الخميس، 20 ديسمبر 2012

الاتصال الجماهيري .. في "مؤتمر" دور الإعلام الجديد في بناء الدولة الحديثة .. في إعلام القاهرة

متابعات إعلامية / القاهرة:


لعبت وسائل الإعلام دوراً بارزاً – إن لم يكن رئيسياً - في إحداث تحولات سياسية في دول الثورات العربية - وبخاصة مصر - وتوجيه وتعبئة الرأي العام باتجاه تحقيق أهداف معينة تدفع بها أجندات هذه الوسائل ومصالح مالكيها، تغلفها الصبغة الوطنية وتحقيق الصالح العام. وبغض النظر عما شاب أداء هذه الوسائل في تغطيتها للأزمات المرتبطة بعملية التحول الديمقراطي، فإن البعض يتطلع إلى دور أكثر فاعلية ومسئولية للإعلام في تهيئة الجمهور للمرحلة الجديدة. ومن هنا، عقدت كلية الإعلام بجامعة القاهرة مؤتمرها الثامن عشر، مستهدفاً التعرف على دور الإعلام في بناء الدولة الحديثة، من خلال عدد من البحوث تناولت دور الإعلام في إدارة الأزمات، والتوعية بالمشاركة المجتمعية وتوجيه الرأي العام.

أولا- وسائل الإعلام الجديد وتكوين الرأي العام العربي نحو الثورات العربية:

أجمعت أغلب البحوث المشاركة في المؤتمر على الدور المتعاظم لشبكات 
التواصل الاجتماعي - كأبرز وسائل الإعلام البديل أو الجديد - في التحولات السياسية في البلدان العربية. فأشارت إحدى دراسات المؤتمر إلى أن استخدام الإنترنت بوجه عام، والشبكات الاجتماعية بوجه خاص، قد أسهم في إيقاظ الوعي العربي، حيث سمحت الشبكات الاجتماعية لملايين من الأفراد – ولأول مرة – بتنظيم تحركاتهم بسرعة ومهارة ومرونة تفوق بكثير الأبنية والأنظمة السياسية والاجتماعية والإعلامية التقليدية.

 
فمع اختلاف الظروف التي قامت من أجلها ثورات الربيع العربي، إلا أن القواسم المشتركة بينها يتصدرها الكبت والقمع السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والأمني، وانتهاك أبسط حقوق الإنسان لمصلحة بقاء النظام، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها هذه الشعوب في مصر، وتونس، واليمن، وسوريا، أو حرمانها من ثرواتها مثل ليبيا، مما دفع بالناشطين إلى نشر معلومات ووثائق وصور وفيديو لفضح ممارسات النظام، واستقطاب أكبر عدد ممكن من المؤيدين في شكل جماعات سياسية منظمة تتغلب على عوائق المتابعة والمراقبة والملاحقة الأمنية بسرعة ودقة ومرونة فائقة.

وبالتالي، يمكن القول إن الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تترجم حالات السخط الشعبي والجماهيري على الأنظمة الحاكمة في شكل جماعات فئوية منظمة استطاعت استخدام التكنولوجيا الحديثة في التواصل، وتشكيل مجموعات متجانسة ومتناسقة، وخلق رأي عام نوعي بدأ افتراضياً وتحول إلى حقيقي، ومن شكل إلكتروني بين المتعلمين والمثقفين إلى شكل شعبي وجماهيري، استقطب مزيداً من الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية في تحالف للقوى والجماعات المقهورة سياسياً، واجتماعياً، وأمنياً، واقتصادياً، واجتماعياً. وأصبح لدى الغالبية العظمي قناعات بأنها لن تخسر أكثر مما خسرت، وتصاعدت حدة المواجهات بين جموع شعبية تصر على المطالبة بحقوقها المشروعة، وأنظمة استبدادية متعنتة ومتسلطة تصر على إنكار حقوق هذه الجموع الشعبية الحاشدة، وتراها قلة مندسة بتبريرات واهية عن وجود قوى خارجية. ومع مرور الوقت، تبين زيف ادعاءاتها، وأن ثورات الربيع العربي ثورات شعبية حقيقية لن تنتهي إلا بتلبية متطلباتها. ومن هنا، استطاعت الشبكات الاجتماعية أن تلعب دور الإعلام البديل بنجاح، من خلال توفيرها لوسائل سهلة سريعة آمنة من أجل التبادل الحر للمعلومات والآراء.

ثانيا- وسائل الإعلام وقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني:

احتلت قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني العاملة في مصر مساحة كبيرة من الجدل الإعلامي على المستويين العالمي والمحلي حول مدى كفاءة المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية. لذا، استهدفت دراسة الباحثة أماني بسيوني تحديد اتجاهات وسائل الإعلام المحلية والأجنبية نحو تلك القضية، والوقوف على اتجاهات الجمهور نحو المنظمات الحكومية بعد ثورة 25 يناير.

وخلصت الدراسة إلى أن قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني تعد نموذجاً معقداً لاستغلال وسائل الإعلام في التأثير فى الرأي العام برسائل موجهة، ثم القيام بأفعال مغايرة لتلك الرسائل، مدفوعة بمصالح سياسية. وتبنت بعض وسائل الإعلام الأجنبية اتجاهاً تاريخياً لجذور المنظمات غير الحكومية في مصر، الممولة من جهات أو دول أجنبية. وأرجع معظم كتاب المقالات الأجانب وبعض الكتاب المصريين أسباب إثارة هذه القضية إلى تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية في مصر، مما يجعلها أحد عناصر تحويل الانتباه عن سوء أداء الحكومة والمجلس العسكري الحاكم في الفترة الانتقالية. بينما أكد أحد كتاب الرأي الأجانب صحة التشكك في نوايا الدول المانحة التي تقوم بتمويل المنظمات غير الحكومية في مصر والعالم، طبقاً لتاريخ تلك البرامج المريب والمضلل.

أما بخصوص اتجاهات الجمهور نحو منظمات المجتمع المدني بعد الثورة، فقد أشارت الدراسة إلى وجود اتجاه محايد أكثر من كونه محابياً، حيث رأى أغلب المبحوثين أن المنظمات غير الحكومية تعد ستاراً لخدمة مصالح دول أجنبية، وتتلقى معونات لا توجه لمشروعات التنمية في مصر.

ثالثا- استراتيجيات الخطاب الاتصالي للمؤسسات المصرية في إدارة الأزمات:

سعت إحدى دراسات المؤتمر إلى التعرف على الأنماط الخطابية المستخدمة في ثلاث مؤسسات، مثلت أقوى المؤسسات المعنية بإدارة الأحداث في الدولة، خلال المرحلة الانتقالية، وهي: المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئاسة مجلس الوزراء، وجماعة الإخوان المسلمين.

وعكست النتائج أن كلا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة مجلس الوزراء قد اتخذا نمطاً خطابياً واحداً تكرر في كل الأزمات التي حدثت خلال المرحلة الانتقالية؛ وهو خطاب التهرب من المسئولية، وعدم الاعتراف بأي أخطاء، وإلقاء المسئولية على جهات متعددة، والتركيز على دفع أي اتهامات توجه إلى كليهما.

بينما غلب على خطاب الإخوان الهجوم على عدة جهات في كل الأزمات، وارتبط هذا الخطاب بسياسة المصالح والأهداف والموقف من الحكومة والمجلس، وما تحققه الجماعة من مكاسب على مدى تلك الفترة. وإن دل ذلك على شىء، فإنما يدل على أن خطاب الأزمة في تلك المؤسسات لم يخضع للمعايرر العلمية والمهنية والأخلاقية في اختيار الخطاب الاتصالي المناسب، والذي يركز على الجانب الإصلاحي، واتخاذ إجراءات علاجية لمنع تكرار الأزمة، والتخلص من أسبابها، وفي الوقت نفسه الاعتراف بالمسئولية وتحملها، والاعتذار للجمهور.

رابعا- قضايا الآخر الديني والسياسي في خطاب النخبة خلال المرحلة الانتقالية:

اعتمدت دراسة ثريا البدوي على تحليل خطاب النخبة المصرية، متعددة التوجهات الدينية والسياسية، خلال انتخابات المرحلة الانتقالية فى مصر، نحو منظومة الصحف المصرية، ونحو الآخر الدينى (الإخوان، السلفيون، الأقباط)، أو السياسي (الليبرالي، العلماني، الاشتراكي، الشيوعي،الناصري) في الصحف سالفة الذكر.

وأوضحت النتائج اتفاق النخب متعددة الاتجاهات والأيديولوجيات على معاناة المنظومة الإعلامية فى مصر من الهيمنة السياسية والاقتصادية وعدم المهنية. فهو إعلام لا يحترم العقلية الواعية للمواطن المصرى (الحرية والعدالة)، ويحض على كراهية الآخر، خاصة القبطي ومنظمات المجتمع المدني (المصرى اليوم)، ومنفصل عن المواطن وقضاياه (الأهالي)، أو إعلام عميل (الفتح)، قائم على نخب فاسدة (الوفد) ، ويضر الوطن ومصالحه العليا(الأهرام).

أما فيما يتعلق بتوجهات النخب نحو خطاب الصحف تجاه الآخر الديني والسياسي؛ فيصبح نمط الملكية الحزبية ونمط الملكية الخاصة التى تعبر عن توجهات أيديولوجية دينية معتدلة هما الأكثر تدعيماً لمفهوم الحكم الإعلامي الرشيد (صحيفة الحرية والعدالة، ووطني). أما الخطابات الإعلامية بجريدة الفتح، فقد عمدت إلى تشويه الآخر الليبرالي والعلماني (البرادعى بخاصة)، واتهامه بالعمالة والخيانة، ومناهضة الإسلام. وركزت باقي الصحف على أطروحات مهاجمة الإخوان والسلفيين، والربط بينهما والعنف والخطر، والضرر المجتمعي، بالتركيز على ماضى الجماعة ،وربطه بحاضرها فى القفز على الثورة لتحقيق مصالح خاصة. وكانت أطروحات تديين المجتمع وتفتيته فى الوقت  ذاته هى الأكثر بروزاً فى الخطابات الإعلامية للصحف المصرية، خاصة فى سياق الحديث عن الأقباط.

خامسا- التوصيات:

خلص المؤتمر إلى أن هناك تفوقا واضحا للشبكات الاجتماعية في تكوين آراء الجمهور نحو الثورات العربية، نتيجة لسماح هذه الوسائل بحرية أكبر بكثير من الوسائل التقليدية، وقدرتها على تحقيق المشاركة بفاعلية. وبالتالي، فإن هناك حاجة ملحة لوسائل الإعلام التقليدية إلى أن تراجع أداءها المهني، في ضوء المعدل المتسارع لانسحاب الجمهور منها، واتجاهه نحو الشبكات الاجتماعية والوسائل الحديثة، مما يفرض عليها العمل معا،ً والبحث عن طرق خاصة لتطوير أدائها ،والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، بدلاً من الدخول معها في منافسة غير عادلة أو متكافئة.

وتعد الشبكات الاجتماعية فرصة ملائمة لمساعدة الدول العربية في مساعيها نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال التوجه برسائلها عبر هذه الوسائل، واستقطاب الشباب بوسائل واقعية وملائمة ،تحاكى حياتهم اليومية بلغة بسيطة، بعيدة عن التعقيد والتركيب.

وأوصى المؤتمر بعدد من التوصيات، أهمها ضرورة مراجعة التشريعات الإعلامية التي تكبل حرية تداول المعلومات، ومراجعة أوضاع المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة، اقتصادياً ووسياسياً وقانونياً، بحيث تكون أداة إعلام المواطن، وتأكيد ضرورة إنشاء كيان مستقل لتنظيم الإعلام المصري، بعيداً عن السلطة التنفيذية