الاثنين، 16 ديسمبر 2013

فيما يعيد إلى الذاكرة نشأة الصحافة الحضرمية في أرخبيل ملايو عام 1900م .. الباحث الأكاديمي الماليزي عبدالله بوقس لـ«المكلا اليوم»: الماليزيون يتمسكون بزمام تعلم اللغة العربية الفصحى باعتبارها لغة المسلمين

متابعات إعلامية / كوالالمبور / زياد بن عبد الحبيب
شهدت ماليزيا هلال العقدين الماضيين قدر كبير من الانفتاح الأقتصادي والثقافي والذي أدى بدوره إلى انفتاح كبير في المجال الإعلامي، لكن الإعلام الماليزي ظل يتميز بخصائص كثيرة تجعله مختلفاً عن غيره، تتمثل في قيامه بدور كبير في تقويم المجتمع، وفي عملية تطوير الدولة والممارسة الديمقراطية في مجتمع متعدد الأعراق والاديان بطريقة تختلف عن الأسلوب الغربي الليبرالي. 
ومما يلفت الانتباه في الأونة الأخيرة، تزايد وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في ماليزيا والتي تتنوع بين الترويج السياحي والتسويق التجاري وغير ذلك. وهو ما يعيد إلى الذاكرة الصحافة العربية الحضرمية التي نشأت في عام 1900م تقريباً في بلدان أرخبيل الملايو بصفة عامة (في إندونيسيا وسنغافورة تحديداً.
للحديث عن الإعلام في ماليزيا لاسيما الإعلام الناطق باللغة العربية، المكلا اليوم اجرت هذا الحوار مع الباحث الإكاديمي الماليزي الأستاذ/ عبدالله بوقس، وهو باحث متخصص في الإعلام والاتصالات، ويحضر حالياً الدكتوراة في مجال الاعلام المقروء، ويقوم بدراسة تحليلية لنصوص الاخبار في الصحف الماليزية، كما يعمل في المكتب الإقليمي لوكالة الأنباء الكويتية "كونا" في كوالالمبور والذي له نشاط إعلامي في جميع دول تكتل (آسيان) العشر.


• لنبدأ من سؤالك عن نشأة الصحافة وتاريخها في ماليزيا ؟
لايوجد شيء موثق اطلعت عليه شخصياً في تاريخ الصحافة بمسماها الحديث في فترة ما قبل الاستعمار، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن أول صحيفة في تاريخ ماليزيا كانت بعد دخول الاستعمار الإنجليزي، وكانت تصدر باللغة الإنجليزية، وهي صحيفة The Prince of Wales Island Gazette ، وكانت تهتم بشئون الاستعمارالإنجليزي في الإقليم، وكانت تطبع في مدينة بينانج عام 1806. وبعد نضال وجهود جبارة من قبل بعض الملايويين الغيورين على لغتهم الملايوية، استطاعوا إصدار أول صحيفة بلغتهم الأم، وهي صحيفة Jawi Peranakan الأسبوعية، وذلك عام 1876، وكانت تُكتب بالحرف الجاوي، وتصدر من سنغافورة قبل انفصالها عن ماليزيا. ونظراً للبون الشاسع بين فترة إصدار أول صحيفة باللغة الملايوية وإصدار أول صحيفة باللغة الإنجليزية، فقد ثار الماليزيون عبر هذه الصحيفة بانتقاداتهم للسياسة الإنجليزية في البلاد، خصوصا فيما يتعلق بترسيم الأعياد الدينية فيها، حتى أقفلت الصحيفة عام1895. كما أصدر الملايويين بالحرف الملايو العديد من الصحف، ومنها نجوم الفجرعام 1877، والشمس والقمر عام 1877، وغيرها من الصحف، وكانت معظمها تطبع في سنغافورة. وحسب ما اطلعت عليه من مصادر فقد كانت جميع تلك الصحف متأثرة بالصحف المصرية في تلك الحقبة من الزمان، وكان مالكوها ماليزيين من أصول عربية أو هندية. وتعتبر صحيفة (أوتوسان ملايو) الصادرة عام 1939 حتى يومنا هذا، أول صحيفة ملايوية أسست من قبل مجموعة من القوميين الملايويين من بينهم يوسف إسحاق الذي عُين فيما بعد أول رئيس لسنغافورة، وكان أول رئيس لتحرير هذه الصحيفة عبدالرحيم كاجاي الذي يعد الأب الروحي للصحافة الملايوية الحديثة. وبعد استقرار الصينيين في بلاد الملايو أصدروا أول صحيفة لهم، وهي صحيفة Lat Pau، وذلك عام 1881، وكانت تهتم بأخبار الاضطرابات السياسية في الصين آنذاك. أما أول صحيفة هندية، فقد كانت باللغة التاميلية، وهي صحيفةSingai Warthamani، أصدرت عام 1875، وكانت تهتم بشؤون الهنود في بلادالملايو. بشكل عام، كانت جميع الصحف في ماليزيا قبل الاستقلال متعاونة مع الاستعمار الإنجليزي بشكل أو بآخر، مع وجود بعض الصحف المعارضة للاستعمار الانجليزي، لكنها لم تؤثر كثيراً في شل حركة الاستعمار الإنجليزي وسياساتهم في الترويج والتأثير على الرأي العام عبر صحفهم ووسائل إعلامهم. 
وبعد أن أعلن عن استقلال البلاد عام 1957، نشطت حركة الصحافة في ماليزيا، وانتقلت العديد من الصحف إلى العاصمة كوالالمبور، وخاصة بعد أن استقلت سنغافورة عن ماليزيا. وأصبح عدد الصحف الصادرة باللغة الماليزية سبع عشر صحيفة، وخمس صحف باللغة الانجليزية، وخمس صحف باللغة الصينية، وثلاث صحف باللغة التاميلية، وصحيفة واحدة باللغة البنجابية. فتطورت بعدها حركة الصحافة في ماليزيا، وتوسعت اهتماماتها ووجهاتها وأساليبها. لكن المُلاحِظ في تاريخ الصحافة الماليزية هو إنه لايجد فيها اهتماما كبيرا بالصحف العربية، عدا بعض الكتب أو المجلات الدورية المنسوبة لبعض المؤسسات التعليمية كالجامعات أو المدارس، بالرغم من سابقية دخول العرب إلى بلاد الملايو وفضلهم في نشر الإسلام في أرخبيلها. ولا أعلم حسب مراجعي أن هناك صحيفة عربية متكاملة أصدرت من ماليزيا سوى صحيفة (أهلا) والتي أنشأت في اليوم الأول، من شهر يوليو، عام 2005، وكانت في بادئ أمرها صحيفة تهتم بالشؤون السياحية في البلاد، ثم ما لبثت أن تطورت وأصبحت صحيفة عامة تغطي جميع جوانب الحياة، الاجتماعية منها والاقتصادية والإسلامية والسياسية والرياضية والفنية. وتعاقب على رئاسة تحرير هذه الصحيفة منذ تأسيسها الأستاذ إبراهيم الفارسي مصري الجنسية وهو محاضر في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، والزميل شفيق بن نور الدين وهو ماليزي يعمل حاليا في المدارس السعودية بكوالالمبور، والزميل خالد الشطيبي أبوهبة من المغرب ويعمل حاليا مع وكالة الأنباء الماليزية، ثم الزميلة امتنان محمد سلطان وهي اندونيسية من أصول حضرمية. وقد عملت مع جميع الزملاء السابقين في الصحيفة منذ تأسيسها إلى أن عينت رئيسا للتحرير في 2007 و2008 قبل أن أنضم إلى وكالة الأنباء الكويتية، وبعدها استمرت الصحيفة وترأسها العديد من الزملاء أمثال محمد النجار من مصر، ومحمد نائل من فلسطين، وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم. . والملاحظ في سياسة هذه الصحيفة أن رؤساء تحريرها لايستمرون لأكثر من سنة واحدة كما أسلفت سابقا بسبب الأمور المادية، والتخبطات الإدارية، إضافة إلى أنها كانت تعتمد على الطلبة العرب للعمل في قسم التحرير والتسويق والتصميم، وكانوا يعملون فيها بدوام جزئي، وسمعت بأنها أقفلت منذ سنتين ولا أعرف سبب إقفالها. وفي الأربع سنوات الماضية ظهرت العديد من الصحف والمجلات الماليزية، ومنها مجلة أسواق، ومجلة الاستثمارية، إضافة إلى الصحف العربية ومنها  صحيفة الأثير وأعمل مستشار لقسم التحرير فيها، وصحيفة أراد، وصحيفة الشروق الإلكترونية، وغيرها. كما ظهرت مجلات أخرى ثم اختفت مثل مجلة أماكن، ومجلة رحّال.


• مع كونك باحث في قضايا الإعلام، لكنني أود أن أسألك عن تجربتك الإعلامية مع وكالة الأنباء الكويتية "كونا" التي تعد المصدر الأول الأول لأخبار ماليزيا لدى كثير من القراء العرب ؟
بدأت العمل كمراسل لكونا منذ عام 2008، وهي وكالة حكومية غير ربحية تتبع لوزارة الإعلام في دولة الكويت، وتعد من أقدم وكالات الأنباء العربية، أسست في تاريخ 6 أكتوبر عام 1976، وحددت أهداف الوكالة بالعمل على تجميع الأخبار وتوزيعها على المؤسسات الإعلامية والأفراد لتزويدهم بالخدمة الإخبارية الموضوعية غير المتحيزة والأمينة، وإبراز قضايا الكويت العادلة في المحيط الإقليمي والدولي.
وافتتح مكتب كونا مجددا في كوالالمبور كمكتب إقليمي في عام 2004، وكان للوكالة وجود في ماليزيا قبل احتلال النظام العراقي السابق للكويت.. وهذه الوكالة مسجلة رسميا في وزارة الإعلام الماليزية، وتنسب أعمالها الإدارية لوكالة الأنباء الماليزية (برناما) مثلها مثل بقية وكالات الأنباء العالمية.
ويهتم مكتب كوالالمبور بتوطيد العلاقات الثنائية بين الكويت وماليزيا، ونجح إلى حد ما الإسهام في تعزيز هذه العلاقات لاسيما الاقتصادية والاستثمارية منها، كما يقوم المكتب بتغطية جميع الأحداث والفعاليات في الدول المنضوية تحت رابطة (آسيان) وهي عشر دول إضافة إلى دولتي استراليا ونيوزيلاند.
حقيقة التجربة في الصحافة الحكومية مفيدة في الدرجة الأولى، وهي منطلق مهم لأي صحفي لكي يتفهم نوعية لايستهان بها من أنواع الصحافة بشكل خاص والإعلام بشكل عام، وكما تعرف أن هناك نظريات إعلامية جديدة خرجت منذ التسعينيات، وأدخلت بشكل أو بآخر مع العلوم الإدارية والتقنية المعلوماتية، فشكلت بذلك أنواعا واتجاهات عديدة في عالم الصحافة والإعلام، والصحافة التابعة للحكومات تعد واحدة من تلك الاتجاهات، وكما تعرف أن حركة الصحافة في دولة الكويت تعد رائدة في العالم العربي من حيث حرية التعبير وممارسة بعض النظريات الإعلامية المطبقة في الدول الديمقراطية.
وبطبيعة الحال، يجب أن يستفيد أي شخص من المقومات المتوفرة لديه للوصول إلى ماهو أفضل وأوسع وأرحب أفقا وتفكيرا، والوكالة قدمت لي هذه المقومات، حيث نتمتع أنا والزملاء بقدر من الحرية في التعبير وإنشاء الخبر، وأنا ضمنيا أعارض على كلمة "حرية" الصحافة والتعبير، لأنه لاتوجد حرية مطلقة للصحافة، بل تقاس تلك الحرية بعدد القيود أو البنود الاستثنائية في قانون حرية الصحافة والتعبير في دستور أي دولة ينص على هذا القانون.
وتوصلت إلى هذه القناعة بحكم دراستي في مراحل الدارسات العليا في تخصص الإعلام والاتصالات، لاسيما النظرية المثيرة للجدل Framing theory أو نظرية التأطير، إضاف إلى عملي وتأسيسي لعدد من وسائل الإعلام العربية في ماليزيا، مثل صحيفة أهلا، ومجلة أسواق، ومجلة أماكن، وصحيفة الأثير، وهناك عدد من الصحف والقنوات العربية أقوم بتحرير بعض موادها، والمساعدة في إنتاج الأخبار.


• ما هو تقييمكم لواقع الصحافة والإعلام في ماليزيا اليوم ؟
الإعلام والصحافة الماليزية تتخذ من المسئولية الاجتماعية مبدأً رئيسيا لها، وهي نظرية قامت على نقد النظرية الليبرالية الإعلامية أو الحرية المطلقة في الإعلام، لذلك هي تدعو إلى النقد الهادئ والبناء وقبول الآخر، لما فيه مصلحة المجتمع واحترام حقوق الفرد. 
ويحاول الإعلام هنا في ماليزيا تطبيق هذه النظرية، وهي نظرية رائعة في معانيها ومضمونها، إلا أنه يجب علينا أيضا مراعاة وتفهم قوانين الدولة لاسيما المتعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر بالصحافة والإعلام، مثل قوانين التشهير، والترخيص، والطباعة، وامتلاك وثائق سرية، والقذف والافتراء وغيرها.
ومع ذلك، فإن الإعلام والصحافة في ماليزيا لاسيما المناهضة للحكومة تتمتع بجزء لابأس به من حرية الصحافة، وذلك مع وجود الإعلام البديل الذي لم يقنن بعد في ماليزيا، وهنا يجب أن ننوه أن الإعلام المعارض يجب أن يكون عقلانيا ومنطقيا أيضا في طرحه للقضايا الشائكة، لاسيما تلك التي تتسبب في زعزعة أمن البلاد، كما يجب عليها عدم الاهتمام بشكل كبير بالتقاط الهفوات والعيوب الصغيرة للحكومة للتشهير بها وفضحها بحيث تكون شغلهم الشاغل، لكن عليها تقويم المجتمع والحكومة ومساعدتها على استمرارية نهضة البلاد من خلال النقد البناء. ولانعني بذلك أن جميع المنخرطين في الإعلام البديل بماليزيا يمارسون هذا النوع من الصحافة، بل لدي على المستوى الشخصي زملاء لديهم أقلام رائعة ومقومة للمجتمع.


• كيف تنظرون إلى مستقبل الإعلام الماليزي كإعلاميين ماليزيين، وماهي تطلعاتكم ؟
الإعلام بشكل عام يجب أن يسخّر لخدمة وتقويم المجتمع من جهة والحكومة بكل مفاصلها من جهة أخرى، على اعتبار أن الإعلام سلطة رابعة، والإعلام الماليزي يتجه نحو هذا الاتجاه، لذلك نطمح بأن يبرز الإعلام في ماليزيا جميع الإيجابيات، ويظهر أهم إنجازات المجتمع والدولة، إضافة إلى محاولة احتواء أية معضلة تهم الشعب مع المسئولين، قبل إبرازها وكشفها من منطلق "السبق الصحفي"، وهذا يمكن تنفيذه إذا ما أعطت الحكومة صلاحيات واسعة لوسائل الإعلام في المشاركة لاحتواء أية معضلة تهُم الشعب، وذلك لإخراجها وتحريرها في سياق إيجابي.


• كيف يمكن أن نضمن في رأيك أن لاتتحول حرية التعبير إلى فوضى ؟ وكيف يمكن تنظيم وضبط أداء الإعلام على المستوى المهني والأخلاقي ؟
كما أخبرتك آنفا، أنا أعترض على كلمة "حرية التعبير"، ومن الأفضل أن تسمى بـ "قيود التعبير"، لأني كما قلت أن المعيار في حرية التعبير هو عدد القيود المفروضة على قوانين الإعلام في الدولة، فكلما كثرت القيود ضاقت حرية التعبير، وكلما قلّت انفرج هذا الضيق، وليس هناك حرية مطلقة، وإلا تحول الأمر كما تفضلت إلى فوضى.. لذلك وضعت الدول والمنظمات الإعلامية مايعرف بأخلاقيات العمل الصحفي، أو ميثاق الشرف الصحفي، أو الحماية السلوكية للصحفيين، ولكل دولة أو منظمة قوانين وأخلاقيات ومواثيق مختلفة حسب تركيبتها الاجتماعية والثقافية والسياسية.


• ظهرت في ماليزيا صحافة ووسائل إعلامية ناطقة بالعربية خلال العقد الأخير. ماتقييمك لأداء هذه الوسائل، وماتقديرك لحجم القراء بالعربية ؟
لاشك أن الأقبال العربي الكبير على ماليزيا في السنوات الأخيرة، واستقطاب العديد من الاستثمارات العربية المباشرة مثل المطاعم والمحلات التجارية وغيرها، إضافة إلى مكاتب السياحة والخدمات العامة، جميع ذلك شجع على ضرورة وجود صحيفة أو إعلام ناطق بالعربية في دولة غير ناطقة بهذه اللغة.
وتجربة الاستثمار بماليزيا في المجال الصحفي لم يزل في بداياته، ونتطلع إلى الكثير من التطوير في الأداء سواء كانت الفئة المستهدفة من هذا الاستثمار هم العرب المقيمين أو السياح أو الماليزيين، فيجب أخذ تلك الفئات في الاعتبار من خلال انتقاء نوعية الأخبار المنشورة، والاختيار الدقيق للمصطلحات الإعلامية البسيطة غير المعقدة حتى يستفيد منها المتعلم الماليزي إذا كنا نتحدث عن هذه الفئة.
والتقييم حتى أكون صريحا وأنا جزء من هذه المنظمومة الإعلامية هو "دون المستوى"، ويطمح إلى كثير من العمل والتطوير لاسيما في قسم التحرير، بدءاً من الكوادر الصحفية ووجود رأس مال ضخم لتمويل المشروع، وانتهاءً بأبسط الحقوق والامتيازات التي تعطى للصحفي، ناهيك عن الأمور الأخرى من تسويق وتصميم وإدارة وغيرها من الأقسام المكملة لقسم التحرير.


• يرى الكثير من القراء أن الإعلام المكتوب بالعربية في ماليزيا لا يتناسب مع حجم العلاقات العربية الماليزية؟ ما رأيك ؟
اتفق معك أن الإعلام المكتوب لايتناسب مع حجم العلاقات، لاسيما وأن للعرب علاقة تاريخية غرست جذورها في أرض الملايو، وكما تعرف فقد انصهر العديد من العرب أو الحضارمة في البوتقة الماليزية وهذا شي إيجابي جدا، لكن السلبي في ذلك هو نسيانهم للغة العربية، وهي لغة القرآن ولغة المسلمين. . وفي المقابل تجد الأعراق الماليزية الأخرى لم تزل محافظة على تراثها القديم ولغتها الأصيلة، مع حبهم وانتمائهم للوطن. وعلى الرغم من أن دخول العرب إلى ماليزيا جاء متأخرا مقارنة مع دخول الهنود والصينيين في مرحلة ماقبل الاستعمار، لكن سرعان ما نسي العرب الماليزيون لغتهم الأصلية.
لذلك أناشد العرب في ماليزيا بشكل عام، وجميع وسائل الإعلام والصحافة العربية المستثمرة في ماليزيا بالتركيز على تعليم اللغة العربية ونشرها بين الأوساط الماليزية، حيث سخرت الحكومة هنا جميع المقومات لنشر لغة القرآن الكريم، وتعد من أوائل الدول الإسلامية التي اهتمت بتعليم اللغة العربية ورعايتها، فقامت بتدريسها في المدراس والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى، وأرسلت طلابها للدراسة في الدول العربية، إلا أن هذه العوامل لاتكفي من دون إسهام العرب أنفسهم في نشر اللغة العربية الفصحى بين الماليزيين، وخلق بيئة عربية خارج الفصول الدراسية لنشر هذه اللغة.


• يرى البعض أن أن معظم المطبوعات الصادرة بالعربية في ماليزيا مجرد مطبوعات ذات محتوى تسويقي وتوجه تجاري وترويج سياحي ؟
لايمكن تجاهل هذا النوع من الصحافة المهمة، وهي صحافة الترويج والتسويق، وقد كان أول ما استخدم في تاريخ الصحافة العالمية هي صحافة الترويج والتسويق، والإشاعة، واستمرت إلى الصحافة الصفراء وما إلى ذلك من أنواع واتجاهات.
لذلك لانستغرب في ظل الإمكانيات المالية المحدودة، والمقومات المهنية المتواضعة أن تعتمد الصحافة العربية في ماليزيا بشكل كبير على هذا النوع من الصحافة، لأن الإعلام كما يقول أحد المنظرين الإعلاميين والتر بويل Media is big business""، فلا أجد أي ضرر من انتشار صحافة الترويج والتسويق في ماليزيا، مع ضرورة وجود أنواع وتصنيفات أخرى من الصحافة سواء الموجهة أو المحايدة أو الترفيهية أو غيرها، وهذه حقيقة يفيدنا كباحثين في إثراء الدراسات الإعلامية واكتشاف نظريات جديدة، لاسيما مع توغلنا في عالم التكنولوجيا المعلوماتية، والتدفق الهائل من الإعلانات والإشاعات والأخبار والصور والفيديو.


• هل هناك مؤسسات إعلامية ماليزية تقدم خدمات اخبارية بالعربية أو برامج تلفزيونية وإذاعية أو فضائيات ماليزية موجهة للناطقين بالعربية ؟
نعم هناك العديد من المؤسسات الإعلامية الماليزية تهتم باللغة العربية كلغة دين، مثل إذاعة المعهد الماليزية للفكر الإسلامي (إيكيم) حيث تقدم الزميلة منى جثمان برامج باللغة العربية، وهناك برامج تلفزيونية في القنوات الأرضية الماليزية تقوم ببث بعض الدروس والأناشيد العربية، إضافة إلى شراء بعض البرامج التلفزيونية العربية الهادفة مثل برنامج (خواطر) للشقيري و(مجالس المصطفى) للحبيب الجفري وترجمتها إلى الملايوية. 
ومن المثلج للصدر أن يمسك الماليزيون بزمام تعليم اللغة العربية في ماليزيا، سواءً من الذين درسوا في الدول العربية، أو ممن نشأو وتترعرعوا في الدول العربية، وهؤلاء يجب الاستفادة منهم في نشر اللغة العربية الفصيحة في ماليزيا، وأكرر هنا اللغة العربية الفصيحة، وهي لغة المسلمين، بعيدا عن العامية أو اللغات الدارجة في الدول العربية لأنها تدعوا إلى القومية، ولايعني ذلك انتقاص القومية بل لها احترامها وتقديرها.


• وهل مازالت هناك صحف ومجلات ماليزية تستخدم الحرف الجاوي ؟
هناك جهود حكومية وفردية تسعى إلى استعادة هذا الحرف الذي يعتمد في كتابته على الحروف الهجائية العربية مع إضافة حروف أخرى غير موجودة في مخارج الحروف العربية، إلا أن هذه الجهود يجب أن تُدعم بقرار حكومي صارم في استعادة ترسيم هذا الحرف على مستوى البلاد، والبدء الفعلي في التدريس بهذا الحرف، وكل ذلك يصعُب تطبيقه في ظل انتشار الحرف اللاتيني وكثرة المؤلفات والكتب العلمية والدراسية المكتوبة باللاتينية، لكنها ستأخذ وقتها إلى أن تطبق بشكل عملي.



• هل ينقل الإعلام الناطق بالعربية صورة صحيحة ومحايدة عن ماليزيا وثقافتها وعلاقاتها التاريخية، ودورها في المنطقة إقتصادياً وثقافياً وسياسياً ؟
هذا يرجع إلى الصحفي كونه حارس البوابة الإعلامية إضافة إلى سياسة الصحيفة أو المؤسسة الإعلامية، ناهيك عن عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان قبل إصدار أي خبر سواء كان اقتصاديا أو سياسيا أو ثقافيا ومنها العامل الحكومي والعامل القانوني والعامل التجاري لاسيما الشركات المعلنة في الصحيفة.
لذلك، اعتقد أن النظرة العامة لمفهوم الحياد يعتبر أمرا نسبيا، لأنه ليس هناك تعريف ثابت للحياد في الإعلام، والأصل فيه أن يُدرج في الخبر جميع جوانب القضية سواء كانت سلبية أم إيجابية، ويفترض أن تكون جميع الجوانب متساوية في مضمونها واستعاراتها ومصادرها وتلميحاتها، وأرى أنه ليس من السهولة بمكان أن يقف الصحفي على الحياد دون أن ينحاز ولو بنسبة 1 بالمائة لطرف ما، أو مايراه من وجهة نظره صحيحا.
واعتقد أن ماليزيا مثلها مثل أي دولة في العالم، تحتاج إلى الإعلام للترويج لنفسها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وإن وُجدت بعض السلبيات فهي كما قلت مسبقا يجب أن تناقش بين المسئولين والإعلاميين للوصول إلى سياق يحفظ المجتمع من الفوضى، وذلك مشترط بتعاون الجهات الحكومية، وإلا سوف تقوم الصحافة وحدها بدورها في المسئولية الاجتماعية.


المكلا اليوم