الأحد، 22 أكتوبر 2017

سلسلة مقالات علمية في الإعلام المجتمعي .. الحلقة الثانية نشأة الإعلام المجتمعي عالميا

متابعات اعلامية / كتب / د. عبدالقادر عبدالرحمن بن شهاب * :
تناولنا في الحلقة الأولى أن "الإعلام المجتمعي" هو وسيلة غير ربحية مملوكة للمجتمع المحلي ، يقوم على ربط الناس بعضهم ببعض بغرض تطوير المجتمع ، وتقديم برامج مخصصة لجمهور محدد ضمن المجتمع الكلي للدولة ، بغرض الإسهام في التنمية المحلية ، وتحريك مناخ الديمقراطية والتنمية البشرية والشراكة المجتمعية والسياسية ، ومساعدة الجمهور على التفاعل مع الأحداث التي تجري في مجتمعاتهم المحلية .
وعن نشأة وتطور مصطلح "الإعلام المجتمعي" ، فقد كانت المجتمعات الغربية في الدول المتقدمة هي أول من طوّر مصطلح "الإعلام المجتمعي" ، وكان ذلك في فترة السبعينات من القرن الماضي ، ولفت ذلك انتباه منظمة (اليونيسكو) التابعة للأمم المتحدة ، فقامت بإجراء عدة دراسات على موضوع "الإعلام المجتمعي" الذي يخص بتنمية الأفراد والمجتمعات .
وكانت أول دراسة بحثية لليونسيكو حول "الإعلام المجتمعي" كانت بعنوان (بعض النماذج الغربية للإعلام المجتمعي) أجراها الباحث (فرانسيس برجان) عام 1977م ، كما أجرى الباحث (برجان) دراسة أخرى تختص بتجربة الإعلام المجتمعي في الدول النامية بعنوان : "دور الإعلام المجتمعي في التنمية" ، والتي نشرت في مجلة Mass Communication .
حينها تنبهت منظمة (اليونيسكو) إلى أهمية الإعلام المجتمعي في إحداث التنمية المجتمعية ، وبدأت بأنشاء أول إذاعة مجتمعية في أفريقيا وهي (Homa Bay) عام 1982م ، ثم أنشأت في ذات العام إذاعة (Tambuli) في الفلبين ، ورأت اليونيسكو أن الإذاعات المجتمعية تعد أداة أساسية في إعطاء الصوت لمن أطلقت عليهم مصطلح (Voiceless) "أي المهمشة أصواتهم" ، من أجل تفعيل الديمقراطية في تلك المجتمعات بتمكين الجميع من التعبير عن آرائهم .
ويرى الباحث (كارلوس ارنالدو) أن الراديو المجتمعي وهو أهم أشكال "الإعلام المجتمعي" وهو عبارة عن جهد جماعي يقوم به أعضاء مجتمع معين لتصميم برامج إذاعية وإذاعتها عبر الأثير ، يناقشون فيها قضاياهام المتعلقة بالتنمية والديمقراطية ، ويعتمد الراديو المجتمعي على القرب من المستمعين ، على عكس الراديو الرسمي الناطق بإسم الحكومات ، أو الراديو التجاري الذي يعتمد على الدخل المالي ، كما أن الراديو المجتمعي يستخدم صيغة الخطابات غير الرسمية لتكون أكثر قربا من الجمهور المستهدف .
أما عن البداية الأولى لنشأة وتطور "الإعلام المجتمعي" فقد كانت في كندا ، حيث يعتبرها خبراء الإعلام مهد البث المجتمعي ، فقد لعبت كندا دورا كبيرا في وسائل الإعلام المجتمعية ، ففي الستينيات من القرن العشرين أطلق المجلس الوطني السنمائي الكندي مشروعا أطلق عليه اسم "تحدي التغيير" ، وكان عبارة عن سلسلة من الأفلام الوثائقية التي تتناول المشكلات الإقتصادية الإجتماعية ، ومرة أخرى أحدث فيديو "porta – Pak" من إنتاج سوني والذي قام بثورة إعلامية مجتمعية في كندا .
ففي عام 1968م ، تمكّن صانعا الأفلام "بوني كلين" و "دروثي هونت" من إقناع مشروع "تحدي التغيير" بتناول مشكلات مجتمعية ذات طابع محلي أكثر ، وفي العام نفسه ، قاما بتدريب أعضاء من "لجنة مواطني سانت جاك" على إنتاج الفيديو ، فقد انتقلت اللجنة إلى أحياء مونتريال الفقيرة وقامت بتصوير مشاهد مصورة للقاءات مع الفقراء ثم قدمت الفيديو في اجتماعات عامة لطرحه للمناقشة .
ويعود تاريخ نشأة إلاذاعة المجتمعية إلى مؤسسات إذاعة الهواة التي تشكلت عام 1906م . فمن زوايا تاريخية ، يعد المثال الإبداعي لإذاعة المجتمع هو إذاعة باسفيكيا المملوكة لــ "لويس هيل" . كيه بي إف إيه في بيركلي ، كاليفورنيا ، بدأت البث عام 1949م بعد الحصول عل رخصة هيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC) لنطاق إف إم. وكانت محطة "باسفيكيا" الأولى تحصل على التمويل من الدعم الذي يقدمه المستمعون والمؤسسات الخيرية.
لقد وضع خطاب توكيل إذاعة "باسفيكيا" ، التي عبر عنها "هيل" بقوله "الإشتراك في أي نشاط يساهم في إرساء التفاهم بين الأمم وبين الأفراد من جميع الدول والأعراق  والسلالات والألون" إطار عمل حركة وسائل إعلام المجتمع على مدار تطورها التاريخي والتقني .
وفي أوربا بدأت الفترة التجريبية لوسائل الإعلام المجتمعية في السبعينات من القرن العشرين بعد ما كان الوصول إلى تلفاز أمريكا الشمالية العام قيد التنفيذ . ولذا كانت تعتبر نموذجا ولكنه بيّن أيضا أن بيئات وسائل الإعلام هي بيئات مختلفة بنيويا ، وقد نشأ تلفاز وإذاعة المجتمع في أوروبا من انتقاد نظام الخدمة العامة الإحتكارية التي كانت تعتبر بعيدة المنال .
ومن الأمثلة القوية على وسائل الإعلام المجتمعية من خارج أمريكا الشمالية وأوروبا إذاعة "عمال مناجم بوليفيا" التي ظهرت في الأربعينيات من القرن العشرين ، فلقد أسس اتحاد عمال المناجم المحلي هذه المحطة الإذاعية التي أصبحت وسيلة مهمة للتواصل والمقاومة والتعليم والثقافة .
أما نشأة "الإعلام المجتمعي في الولايات المتحدة الأمريكية ، فتعتبر أول وسيلة إعلامية من وسائل الإعلام المجتمعي كانت هي "التليفزيون" وقد أطلقت عام 1968م في مدينة ديل في ولاية فيرجينيا ، وكانت تقدم برامجها عل مدار عامين دون إعلانات ، ولقد أغلقت المحطة نتيجة نقص التمويل والمعدات والبنية الأساسية .
* أستاذ مساعد بقسم الإعلام – كلية الآداب – جامعة عدن - اليمن.