الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

"تاريخ الصحافة في حضرموت" .. الحضارم والصحافة

متابعات إعلامية / الشارقة / كتب / د. أحمد عبد الله السومحي
الحضارم والصحافة:

* محاضرة للسيد محمد بن احمد بن عمر الشاطري.

القاها بالمكتبة السلطانية بالمكلاء عام 1945.

الجزء الأول:

تصدير د. احمد عبدالله السومحي.

جامعة الشارقة دولة الأمارات العربية المتحدة.


أثار عرض ما اشار اليه الأستاذ علي الكثيري، عن الأدب في الصحافة الحضرمية في العدد(34) من (شعاع الأمل) مارس 2004 ، ذاكرتي البعيدة حيث طافت بذهني طائفة تنبهني الى اني قد قرأت شيئا شبيها به او قريبا منه اويمت اليه بصلة. ولما عدت الى اوراقي القديمة افتش فيها عثرت على هذا الشيء الذي اثاره نوه عنه الأستاذ الكثيري ولم يكن ذلك سوى محاضرة للسيد محمد بن احمد بن عمر الشاطري رحمةالله عليه القاها بالمكتبة السلطانية بالمكلاء عام 1945 ، قبل ستين عاما بعنوان (الحضارم والصحافة(.
واهمية المحاضرة في تأريخها للصحافة الحضرمية منذ انشائها في اوائل القرن العشرين حتى عام 1945 ، ساء كانت هذه الصحافة في حضرموت او خارجها في المهاجر الحضرمية. ولهذه الأهمية بعثت بها للنشر على صفحات"شعاع الأمل".
بعد ذلك التاريخ ازدهرت الصحافة الحضرمية حيث صدرت تباعا في الخمسينات والستينات " الطليعة" و" الرأي العام" و"الرائد". قبل ان تنحسر ثم تتوقف في نهاية الستينات.
وادعكم للأصغاء للمحاضر فالحقائق فيما سيقوله الشاطري رحمة الله عليه:

المحاضرة (الحلقة الأولى(
ايها السادة اني لست بحاجة الى ان أبين لحضراتكم ماللصحافة من الأثر الفعال المباشر في نهضات الأمم وتقدمها وانها من أكبر العوامل في بعث الروح القوية على اختلافها من قومية ووطنية ودينية.
ومن تحصيل الحاصل ان اقول لكم ان الصحافة هي التي تأخذ بايدي كل شعب حاير متسكع في حياته المظلمة الشائكة مثل شعبنا الحضرمي المسكين فتهديه الى حياة السعادة، حياة العلم، حياة الحرية حتى تخلق منه مثلا عليا في جميع هذه النواحي.
لولا الصحافة لما استطاع الكتاب ان يصولوا ويجولوا في ميادين العراك الأدبي والثقافي والنضال السياسي، ولما تمكنوا من معالجة شتى الأمراض الأجتماعية والقضاء على الأوبئة الفتاكة، وتطهير المجتمع وتنقيته من الفساد الخلقي وشروره. ولما استطاعوا ايضا ان يمحصوا أرائهم وان يثبتوا مباديئهم ويوحدوا جهودهم ثم يوجهوها الى غاياتها النبيلة.
ولو فرضنا ان بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم تأخرت الى هذا العصر فأنه طبعا سينشر الدعوة الأسلامية ويبشر وينذر بواسطة الصحف وغيرها من وسائل النشر الحديثة طبقا لما يقدره الأسلام من الأستفادة من كل جديد مفيد ولله در شوقي حيث يقول:
لكل زمان مضى آية *** وآية هذا الزمان الصحف
لسان البلاد ونبض العباد*** وكهف الحقوق وحرب الحتف
تسير مسير الضحى في البلاد*** اذ العلم مزق فيها الصدف
وتمشي تعلم في أمة *** كثيرة من لايخط الألف
الغربيون ايها السادة يلقبون الصحافة بصاحبة الجلالة ويعرفون لها من المكانة والقدر مانعد نحن وامثالنا فوق الواجب، لعدم تمكن المذاييع (الراديوهات) المنتشرة في هذا العصر من مزاحمتها. فهل قللت شيئا من مكانتها ونفوذها؟.
واظنكم ستوافقونني اذا اجبت بالسلب خصوصا الصحف والمجلات المصورة التي لحتى الآن لا يستطيع المذياع ان يقوم بمهمتها. واذا كان للراديو فضل الأسبقية والسرعة في النشر فبالنسبة للمستمع فأن للصحف ايضا فضل البقاء والخلود والتفصيل الشافي عند تداول القضاياء، ويمكننا ان نختصر المسألة ونقول ان الراديو انما هو وسيلة من الوسائل التي نتمكن بواسطتها ان نسمع النشرات بأذاننا في حين ان الصحف تتيح لنا القراءة بأعيننا.
ولكن يا أهل هل ترون ان الرأي العام الحضرمي ينظر الى الصحافة بهذه النظرة التي ذكرتها؟. وهل يعتقد هذا الأعتقاد كله؟. مع العلم ان التعبير بالرأي العام الحضرمي فيه كثير من التجوز والتسامح.
والجواب في هذا يختلف بأختلاف الأدوار التي اجتازها الشعب الحضرمي في تاريخه الحديث ومضمون هذا الجواب كما لايخفاكم يثبت ان لنا رأيا عاما على نحو ما ولو على الأقل بالنسبة لمتنورينا ومثقفينا القليلين بصرف النظر عن كون(الرأي العام) مصيبا او مخطيئا وعن امكان استغلاله ام لا.
اماعن تاريخ الصحافة الحضرمية فأليكم موجزا عنه بما قل ودل:
فقد عرف الحضارم الصحافة كمؤسسين للصحف ومديرين ورؤساء تحرير من زمن يقدر ربما قبل العقد الرابع من هذا القرن الهجري والعقد الثاني الميلادي من القرن العشرين، اما فيما قبل ذلك كان الحضارم الا النادر منهم يتقززون من الصحفوالمجلات وينظون اليها كنظرهم الى الجيفة القذرة التي يغضون عيونهم عن النظر اليها ويكمون افواههم وانوفهم خوفا من شمها، شأنهم في هذا شأنهم مع كل اصلاح جديد يدخل عليهم
وقد كان الشباب المتنور اذا أراد الواحد منهم ان يطالع بعض الصحف التي تتسرب من الخارج في الخفاء ينزوي بنفسه الى حصن حصين حيث يأمن فيه من عيون الرقباء ووشاية الواشي به الى أرباب النفوذ الروحي والاجتماعي من الشيوخ وغيرهم، وكيف لايعمل لنفسه هذه الأحتياطات كلها وهو يريد ان يرتكب جريمة تعد من أكبر الجرائم اذ ذاك عندهم في ذلك العهد وهي مطالعة(اوراق الخبر)، وأكبر حجة يحاربون بها الصحف هي انها في زعمهم مخالفة لسيرة السلف، والحقيقة ان سيرة السلف لا تحارب الجرائد وانما تؤيدها وتناصرها فيما تحمله من حق وحقيقة، وكأن جهلهم بهذه السيرة لا يقل عن جهلهم بقيمة الصحافة. والمرءعدو ماجهل. وهذا مثال من كثير من الأمثلة التي تعطينا صورة طبق الأصل عن حالة الثقافة العامة وقتذاك
وبالرغم من هذا كله فيمكننا ان نقول ان أبناء حضرموت قد سبقوا اخوانهم ليس من ابناء اليمن فحسب بلومن ابناء الجزيرة العربية كلها في البدء باصدار الصحف والمجلات.
اما ذلك الدورالمؤلم الذي وصفناه فقد اجتزناه بما فيه من خير وشر وسعادة وشقاء ومر علينا كما مر على كثيرين من الشعوب قبل بداية نهوضها وسرعان ماوصلنا فيما بعد الى دور هو أخف وطاءة وأكثر تسامحا وأبعد عن الفشل ففي العام 1337 حوالي 1917 م انتشرت بتريم فكرة اصدار صحيفة اخبارية ادبية ولكن من هو الذي سيجرؤ على ذلك ويضحي بسمعته بين الشيوخ والعامة وينصب نفسه غرضا لسهام الشتائم والتقريع؟. ولما يزج بنفسه في ذلك المأزق الحرج؟.
في الحلقة القادمة سنكشف عن مصير الذي بادر باصدار اول صحيفة في مدينة تريم متحديا بهذه البدعة ارادة الشيوخ. وكيف انتهت أزمة اصدار صحيفة، وكيف صدرت؟...... الأجابة في العدد القادم ان شاء الله
نشر في "شعاع الأمل" لشهر يوليو 2004



الحضارم والصحافة.

محاضرة الاستاذ: محمد بن احمد بن عمر الشاطري.

القاها في المكتبة السلطانية بالمكلاء عام 1945 م.

الجزء الثاني.
لقد تصدى شاب هو السيد شيخ بن عبدالرحمن بن هاشم السقاف عضؤ جمعية نشر الفضائل واستاذ في احدى مدارسها فأصدر جريدة حضرموت وهي غير جريدة حضرموت التي يحرر فيها الأستاذ محمد بن هاشم في المهجر الاندونيسي كما ان ابن هاشم هذا غير ابن هاشم ذاك.
أصدر الشاب المشار اليه أول صحيفة خطية اسبوعية عرفها الحضارم في عقر دارهم وكان يقوم بادارتها ظاهرا ويشاركه نخبة من اعضاء تلك الجمعية في القيام بتحرير كل مافيها سرا.
ولما صدر العدد الأول منها ثارت ثائرة الشيوخ وصبوا جام غضبهم على مديرها الذي لم يستطع هو ورفاقه ان يدافعوا عن جريدتهم سوى مدة وجيزة أصدروا في خلالها أربعة اعداد فقط ثم خنقت صحيفتهم في مهدها. فضل اؤلئك الشباب متألمين من هذه المعاملة القاسية التي أحدثت ردود فعل سريعة عجلت بأصدار الأستاذ علي احمد باكثير في أعقاب ذلك مجلة(التهذيب)، بمدينة سيئون وبالتزامن بادر الأستاذ عبدالله احمد بن يحيى بأصدار زميلتها مجلة(عكاظ). وكلتا المجلتين أدبية شهرية خطية ولكنهما لم تدما طويلا ولم تصدر من كل واحدة منهم سوى بضعة أعداد لأسباب في مقدمتها عدم وجود كتاب ونساخين واستطاع الأستاذ باكثير فيما بعد ان يتم مجلته الى سنة كاملة ثم طبعها على نفقة الثري ابوبكر بن شيخ الكاف.
اما في العقد الماضي أي مابين سنة 1356 هجرية الموافق سنة 1935 ميلادية، وسنة 1364 هجرية الموافق 1945 الميلادية، فقد حدث انقلاب عجيب وتطور غريب فقد تمخضت حضرموت من أقصاها الى أقصاها وفي ساحلها وداخلها بحركة صحافية تبشر بمستقبل مزهر فقد صاحب عودتها أمن واطمئنان بعد ان كانت تهاجم وتطارد بين الأوساط الحضرمية حتى طعنت جمود الجامدين والمعارضين طعنات لفظت بها معارضتهم النفس الأخير والحمد لله. فصدرت في سنوات متقاربة في هذا العقد نفسه صحف ومجلات عدة ففي الشحر أصدر السيد عبدالقادر بن احمد بافقيه جريدة لا أستحضر اسمها الآن.
وفي المكلاء صدرت صحيفة (المنبر) التي يديرها نخبة من شباب المكلاء يرأسهم الشيخ يسلم بن عبد حوالي 1358 هجرية 1937 م، وهي اول صحيفة حضرمية مطبوعة اذا استثنينا جريدة (النهضة) الحضرمية التي أصدرها الشيخ الطيب الساسي بصفتها لسان حال المؤتمر الأصلاحي الحضرمي بالمكلاء. ولكن لم يصدر منها سوى عدد واحد حيث عطلت لأسباب سياسية، وحلت (المنبر)، بعد ذلك محل(الأخاء)، التي تصدرها جمعيتنا جمعية الأخوة والمعاونة بتريم ويحرره نخبة من اعضائها، وصدرت في بادي الأمر خطية سنة 1357 هجرية 1938 م. ثم جلبت لها مطبعة يدوية واستمرت نحوا من سنتين ثم أرغمتها ظروف الحرب الحاضرة على الأحتجاب، ولاتزال مجموعتها محفوظة وفيها مقالات ممتعة وبحوث قيمة وكثير منها بقلم الأستاذ النابغة محمد بن هاشم بن طاهر.
وفي ذلك الوقت نفسه تصدر في مسيلة آل الشيخ مجلة(الحلبة) بفتح الحاء، التي يديرها موسى الكاظم بن يحيى احد أفراد البعثة الحضرمية المتخرجة من العراق فيما بعد وكان الأستاذ ابن هاشم المشار اليه، يمده بالمقالات النفيسة.
واذكر بهذه المناسبة انه لما وصلت أعداد قلمية منها الى مصر أعجب بها كثير ممن اطلعوا عليها وأشفقوا على أصحابها من العناء الذي يتحمله في سبيلها حتى كتب الأستاذ محمد علي الطاهر كلمة في جريدتة (الشباب) حولها وأثنى على نشاط محررها كماأنحى باللائمة على الأغنياء البخلاء في وطننا الذين لايساعدونها وصرح بأسم البعض منهم. 
وصدرت في ذلك العصر ايضا في شبام جريدة تدعى ( الضمير) ، وفي سيئون جريدة أخرى اسمها (سيئون) وكل هذه الجرائد اليوم وقفت او احتجبت لأسباب يرجع معضمها الى عدم توفر الوسائل المادية والأدبية لتسييرها ولم يبق بحضرموت اليوم من الصحف سوى صحيفتين بسيئون تدعى احداهما(زهرة الشباب) والأخرى (الشباب) يتدرببعض الشبابعلى الكتابة وقرض الشعر فيهما وما ادري، هل هما لاتزالان باقيتين الى هذه الليلة؟. ام لا؟. مع العلم انهما خطيتان، سوى جريدة (الأستاذ) التي تصدر من غيل باوزير. 
وفي الحقيقة ان هذا العصر ظهرت فيه بوادر نهضة ثقافية شاملة ليست في الصحافة فحسب بل وفي جميع نواحي الثقافة الأخرى في أندية وجمعيات ومكتبات ومدارس للبنين والبنات وبعثات في الداخل والخارج، وأصبح كثير من الشباب الحضرمي نفسه يحس ويشعر بوجوب التعليم والثقافة، الأ انه، ويا للأسف، استعداده حتى مع ذلك الشعور، ظل ناقصا. والى الآن لايمكننا بسهولة ان نوجهه توجيها تاما الى غاية دينية ووطنية واخلاقية ليبني على مباديئها دعائم نهضته الحديثة. وعلى كل حال فأنتم أيها الشباب، انتم المسؤلون عن أنفسكم وانا منكم طبعا. 
فالى الجزء الثالث. 

نشر في مجلة "شعاع الأمل" عدد(38) لشهر أغسطس 2004م.