الاثنين، 11 مارس 2013

الفضائيات الصفراء..عرض الأجساد..وإمتهان الأفكار .. جديد الإصدارات الإعلامية

متابعات إعلامية /

يقدم المؤلف باسل يوسف النيرب في كتابة الجديد تحت عنوان: "الفضائيات الصفراء عرض الأجساد وإمتهان الأفكار"؛ يقدم تحليلاً لواقع البرامج التلفزيونية العربية حيث يؤكد أن الإعلام العربي لم يكن بعيداً عن مفهوم البلاهة الإعلامية، حيث أمسى كل شيئ صالح للعرض بفعل هذا الأثير غير المتناهي، ولم يسلم منها حتى المحصنون الذين انجرَّ بعضهم إلى حضيض الهاوية بعد أن تحطمت حصون الممانعة الحضارية والثقافية والدينية، فذابت القيم ، واستغرق العربي في المشاهدة حتى أخمص قدميه دون تمحيص أو نقد، ولم تعد الأسر تتحكم وحدها في جهاز ضبط الاستقبال بعد أن دخل لاعبون جدد (الأطفال والمراهقون) على الخط ، ولهم قنواتهم وبرامجهم.
ومع دخول الفضائيات الغرف الخاصة بعد أن كان وجودها حكراً على الصالونات، دخلت أشكال مختلفة ومبهرة متناقضة من ناحية برامجية، عقدت حتى أساليب التنشئة الأسرية، لأنّ أغلب المعروض فضائياً برامج استهلاكية لحاجيات وهمية تكرِّس قيماً لا تتفق مع أدنى المعايير الاجتماعية والقيمية والدينية.
والتأثيرات واضحة كما بينها المؤلف، وتتمثل في ضعف الهوية وتبلد الإحساس والعنف والانهيار الأخلاقي والقيمي وضعف التحصيل الدراسي وغيرها مما فصلته الدراسات الإعلامية الاجتماعية، ولهذا فإن التعرض المستمر لهذا المضمون الهابط لا يساهم في فرط عقد الاخلاق والقيم ولكنه يتدنى أيضاً في الذوق العام، ويصبح الجمهور أكثر تقبلاً لكل غريب وشاذ، حتى وإن مست معتقداتهم الاخلاقية.
ويؤكد المؤلف أنه كلما كان الإنتاج المهني متدني ومادي؛ كلما ارتفعت نسبة عدد المشاهدين، وهذا واقع الحال في الإنتاج العربي حالياً : تدنٍ في المضمون، وفي المقابل اتساع رقعة المشاهدة الجماهيرية، ولهذا لا يلتفت القائمون على إدارة الإنتاج في الفضائيات العربية إلى تكاليف الإنتاج لتحسين نوعية الُمنتج طالما أن هذا المُنتج يحظى بأفضل نسب المتابعة.
وأصبح العربي مغلوباً على أمره ، يخضع لتعريفات المنتج الذي يقتنص الفرصة بمجرد أن يسيطر على الشاشة ويملأها بما يراه هو مناسباً، فيتحوّل المشاهد إلى آلة لتسجيل رغبات المنتج، ويبدأ المشاهد في الانسلاخ التلقائي عن قيمه، وتتهاوى حصون الممانعة، ويغيب الرأي المخالف عن عمد ، لأن قوة الأبواق الناطقة هنا - كما يقول أمين معلوف-  تقود إلى هيمنة الرأي السائد، ولا يبقى صدى لأي رأي مغاير . والحقيقة التي لا يعترف بها الجمهور أن تدفق الصور والكلمات لا يترك مجالاً لروح النقد.
هذا التناقص كما يقول المؤلف أسهم في إفراز عرابين جدد في الإعلام؛ فبدلاً من تعزيز التفاهم بين المجموعات واحترام الخصوصيات؛ أخذت الوسائل الإعلامية العربية تلعب على أجنحة الصراعات الداخلية في كل منطقة وأقليم ، وحالة مصر والجزائر في ميدان كرة القدم أكدت على استخدام الإعلام ليكون أداة سياسية لتصعيد خلافات الجمهور، وبث أفكار لا تمثل قيمة مضافة عند المتلقي؛ بل تمثل خطورة لا سابق لها، لأنها تُسهم في تسطيح العقل الجماعي العربي، بل وتغطية الذاكرة العربية الواعية برماد كثيف لا يتزحزح، ومع مرور الزمن يتكتل ويعيق التطور والبناء الفكري والمجتمعي.
فعاش المتابع النهم مع التلفزيون من أول نهاره إلى آخر ليله كجزء أصيل من عائلته بشخصياته وبرامجه، فالعامل المشترك ما بين متابع وآخر لبرامج التلفزيون شخصية البطل أو البرنامج الذي ادمن مشاهدته، فالجميع لهم نفس الحكاية ونفس البطل والقصص الخاصة التي يشتركون فيها، ولا مانع من اسقاط همومه وتوهامته على الجهاز معتقداً أن الصندوق الأسود مبالي لمصيره.
والجمهور المتوهم يحلم ويحلم معتقداً أنه البرنامج وبطله المفضل يلتفت إليه، كونه يعكس هموم يتلضى بها وحده، وتعلق بها بعد أن تقمصها بطله المفضل، وللأسف فإن الممثل أو المقدم إنّما يتماهى مع عموم المشاهدين ليقدم لهم قصص وأحلام وهمية لا تمت لواقعهم بأي صلة.
يؤكد المؤلف إن وجود مثل تلك الفضائيات الصفراء هو في حقيقة الأمر إرهاق للجمهور بالمشاغل الثانوية بدعوى قيم الحرية، والهدف منها قبول الشباب لإحداث تغير في بنية المجتمع الأساسية، بفعل الفضائيات الصفراء وتحولات قيم السوق، ولهذا تحول الهم الخاص عند فئة محدودة من الجمهور إلى هم عام، كمناقشة حقوق المثليين في العالم العربي، أو الممارسات الجنسية قبل الزواج في تحول جديد لغرس قيم ومفاهيم جديدة عند الناشئة.
وصمتنا اليوم عن حالة الانحطاط الإعلامي ستقودنا خلال سنوات قادمة إلى المزيد من الانحدار، وعندما نجد المسببات الحقيقية لها، والتي نعرفها جميعاً ولكن نتغافل عنها عن عمد لن نجرأ حتى على النقاش حولها، ومع ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إلقاء اللوم على القائمين على الفضائيات لوحدهم لأن أغلب برامجهم مستوردة، ولكن علينا أن ننظر في المرآه التي أمامنا لنرى انعكاس القيم الأخلاقية التي ندافع عنها، فنحن وللأسف نقدم ما يعجز الغرب على تقديمه لنا، فقبل أن نزبد ونرغي ضد الأعمال التلفزيونية الأجنبية التي تقدمها بعض الفضائيات العربية مدبلجة أو مترجمة، علينا أن ندقق أكثر في قيمنا التي تغيرت هي الأخرى، وما تعرضه قنواتنا من منوعات غنائية أكثر انفلاتاً وانسلاخاً وتفسخاً من الأعمال الأجنبية بكثير، فتحولت بعض الأغاني العربية المصورة إلى كليبات جنسية بعد أن لجأت المغنيات والمغنيون إلى التعري لجذب مزيداً من الجمهور، وتحولت المرأة إلى سلعة يُتاجر بها، أما البرامج الدرامية الحديثة وهي وإن ادعى كُتابها أنها قصص من الواقع؛ فهي صادمة، متوحشة، تنهش أعراضنا وأخلاقنا بلا رحمه!! وهي اليوم المجال الرحب لوسائل الإعلام الساعية إلى تدمير القيم الاجتماعية والدينية وحتى الأفكار السياسية وفرض شروط جديداً كلياً في مشاهدة الجمهور لوسائل الإعلام.
لقد أدت كثرة الفضائيات العربية السابحة في الفضاء كما يقول المؤلف إلى جعل الإنسان العربي يستغرق في حلمه الخاص، وكلما شاهد الفضائيات أكثر تغير الحلم وفق تردد واستقطاب الفضائية التي يشاهدها، لأنه ببساطه تحول إلى مستهلك جشع لا يدري من أين تتكاثر عليه (السلع) الفضائية، وأصبح تركيزه قائم على شراء الكماليات ليشبع أحاسيسه وشهواته، ومع الكثرة التي من المفترض أن تفرز تنوعاً حقيقاً؛ أصبحت الخريطة البرامجية للقنوات الفضائية وللأسف في أغلبها مكررة، برامج الصباح للطبخ إلى في فترة ما قبل الظهر، والأخبار وهموم السياسة في أول الليل، وعند السهرة المسلسلات وبرامج Talk show، وآخر الليل أفلام عربية أو غربية ولن نتحدث مضامينها فهي المروجة للجنس والمخدرات والإنفلات الأخلاقي بدون منازع.
هذه النوعية من البرامج عززت الاتجاه غير الأخلاقي الذي تقوم به الفضائيات الصفراء في تنشيط الهيجان الجنسي عبر تغذية العقل الباطن بالمتخيل، فعمدت هذه الفضائيات إلى اختيار الطريقة ونوعية الجمهور والضيف لخدمة أغراضها.
فالتأثير السلبي للقنوات الفضائية ظهر أثره على المشاهدين للساعات الطوال، وأصبح استخدام الفضائيات وسيلة للهرب من العالم الحقيقي وأمرًا شائعاً، بعد أن تحولت إلى وسيلة مساعدة للهروب من الواقع، بفعل ما تقدمه من برامج أثَّرت على المشاهدين، وحولت الحياة المتخيلة إلى حياة حقيقية واقعية على شاشات التلفزيون فقط.
يشرح الكتاب الحالة الراهنة المسيطرة على الإعلام العربي، وتحديداً في المضمون البرامجي الذي يستلهم تجاربه الفاسدة مضموناً من منابع الفساد القيمي الإعلامي في الغرب والشرق، ليطبقها علينا في برامجه، كما يناقش الكتاب مسألة الحرية الإعلامية؛ ليؤسس حلول مستخدمة في كثير من دول العالم، ولكن ما زالنا في العالم العريي نراوح مكاننا بين معترف بحالة البلاهة الإعلامية ومنكر لها. وما بين هذا وذاك أصبح التلفزيون أداة بيد المسيطرين على السوق الإعلامي، لبث الفوضى وغسل أدمغة الشعوب العربية، وتسخيرها لمصالحهم. فإن انتصرت البلاهة الإعلامية السائدة اليوم في الإعلام العربي على الحكمة والعقل؛ فكل ما نقوم به في منزلنا ومدراسنا ومجتمعاتنا معارك خاسرة لا جدوى منها، طالما أن الإعلام ما زال بيد أصحاب النوايا غير الأخلاقية.

المفكرة الإعلامية