الخميس، 23 مايو 2013

"التسويق الإجتماعي" ابتكار جديد في مجال العلوم الاجتماعية في عصر العولمة

متابعات إعلامية / كتب / عبد القادر بن شهاب *
يعتبر التسويق الاجتماعي من أهم المجالات الحيوية في حياتنا وهو بمفهومه الشامل تجسيدا للتطورات المتلاحقة في العلوم الاجتماعية بصفة عامة ولعلم الاجتماع وعلم النفس والاتصال بصفة خاصة ، ويقدم التسويق الاجتماعي في إطار عمل يساهم في إحداث التغيير الاجتماعي ، حيث يستخدم النظريات والنماذج الخاصة بالاتصال والإقناع للتأثير في معارف واتجاهات وسلوكيات الجمهور المستهدف ويؤثر في الحركات الاجتماعية المختلفة التي تعمل كمثيرات لبعض القضايا المجتمعية الموجودة أمامنا .

وأصبح مفهوم التسويق الاجتماعي من أهم المفاهيم في عصرنا الحاضر لما له من استخدامات عديدة في مجال حياتنا على مستوى الأفراد وعلى مستوى المنظمات ، هذه الاستخدامات العديدة للتسويق الاجتماعي في تنفيذ حملات التسويق الاجتماعية في ترويج أو نشر فكرة معينة إلى مجتمع معين وكذلك بحوث التسويق الاجتماعي وما تقوم به في نقل فكرة أو مفهوم لحل مشكلة اجتماعية معينة أو نشر عادة اجتماعية كل هذه الاستخدامات للتسويق الاجتماعي أضافت شيئا جديدا في مجال العلوم الاجتماعية .

ويشكل ركنا أساسيا من بيئة العمل الصناعية في البلدان المتقدمة ، لأن الإدراك السائد هو أن بعض المواقف والأنماط السلوكية قد تؤدي إلى أحداث مشاكل اجتماعية يحتاج التعامل معها لأتباع أساليب علمية من أجل حلها . على سبيل المثال قد يعتقد بعض الأفراد غير المدركين لأهمية استخدام بعض الخدمات التي تحسن مستوى حياتهم إن بإمكانهم حل مشكلاتهم بأنفسهم دون مساعدة من الآخرين كما تعتقد بعض الأنظمة الاجتماعية بعدم عدالة تشغيل الأطفال الصغار ، وذلك لأسباب أهمها اكتسابهم لأنماط سلوكية تنطوي على نخاطر كبيرة مثل ارتكاب بعض الجرائم أو استهلاك العقاقير الخطرة في غياب شبه كامل لسيطرة أو رقابة الأجهزة الأهلية والحكومية ذات العلاقة

تعرف جمعية التسويق الأمريكية 2004م  Marketing Association American التسويق بأنه الوظيفة الإدارية التي تتضمن مجموعة من العمليات الابتكارية والاتصالية لنقل المعاني والأفكار للمستهلكين أو العملاء لإدارة العلاقات بهم بالطرق التي تحقق النفع للمنظمة المسوقة وجماهيرها الأساسية من أصحاب المصالح .

وكان بداية تحول مفهوم التسويق الضيق والمنحصر في عمليات البيع والشراء ليبدأ بعدها عهد جديد يتصالح فيه التسويق مع المجتمع من خلال مفهوم التسويق الاجتماعي ، وعلى الرغم من مرور أكثر من 50 عاما من طرح ويب لتساؤله والذي يبدو بسيطا في مفهومه إلا أن التسويق الاجتماعي بمفاهيمه النظرية وتطبيقاته العملية لم يكن في بساطة هذا التساؤل ، فالتسويق الاجتماعي له آثار وما زال يثير ثائرة كل من الأكاديميين والممارسين ويرجع ذلك الارتباك إلى تعقد مجال التسويق الاجتماعي ، وتداخله مع العلوم الاجتماعية الأخرى مثل العلوم الاجتماعية والسلوكية والإنسانية ، فالتسويق الاجتماعي باعتباره إستراتيجية لأحداث التغيير الاجتماعي للأفراد يتعامل مع الجوانب الشعورية والانفعالية والعقلية للأفراد باختلاف سمات الشخصية ومعتقداتها بل وتعدي ذلك لنجده يتعامل مع الأنظمة والأنساق الاجتماعية ولكي يستطيع التسويق الاجتماعي القيام بوظيفتين كإستراتيجية للتغيير فأنه يوظف نظريات التعلم الاجتماعي ، ونظريات الأعلام ، ونماذج التسويق التجاري ، كل ذلك جعل من التسويق الاجتماعي مجالا علميا ثريا للدراسات منذ عام 1970 وحتى الآن .

ويعتبر تنفيذ حملات اجتماعية ناجحة أمرا بالغ الصعوبة إذ ينظر الأفراد عادة إلى مثل هذه الحملات على أنها تدخل في حريتهم الشخصية في الاختيار ، خاصة عندما تهدف إلى تغيير سلوكيات واتجاهات ومعتقدات هؤلاء الأفراد ، ومن ثم تجابه الحملات الاجتماعية تحديات كبيرة فقوة العادات والتقاليد التي رسخت على مدى طويل تحول دون استجابة الأفراد بايجابية في كثير من الأحيان لمثل هذه الحملات ، فالمجال الذي تؤثر فيه حملات التسويق الاجتماعي " مجال غير ملموس " ألا وهو مجال الاتجاهات والمعتقدات التي تحتاج إلى مجهودات ضخمة لتغييرها على المدى الطويل .

هذا وتشتمل مجالات التسويق الاجتماعي على مجموعة كبيرة ومتنوعة من المشاكل الاجتماعية ولكن تبرز أهمية التسويق الاجتماعي بصفة خاصة في الحالات الآتية :
1 – حينما تكون هناك حاجة إلى نشر معلومات جديدة أو ممارسة سلوكيات جديدة ، ففي أحيان كثيرة تبرز الحاجة إلى أخبار الناس بمعلومات عن فرص أو ممارسات سلوكية تحسن من حياتهم 
2 – حينما يكون هناك حاجة إلى تقليل الاستهلاك أو التوقف عن استخدام سلوك معين ، وهذا ما يسمى بإستراتيجية تخفيض التسويق .
حيث تقوم الشركات في مختلف دول العالم بترويج منتجات غير مرغوبة وضارة بالصحة مثل السجائر والمشروبات الكحولية وأنواع من الأطعمة المصنعة بطريقة معينة والتي قد تسبب أو تساهم في أمراض القلب والرئتين وتلف الكبد وزيادة الوزن ومشاكل أخرى ، وفي ضوء ذلك فان التسويق الاجتماعي يعتبر طريقة ووسيلة فعالة لحث الناس على تبني سلوكيات صحية .
3 – حينما تكون هناك حاجة إلى تنشيط أو إثارة أو تشجيع أو تحفيز لاستخدام معين، ويحدث ذلك حينما يكون الناس على علم بما يجب أن يكون ولكنهم لا ينصرفون وفقا لما يجب أن يكون .

وهناك ثلاثة اختلافات أساسية بين التسويق الاجتماعي والتسويق التجاري هي :
1 – يسعى التسويق التجاري إلى تلبية احتياجات ومتطلبات السوق المستهدف .
2 – الهدف الأساسي للمسوقين التجاريين هو إحراز الفائدة من خلال خدمة أغراض السوق المستهدف – في حين أن ما يهدف إليه المسوقون الاجتماعيون هو تلبية حاجات السوق المختلفة من خلال ترويج فكرة أو اتجاه دون إحراز منفعة شخصية .
3 – يسمى المسوقون التجاريون إلى تسويق المنتجات والخدمات ، بينما يقوم المسوقون الاجتماعيون بتسويق الأفكار نفسها أكثر من المنتجات والخدمات .

وعموما فأن التسويق الاجتماعي يعتبر إضافة فعالة لاتخاذ القرار والتخطيط في فإذا كانت الدول النامية تعاني من مشاكل اجتماعية مثل تنظيم الأسرة ، والوعي الصحي والتغذية ومحو الأمية ، فإن الدول المتقدمة تواجه هي الأخرى مشاكل اجتماعية مثل تفشي الجريمة ورعاية الطفولة والتدخين والمخدرات وتلوث البيئة ولاتي باتت تعاني منها كافة الدول المتقدمة والنامية ، ومن هذا المنطلق فأن التسويق الاجتماعي يلقى قبولا واسع النطاق كإستراتيجية هامة وفعالة لجذب الناس الذين يستخدمون الخدمات الاجتماعية وتزويد أولئك الذين يعملون في مجال الخدمات الاجتماعية بموضوعات وتطبيقات جديدة في هذا المجال وكذلك مساعدة منشآت الخدمات الاجتماعية في الاستجابة لحاجات المستهلكين الاجتماعية والتكيف مع الظروف المتغيرة .

وبالنسبة لبحوث التسويق الاجتماعي فأنها تعتبر الأداة المساعدة للمخطط الاجتماعي عند تنفيذ ومتابعة الحملات الاجتماعية الجارية أو التي سيجري توجيهها مستقبلا للمعنيين في الأسواق المستهدفة . وذلك إن أتباع خطوات البحث التسويقي لجمع البيانات والمعلومات عن الخصائص الديموغرافية والنفسية والقيم والعادات والتقاليد للجهات المستهدفة يعتبر ذا أهمية كبيرة للمخطط الاجتماعي التسويقي والذي يستخدم ما تم جمعه من معلومات وبيانات عن الأفراد والأسر أو الشرائع الاجتماعية المستهدفة عند رسم الخطط والبيانات والبرامج والأدوات الممكنة استخدامها لتنفيذ وتوجيه ما يجب توجيهه من حملات اجتماعية وبأساليب تسويقية علمية وواقعية .

 وتتضمن مجالات بحوث التسويق الاجتماعية العديد من المجالات والموضوعات ذات العلاقة الأمور الاجتماعية والاقتصادية والصحية والنفسية المرتبطة بحياة الأفراد والأسر وكافة أفراد المجتمع بشكل عام ويمكن إيراد مجالات بحوث التسويقي الاجتماعي كما يلي :
1 – القضايا المرتبطة بقيم وعادات وتقاليد المجتمع وقراراتها الشرائية والسلوكية
2 – تركز المجالات الاجتماعية إستراتيجيتها التسويقية والاتصالية لمحاربة ظاهرة الفقر والأمية والتسول وعدم العمل بمهن قد لا يكون قبول اجتماعي .
3 – تلجأ بعض الدول النامية لتصميم وتنفيذ دراسات أو بحوث تسويقية اجتماعية للتعرف على تلك العادات والتقاليد ومدى ترسيخها أو أسباب تمسك الأفراد أو الأسر بها .
4 – كذلك تمتد بحوث ودراسات التسويق الاجتماعي إلى التعرف على أنماط التغذية السائدة للأفراد والأسر والمجتمع كله وذلك لهدف التعرف على أنماط التغذية السلبية في الأسرة أو المجتمع .
5 – كما يتسع نطاق وبحوث دراسات التسويق الاجتماعي إلى جمع معلومات وافية عن القدرات الذاتية للأفراد والأسر بهدف تحديدها وتحديد مستوى المعيشة الحالي بمختلف الشرائح الاقتصادية والاجتماعية .
6 – وتشمل بحوث التسويق الاجتماعي جمع معلومات وبيانات عن السلع التي تنتج محليا أو التي تستورد من الأسواق الخارجية بهدف التأكد من مواصفاتها .
7 – أما بالنسبة للخدمات فأن بعض بحوث ودراسات التسويق الاجتماعي تتركز حول مدى الحاجة لهذه الخدمات للمستهلكين ومدى اتفاقها مع حاجته وأذواقهم وقدراتهم الشرائية .
8 – أيضا تتسع هذه الدراسات أو البحوث الاجتماعية التسويقية لتمتد إلى كافة القضايا الاقتصادية المرتبطة بتسويق فلسفة اقتصاد السوق وتقديم وتحرير الأسعار

ويشير ( katlar & Fox   ) إلى وجود اتجاه متنامي للتوسع في استخدامات التسويق الاجتماعي في معالجة العديد من القضايا الاجتماعية وبالتالي فان التغيير الاجتماعي لم يعد في حاجة إلى مجرد معلنين اجتماعيين وإنما إلى تطبيق المفهوم المتكامل للتسويق الاجتماعي ، وهذا يقتضي ضرورة توافر مسوقين اجتماعيين على درجة عالية من الأعداد والتدريب وذلك على النحو التالي :
1 – التدريب على أساليب وأدوات وتكنولوجيا التسويق مع التركيز على مايلي :
 دراسة وتحليل السوق – التحليل الاقتصادي – نظرية الإدارة .
2 – حيث أن المسوق الاجتماعي يسعى إلى تغيير السلوك فأنه يكون في حاجة إلى التدريب على المفاهيم الأساسية للعلوم التالي: علم النفس – علم الاجتماع – علم النفس الاجتماعي – علم دراسة الأجناس – علوم الاتصالات .
3 – أن التسويق الاجتماعي يتناول قضايا ومشكلات ذات طبيعة اجتماعية ...