيقي؟ هل تعمل هذه الصحافة على تشجيع المواهب والعنصر النسائي في مختلف مجالات
الحياة؟ هل الهدف من هذه الصحافة هو ترسيخ العادات والتقاليد والثوابت والمعتقدات وإرساء القيم العربية الإسلامية؟ هل الهدف من
الصحافة النسائية هو بعث التراث والاهتمام بتاريخ المرأة وبتاريخ الحركة النسائية وإنجازاتها
عبر العصور؟ وأخيرا هل الهدف من الصحافة النسائية هو تحسين أوضاع المرأة وتطويرها وبذلك تغيّير الواقع أم الهدف هو تكريس الوضع
الراهن؟ ومن هنا تكون هذه الصحافة ناقلة وليست مغييرة.
في عصر المجتمع الرقمي والإعلام
الجديد والشبكات الاجتماعية يتحتم على المرأة وعلى الصحافة النسائية أن تخرج من روتين الأزياء والموضة وأخبار النجوم والفضائح وأن تلتزم
منهجية وإستراتيجية تؤهلها لأن تكون أكثر جدية وأكثر فعالية حيث تستطيع المرأة من خلال الصحافة
الملتزمة والمسؤولة أن تلعب دورها كما ينبغي وأن تكون لها كلمتها في الرأي العام وفي المشاركة السياسية وفي اتخاذ القرار. فالصحافة
الفاعلة هي الصحافة التي تغيّر والتي تنتقد والتي تصحح والتي تؤثر في مجريات الأمور، والتي
تمّكن الشرائح الاجتماعية المختلفة من تثبيت ذاتها والقيام بدورها في المجتمع على أحسن ما يرام.
بوابة الشرق