متابعات اعلامية / كتب / أ.د. حسني محمد نصر :
لماذا يتجاهل الباحثون لدينا
دراسة الظواهر الجديدة المحيطة باستخدام وسائل الإعلام الجديدة وتأثيراتها سواء
الإيجابية أو السلبية على المستخدمين خصوصا من فئة الشباب؟، ولماذا يتأخر باحثونا
كثيرا عن نظرائهم في العالم في طرق المناطق الأكثر سخونة في التراث العلمي المعاصر
في هذا المجال؟ ولماذا يركزون فقط على إعادة بحث قضايا ومشكلات توقف العالم تقريبا
عن بحثها؟
أطرح هذه الأسئلة بمناسبة ما دار
بيني وبين عدد من طلاب الدراسات العليا بقسم الإعلام الذين جاءوا يعرضون علي
مشروعات لرسائل ماجستير في الإعلام الجديد، واكتشفت أن كل مقترحاتهم تصب فيما
يسميه البعض "إعادة اختراع العجلة"، وهو تعبير يستخدمه الباحثون عندما
ينفق الباحث وقته وجهده في دراسة موضوع قتل بحثا من قبل، ويستغرق في تتبع تعريفات
لمصطلحات راسخة مستقرة توقف العالم عن بحثها. ويكفي أن تفتح أي دراسة في العلوم الاجتماعية
والإنسانية لتجد أن الباحثين الذين عملوا في مجال ما يفتتحون رسائلهم بفصل كامل
يتناول التعريفات والمفاهيم والتطور التاريخي والأهمية إلى آخره، دون أن يقدموا
جديدا. وعلى سبيل المثال وليس الحصر تجد الباحثين في مجال العلاقات العامة يضيعون
فصلا كاملا من رسائلهم في إعادة إنتاج تعريفات الآباء المؤسسين للعلاقات العامة،
والباحثون في الصحافة يعودون إلى تعريف الصحافة وكيف تطورت في العالم، رغم أن
موضوع البحث يكون حول شيء آخر. وبصعوبة شديدة نحاول جاهدين أن نقنع الطلاب بأن
ينطلقوا من حيث انتهى الآخرون ولا يعيدون اختراع العجلة، إلا أن الأمر يحتاج إلى
ما هو أكثر من الاقناع.
في جلسة جدل طويلة أخيرة نجحت
وبصعوبة شديدة في إقناع أحد الباحثين بأن تكون رسالته حول ظاهرة إدمان الإنترنت في
المجتمع العماني ومظاهر وتأثيرات سوء استخدام الوسائل الإعلامية والاتصالية
الجديدة مثل شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية سواء على الفرد أو
المجتمع. في البداية قال الطالب إن الموضوع صعب وجديد، فقلت له هذا هو المطلوب في
البحث العلمي أن يكون الموضوع جديدا. وقلت له إن العالم كله تقريبا يدرس هذه
الظاهرة منذ نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، وأصبح لدينا تراث علمي هائل في
هذا المجال بعد أن طور الباحثون مقاييس علمية جيدة لقياس هذا النوع الجديد من
الإدمان، ونحن في السلطنة ليس لدينا دراسات تتناول هذا الأمر سواء من منطلقات
نفسية أو من منطلقات اتصالية إعلامية. فمع انتشار الإنترنت وتصاعد استخدامها
ووصول عدد مستخدميها إلى مليارات من البشر، اتجه الباحثون إلى الاهتمام بالجوانب
السلبية أو الجوانب المظلمة من هذه الوسيلة الجديدة، خصوصا ما يتصل منها بالإفراط
في استخدامها وعدم القدرة على التحكم في هذا الاستخدام، وهو ما يشار لها علميًا
باسم "إدمان الإنترنت". وقد جذب هذا المصطلح باحثين من تخصصات عديدة مثل
الصحة العقلية وعلم النفس والإعلام. ولم يواكب هذا الاهتمام البحثي العالمي اهتمام
وطني بهذه القضية البحثية المهمة. نريد أن نعرف ما الأنشطة التي يمكن أن تشكل
إدمانا للمستخدم على الشبكة، وأسباب الإدمان على الإنترنت كوسيلة اتصال، كما نريد
أن ندرس عمليا التأثيرات النفسية السلبية الأخرى مثل الإصابة بالاكتئاب، وهل يؤدي
الاستخدام الكثيف للإنترنت إلى تبديد الوقت الذي كان من الممكن للفرد قضاؤه مع
أفراد الأسرة أو الأصدقاء، وهو ما يقود إلى الانسحاب الاجتماعي ويقلل بالتالي
أنماط مهمة للدعم الاجتماعي.
لقد آن الأوان لتوظيف البحث
العلمي في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية لبحث قضايا حقيقة يواجهها المجتمع
العماني، وهو ما يجب أن يوجه إليه الباحثون، وأن تشكل له الفرق البحثية الوطنية
داخل الجامعة وخارجها ، حتى نساعد الباحثين الشباب على الخروج من دائرة إعادة
اختراع العجلة ودخول الدائرة العالمية.
* جامعة السلطان قابوس