الجمعة، 22 فبراير 2013

شيخ الصحافة الحضرمية "محمد بن هاشم بن طاهر" .. أولى اصدراته الصحفية عام 1911م

متابعات إعلامية / خاص:
ولد السيد محمد بن هاشم بن طاهر في سنة 1300هـ/1883م بقرية مسيلة آل شيخ التي تبعد حوالي ستة أميال جنوب مدينة تريم حضرموت، ونشأ وتربى بها تربية دينية وتعلم على أيدي أشهر علماء عصره كالشاعر الكبير والعلامة الفذ أبوبكر بن عبدالرحمن بن شهاب والعلامة عبدالله بن عمر الشاطري مدير رباط تريم وغيرهما وقرأ عليهم أمهات الكتب في علوم اللغة والدين والتاريخ والمنطق والفلك، ولشدة ذكائه وسريع فهمه فاق زملاءه حتى أصبح ينوب عن مشايخه في حالة غيابهم.
وفي سنة 1325هـ/ 1907م هاجر إلى جاوه باندونيسيا واشتغل بالتدريس فتولى إدارة مدرسة شمائل الهدى بقرسي، ثم مدرسة قلبينان ثم مدرسة جمعية خير بجاكرتا ومدرسة شمائل الهدى بباكلتقان ثم مدرسة حضرموت بسورابايا. ولم يكتف ابن هاشم بإدارة هذه المدارس والتدريس بها بل قام بإعداد مناهجها وإدخال بعض المواد التي لم تدرس بها في ذلك العهد كعلوم الطبيعة والإنشاء والخطابة.
ورغم شواغله المدرسية واهتمامه التربوي دخل ابن هاشم خدمة «صاحبة الجلالة» والمعترك الصحفي وظل يغذي المجتمع بمقالاته الرائعة وقصائده البليغة في مختلف المواضيع. وكانت أولى جولاته في صحيفة «الإصلاح» (1326 - 1329هـ) بسنغافورة لصاحبها المرحوم كرامة سعيد بلدرم، ثم أصدر ابن هاشم في عام 1332هـ/1914م صحيفتي «البشير» و«الميزان» كما أشرف على صحيفة «الإقبال» بسورابايا (1334هـ - 1339هـ) لصاحبها المرحوم محمد سالم بارجاء. في 1341هـ/1923م تولى رئاسة تحرير صحيفة «حضرموت» بمدينة سورابايا وهي من أرقى الصحف العربية التي تصدر في المهجر الشرقي وأوسعها انتشاراً وكان الأمير شكيب أرسلان والسيد التفتازاني والعلامة الشيخ رباح حسونة الأزهري والعلامة الأستاذ محمد المرشدي يكتبون في هذه الجريدة، ولم تسلم من الضغوط الاستعمارية وتعريض صاحب الامتياز المسئول السيد عيدروس المشهور مراراً للاستنطاق أمام المدعي العام الهولندي بتهمة تحريض الرأي العام على الاضطرابات وإثارة الكراهية ضد الاستعمار الهولندي.




وفي عام 1344هـ/1924م ترأس الأستاذ ابن هشام أول بعثة علمية من نوعها من اندونيسيا إلى القاهرة تضم 17 طالباً للالتحاق بجامعات مصر والأزهر الشريف. ولم يتوقف ابن هاشم عن نشاطه السياسي والثقافي والعلمي فظل يكتب المقالات في صحيفة «وادي النيل» وجريدة «السياسة» ويلقي المحاضرات عن حضرموت ومشاكلها بنادي الموظفين ودار «الرابطة الشرقية» ويأخذ عن علمائها ومدرسيها.
وبعدها وفي سنة 1345هـ عاد إلى حضرموت وأدار مدرسة (جمعية الحق) بتريم وقد أحدث في مناهجها كثيراً من التحديث والتغيير بحيث يتلاءم مع روح العصر فأدخل تدريس العلوم الحديثة والفلك والنشاط المدرسي كالجمعيات الأدبية والصحافة والخطابة والرياضة والأناشيد المدرسية، وهذا ساعد كثيراً في بث الروح الوطنية والطموح والشجاعة الأدبية. من هذه المدرسة تخرج الكثير ممن تحملوا مسؤولية التغيير وقادوا الحركات السياسية وكان منهم علماء وأدباء وأساتذة كبار.
في عام 1355هـ/1936م عين سكرتيراً للجنة الوطنية والشؤون القضائية (سكرتير الدولة) للسلطنة الكثيرية، ولكنه لم يدم طويلاً في هذا المنصب وعاد إلى مجاله الطبيعي في ميادين التأليف والتدريس والتثقيف، فعمل مدرساً بمدرسة الكاف ثم بمدرسة جمعية الإخوة والمعاونة ويلقي المحاضرات بنادي الشبيبة المتحدة بتريم ونادي الإخاء ويكتب المقالات في « مجلة الإخاء» الصادرة من جمعية الإخوة والمعاونة بتريم.
وبعد حياة حافلة بالعطاء والارتقاء توفي معلم الأجيال وشيخ الصحافة الحضرمية السيد محمد بن هاشم بن طاهر العلوي في شهر صفر سنة 1380هـ الموافق: أغسطس 1960م بمدينة تريم ودفن بها.




يقول فيه المؤرخ العلامة عبدالله بن محمد السقاف في الجزء الخامس من (تاريخ الشعراء الحضرميين): «ويعتبر ابن هاشم المؤسس للروح الثقافية الحديثة في الشرق الجاوي، كيف لا ينبغ عليه العدد الوفير وطوائف التلاميذ من مختلف الطبقات والأجناس والأوساط إلى الخطابة البليغة باللغة العربية الفصحى الارتجالية المعربة بعدما كانت ألسنتهم أعجمية.. وقد يكون من المدهش الصعود بعديد منهم إلى تحرير المقالات الأدبية والاجتماعية بجمال باهر. والحقيقة أن مجهود صاحب الترجمة لم يكن قاصراً على الناشئين الذكور ولكنه تخطى إلى البنات الناشئات» اهـ.
وقال عنه المؤرخ الأستاذ سعيد عوض باوزير في كتاب (الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي): «كان من أبرز دعاة التطور في حضرموت وأكثرهم مساهمة في الدعوة إلى النهوض الاجتماعي بفكره وقلمه ولسانه وكل ما يملك من جهد»
ويعتبر المترجم له أحد رواد حركة التحديث في حضرموت ومهجرها الشرقي (اندونيسيا وسنغافورة وماليزيا) وفي مصر. وبالنظر إلى أعماله فقد امتاز شعر ابن هاشم بالمتانة والانسجام ولو حفظت أشعاره لكونت ديواناً ضخماً، فيه المراثي والاجتماعيات والوصف والوطنيات.
ويكشف شعره عن ثقافة واسعة متعددة الجوانب، وتتنوع معالجاته بين رصد خبرات الحياة واستخلاص ما فيها من حكمة، ورثاء أعلام عصره وشيوخه، والمدح، وشكوى الزمان، وعتاب جريدة وادي النيل، وامتداح العلم والسعي إليه، والإخوانيات. عباراته واضحة، تميل إلى الخطابية، ودور الخيال في شعره محدود.








هو أيضاً تربوي قدير تخرج على يديه شخصيات كثيرة برزت في التاريخ الحديث لحضرموت واندونيسيا، كما أنه صحفي وكاتب متميز صدرت له ثلاث صحف في اندونيسيا، وكتب مئات المقالات والأبحاث في صحف ومجلات حضرموت والقاهرة لو جمعت لملأت مجلدات ضخمة. وله عدة مؤلفات في اللغة والتاريخ والعلوم والاجتماع والفلك، كما كان شاعراً وأديباً وكان يلقب بشيخ الصحافة الحضرمية.
وقد وصفه تلميذه العلامة الشاعر والمؤرخ محمد أحمد الشاطري في قصيدة بعنوان «من تلميذ إلى أستاذ»:ـ
ليثٌ ولكن المدارس غيلة بحر فمن طلب الجواهر يغرف
وانظر إلى منثوره وقريضه فهناك ما يحلو وما يستطرف
وإذا ارتقى عرش الخطابة لم يزل كالسيل لا يلوي ولا يتوقف
إن حث حرك أو تكلم مادحاً أطرى وإن وعظ الدموع تكفكف
وإذا أنامله جرت لكتابة أبدى العجاب يراعُه إذ يرعف
ومن مؤلفاته:
1. «رحلة إلى الثغرين الشحر والمكلا » - طبعت بمطبعة حجازي - القاهرة 1350هـ/ 191م،
2. «الخريت على منظومة اليواقيت» طبعت بمطبعة المدني - القاهرة 1967م،
3. و«دروس الطبيعة» - مطبعة الكتب العربية المصرية - سوربايا 1336هـ/ 1917م،
4. و«تاريخ الدولة الكثيرية» - تريم للدراسات والنشر - اليمن 2002،
5. العامية الحضرمية أو بنت الفصحى (مخطوط).
6. تاريخ جاوة.
7. الدور الكافي أو الثروة الكافية.
8. النوافع الوردية في تقويم الهند الهولندية.
9. ومجموعة قصص الأطفال - مخطوطة،
10. وله مجموعة من الدراسات حول الشعر الدارج - نشرتها مجلة الإخاء - جمعية الأخوة والمعاونة - تريم - حضرموت - الأعداد من مارس 1938 حتى مارس 1940،
11. وله مقدمات ودراسات نقدية لدواوين عدد من الشعراء.




ومن نماذج قصائده:ــ
شرف العلم
للعلم يرحل من بالجد يطلبُهُ إنْ جلَّ في مقلة الثاوي تغرُّبُهُ والشرق أجدر ما تحت السماء بأن يؤم للعلم عرض اليم ينهبه
فطالما ظل في ذلّ وفي ضعة والجهل يرفعه طورًا ويجذبه
أَلْـمِمْ به أيها العلم الشريف فقد دكت معالمه وانحط منصبه
أَلْـمِمْ به فلعل العلم يسعده يومًا لما كان عند الجهل يحجبه
وإن يتاح له عَوْدٌ إلى بَرَهٍ قد كان يعجبها يومًا وتعجبه
هَلا يرى الشرق أن الهون ممتلك خناقه وخيال الغرب يرعبه
بلى وإن كؤوس الذل مترعةٌ أمامه وهو مدني الكاس يشربه
العلم أشرف ما ترجى النجاة به وأشرف الشيء في التحصيل أصعبه
طبتم أفعالاً
في المدح:ــ
لذوي المكارمِ والنهوض عزائمُ ولمن غدا يهوى الرقيَّ معالمُ
والمكرمات وإن تعاظم نَيْلها فلدى العزيمة يصغر المتعاظم
ومؤسسو دور العلوم بأمّة سُرُجٌ ينار بها الظلامُ القائم
ورثوا من الرسل الكرام مواهبًا تعنو الأنوف لهن وهي رواغم
وتكفلوا حدو الشعوب وسوقها فيقوم قاعدها ويمشي القائم
وتبوأوا مهج الأنام فأصبحوا ولهم بأعمال القلوب معالم
طبتم بني الزهراء أفعالاً كما طابت بكم في الخافقين مكارم
ونجا بكم وادي ابن راشد وهو قد حامت عليه من الهنات حوائم
إنا بني وطني لفي عصر به موج المعارف في الورى متلاطم
عصرٌ لجهال الشعوب محارب ولمن تحلّى بالعلوم مسالم
عصرٌ به رب الجهالة ملجم خاف ورب العلم سيفٌ صارم

عدن المنار