الخميس، 14 نوفمبر 2013

الخطاب الإعلامي النبوي

متابعات إعلامية / كتب / صالح يوسف صالح
لم يكن الإعلام وسيلةً هامشيةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،فقد كان الإعلام - وما يحتويه من عمليات اتصالية - من الركائز التي اعتمد عليها صلى الله عليه وسلم ، حتى وصلت رسالته الربانية كافة أرجاء الأرض وتناقلت عبر الأزمنة جيلاً بعد جيل ، وإن تبليغ هذه الرسالة الخالدة قد أودعها ربُ العالمين عن طريق الوحيّ الأمين ، التي أوحاها للإمام المبين ، الذي أخرجها للناس أجمعين، وقد تأصّلت هذه العملية الاتصالية في قوله سبحانه وتعالى: "ولقد وصلّنا لهم القول لعلهم يتذكرون" سورة القصص، الآية 51.
وقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم (علم الاتصال) بشتى أنواعه، وكان الطريق الأمثل للإعلام الناجح والفعّال، وطبّق جُلّ فنونه في نشر كل ما يحمله الدين الإسلامي من عقائد وشرائع وتعاليم سماوية، فيما كان إطار العملية الاتصالية النبوية يتمثل في هذه الأسس: (مرسل) وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، (مستقبل) وهم المدعوين من الناس ، (رسالة) وهي المنهج الرباني الإسلامي، و(وسيلة) وهي الأداة التي انتقلت عن طريقها الرسالة، وبهذا كوّنت تلك العملية رسالة اتصالية سليمة ومتكاملة نتج عنها (تغذية راجعة) اتسمت تارةً بالقبول وأخرى بالعدول .
والطرق الاتصالية التي عمد إليها النبي صلى الله عليه وسلم متنوعة وكثيرة ، فقد استخدم صلى الله عليه وسلم في مطلع دعوته طريقة (الاتصال الشخصي) مع المقربين من أهله وأصحابه ، فأسس دعوته ضمن أساس قوي وراكز، ثم اتجه نحو (الاتصال الجمعي) بدار الأرقم، لاسيما بعد أن ازداد الداخلون في الإسلام، فأوصل رسالته لهم بكل سلاسة دون (تشويش) ، وما أن صدع بدعوته صلى الله عليه وسلم حين أمره الله جلّ شأنه بقوله: "فاصدع بما تؤمر" سورة الحجر، الآية 94 ، حتى قام صلى الله عليه وسلم بعملية (الاتصال الجماهيري)، حين جمع آل قريش في صعيد واحد ليبلّغ أمانته ودعوته ، فسمعتها الآذان ورددتها الألسن وتواترها البشر، وبلّغها الحاضر للغائب والمقيم للمسافر.  
وما إن قوت شوكة الإسلام وذاع صيت الرسالة المحمدية ، حتى تطرّق النبي صلى الله عليه وسلم للاتصال (المكتوب) من خلال تدوين الرسائل، وذلك لإيصالها لأمراء كافة الأمصار، فقد كان أحياناً يبعث المكتوب بنفس لغة (المستقبل) ، وأخرى يجعل حامل الرسالة من أحد أفراد قوم ذلك المستقبل ، حتى يتم إكمال إجراءات العملية الاتصالية ومن ثم انتظار (ردّة الفعل) ، ولم تكن هذه (الوسيلة) الوحيدة في ممارسة العملية الاتصالية، فقد تعددت الوسائل وكان من أهمّها (الخطبة، الدواوين، الشعر، والخواطر ... وغيرها).
كانت (الخطبة) من أعظم الوسائل التي مارسها النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ دعوته، فتباينت تلك الخطب ما بين خطب (أسبوعية) كخطب الجمعة ، وخطب (سنوية) كخطب الأعياد ، وكذلك الخطب العامة الإرشادية والتعليمية ، إضافة إلى الخطب الطارئة والعاجلة ، كالتي تكون في الحروب والمعارك، أو كالتي تمس الجوانب السياسية كخطب صلح الحديبية وغيرها الكثير، أما الوسائل الأخرى كترسيخ حفظ الأحاديث النبوية والدواوين ، أو الأشعار والخواطر، فما زالت تنّقل للأجيال سنّة النبي الكريم وتفاصيل هديه القويم صلى الله عليه وسلم.
من جانب آخر، استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أهم الاستراتيجيات الإعلامية مع (الجمهور) المُخاطب ، فقد طبّق (الاستراتيجية العاطفية) للوصول إلى القلوب والمشاعر، بينما نفّذ (استراتيجية الحجج والبراهين) للتأثير على العقل وتيسير (العملية الإقناعية) ،علاوة على ذلك فقد استخدم صلى الله عليه وسلم (إستراتيجية الإعلام والإخبار) للتبليغ بكل ما هو قد مضي وما استجد ، فضلاً عن استخدامه (إستراتيجية الصورة الذهنية) التي سعى من خلالها إلى خلق إيحاء إيجابي وتخيّل حقيقي لوصف واقع الآخرة وجزاء المسلم فيها ، وأيضاً تعزيز تلك الصورة بوصف مظاهر الجنة ونعيمها ، وتبيان عذاب النار وجحيمها.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كوّن النبي صلى الله عليه وسلم ثقافةً للنشر وإعادة النشر بأسلوب مثالي فعّال ، وذلك عندما انشئ صلى الله عليه وسلم (مجموعات تواصلية) أثناء بيعة العقبة الثانية ، ووضع على رأس كل (مجموعة) نقيباً مبلّغاً - قال المولى عزّ وجل: "وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً.." سورة المائدة الآية 12- وذلك ليساهم في توصيل رسالةٍ سليمة والتأكد من قبله بوضوحها .

مجلة علاقات